مع اقتراب عام 2014 من نهايته شهدت اسعار النفط هبوطا أوصلها الى ادنى مستوياتها منذ خمس سنوات، وفقد النفط نحو 44 في المئة من قيمته خلال النصف الثاني من العام الحالي. وتضافرت عوامل متعددة لإحداث هذا الهبوط منها تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وركود الاقتصاد الياباني وتوقف اقتصاد منطقة اليورو عن النمو عمليا. وهناك تكهنات بأن عوامل جيوسياسية تقف وراء هبوط اسعار النفط منها الضغط على روسيا بسبب الأزمة الاوكرانية وعلى ايران للتنازل بشأن برنامجها النووي وسعي دول نفطية كبيرة للحفاظ على حصتها من السوق في مواجهة انتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري بكميات متزايدة. ونتيجة لذلك نشأ فائض قدره مليونا برميل في السوق العالمية.
ومهما تكن الأسباب التي تكمن وراء هبوط اسعار النفط بهذه الحدة فان العراق من أكبر المتضررين نظرا لاقتصاده الاحادي الذي يعتمد على مورد منفرد في تكوين دخله الوطني هو النفط. وتبدى هذا الاعتماد بأسطع صوره في موازنة 2015 والاجراءات التقشفية التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي للحد من الانفاق العام.
جدوى إقتصادية
وجاء هبوط اسعار النفط في اسوأ وقت يمكن تصوره بالنسبة للعراق الذي يواجه خطرا وجوديا من داعش يتطلب حشد كل الموارد المتاحة لدرئه وفي الوقت نفسه توفير ما يكفي لإعادة بناء قواته المسلحة ومساعدة نحو مليوني نازح هجرهم داعش. يضاف الى ذلك وجود جهاز اداري متضخم بملايين الموظفين الذين يتعين دفع رواتبهم واعتماد ملايين المواطنين على البطاقة التموينية التي ما زالت تشكل عبئاً يرهق خزينة الدولة.
ولكن مراقبين لفتوا الى قضية أخرى لا تقل خطورة تراجعت الى الظل في هذه المرحلة حيث ينصب الاهتمام على ادارة المعركة ضد داعش، وهي مصير المشاريع الطموحة التي أعدتها وزارة النفط لزيادة الانتاج بل ومضاعفته عدة مرات خلال السنوات المقبلة. ويحذر محللون من ان الاستمرار في تنفيذ هذه المشاريع بتكاليف باهظة في وقت تتراجع اسعار النفط بحدة ليس مجديا من الناحية الاقتصادية. ولكن محللين آخرين يرون خلاف ذلك متوقعين ازدياد الطلب مع ارتفاع معدلات النمو في الاقتصاد العالمي.
وكانت وكالة الطاقة الدولية توقعت ان يتمكن العراق من مضاعفة انتاجه النفطي الى 6.1 مليون برميل في اليوم بحلول نهاية العقد الحالي. كما اعربت الوكالة عن اقتناعها بأن مساهمة العراق ستكون متميزة في تلبية احتياجات السوق العالمية على المدى البعيد. وأبدت الحكومة العراقية قدرا حتى أكبر من التفاؤل متوقعة زيادة انتاج النفط الى 8.4 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2018. ولكن غالبية المحللين يرون ان هذه الأرقام ليست واقعية في الظروف الحالية.
إزاء هذا التضارب في وجهات النظر بشأن آفاق صناعة النفط العراقية التقت اذاعة العراق الحر كبير مستشاري مجلس الوزراء ثامر الغضبان الذي دعا الى اعادة النظر في خطط العراق لمضاعفة الانتاج الى نحو تسعة ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2020 مقترحا في الوقت نفسه التريث في المراجعة ومراقبة السوق عن كثب لا سيما وان هناك مؤشرات الى ان اسعار النفط يمكن ان تنتعش بخروج النفط الصخري من السوق لأن سعره الحالي لا يجعل انتاجه مربحا، وقرار العديد من الشركات النفطية، بما فيها شركات كبرى، تقليص انفاقها الاستثماري في عام 2015 وبذلك تقليل العرض وزيادة الطلب لا سيما على النفوط رخيصة الانتاج مثل النفط العراقي.
ورأى الغضبان في هبوط اسعار النفط جانبا ايجابيا هو دفع الحكومة الى البحث عن مصادر دخل اخرى ترفد بها خزينة الدولة بتطوير قطاعات الاقتصاد الأخرى وزيادة الايرادات الضريبية والرسوم فضلا عن تخفيض الانفاق الحكومي وضغط المصروفات والحد من الاستيراد غير الضروري في اطار سياسة تقشفية تمليها المرحلة ،لكن أقر بأن 2015 سيكون عاما صعبا على البلدان النفطية التي تعتمد ميزانياتُها على عائدات النفط مثل العراق.
واعرب كبير مستشاري مجلس الوزراء ثامر الغضبان عن تفاؤله بان يشهد العام الجديد تحولات كبيرة نحو الافضل بتنفيذ برامج أُعدت منذ ثماني سنوات لتطوير الادارة الحكومية بما في ذلك تحسين بيئة العمل ومكافحة الفساد والحد من البيروقراطية والروتين وتشجيع الاستثمار.
وزير النفط السابق وعضو لجنة النفط والطاقة النيابية ابراهيم بحر العلوم قدَّر ان العراق يحتاج الى استثمار 30 مليار دولار سنويا لبلوغ اهدافه في زيادة انتاج النفط خلال السنوات المقبلة متسائلا عما اذا كانت لدى العراق مثل هذه الأموال اولا وعن امكانية تحقيق ذلك إزاء ضعف البنى التحتية من طاقات تخزين وانابيب نقل ومرافئ تحميل وتصدير ومرتكزات أخرى ثانيا.
وتوقع بحر العلوم سعر النفط في حدود 70 دولارا للبرميل كي تتوفر لدى العراق الموارد المالية الكافية لتنفيذ مشاريعه الكبيرة في زيادة انتاج النفط لافتا الى ان هبوط اسعار النفط لم يبلغ حتى الآن مستواه الأدنى قبل ان يبدأ بالارتفاع مجددا.
واعتبر عضو لجنة النفط والطاقة النيابية ابراهيم بحر العلوم ان 2015 سيكون عام اختبار لبرنامج الحكومة وقدرتها على الحد من الطابع الريعي للاقتصاد العراقي ولو بالحدود الدنيا.
المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أكد ان الوزارة أعدت خطتها الخمسية للفترة الممتدة حتى عام 2017 بايلاء النفط والكهرباء اهتماما خاصا لكونهما ركنين اساسيين في دفع عجلة التنمية وعلى اساس ان يبقى النفط عاملا حاسما في تمويل المشاريع التنموية خلال السنوات المقبلة حتى ان الوزارة تتوقع ان يصل انتاج العراق الى 12 مليون برميل في اليوم خلال السنوات المقبلة.
ورغم تقديرات وزارة التخطيط بأن يبقى النفط العمود الفقري للاقتصاد العراقي خلال السنوات المقبلة فان الهنداوي أكد اهتمام الخطة الخمسية بتطوير قطاعات أخرى مثل الزراعة والصناعة والاستثمار ورأس المال الخاص للمساهمة بقسطها في تكوين الخل الوطني والتعويض عن أي نقص في العائدات يحدث نتيجة هبوط اسعار النفط كما هي الحال اليوم.
الخبير النفطي عباس الغالبي استبعد ان يشهد العام الجديدة تطورا كبيرا في انتاج النفط العراقي الذي تقل صادرته قليلا عن 3 ملايين برميل في اليوم نظرا لتردي البنية التحتية الذي لا يشجع الشركات العالمية على الاستثمار وبسبب تداعيات الوضع الأمني الذي القىبظلاله على عمل هذه الشركات في العراق.
واشار الغالبي الى تقلبات سوق النفط وهبوط الطلب على النفط العراقي من مستهلكين كبار مثل الصين واليابان مقترحا على الحكومة ايجاد بدائل اولا ومعالجة الوضع الأمني ثانيا.
استاذ الاقتصاد في جامعة المستنصرية عبد الرحمن المشهداني اعاد التذكير بجولات التراخيص الأولى وما اثارته من تفاؤل بانتاج اثني عشر مليون برميل في اليوم ثم تراجع الرقم الى ستة ملايين مستبعدا ان يتمكن العراق بهذه الكمية ، على افتراض بلوغها ، من منافسة منتجين كبار مثل العربية السعودية التي تصدر في حدود 10.5 مليون برميل في اليوموروسيا التي تنتج 10 ملايين برميل في اليوم.
ورجح الأكاديمي المشهداني ألا تزيد صادرات العراق النفطية خلال السنوات الخمس المقبلة على 4.5 مليون برميل في اليوم إلا إذا أُضيفت اليها صادرات اقليم كردستان وهذه عليها علامة استفهام كبيرة نظرا لاستمرار انعدام الثقة بين بغداد واربيل ، بحسب المشهداني.
وتوقع استاذ الاقتصاد عبد الرحمن المشهداني ان يبقى الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا عماده النفط كما يتضح من الموازنة التي جاءت متقشفة لكن عائدات النفط تشكل نحو 85 في المئة من تخصيصاتها.
قررت منظمة البلدان المصدر للنفط "اوبك" الحفاظ على المستويات الحالية لانتاج النفط رغم فيض الامدادات في السوق العالمية وتضرر دول اعضاء فياوبك مثل العراق.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في اعداده مراسل اذاعة العراق الحر رامي احمد.