ظهر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" خلال عام 2014 كواحد من أقوى التنظيمات الجهادية، وبات الآن ينافس حتى تنظيم القاعدة، إذ يسيطر هذا التنظيم السني المتطرف على مساحات شاسعة من الأراضي في كل من سورية والعراق ويضم في صفوفه آلاف المقاتلين – من بينهم العديد من مواطني دول أوروبا الغربية. وقد تم حشد تحالف من 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة – من بينها بعض الدول العربية – لمجابهة "داعش". ولكن وبعد عدة أشهر من الضربات الجوية ما زال متشددو "داعش" يشكلون تهديدا بالاستيلاء على المزيد من الأراضي وما زالوا يجتذبون مقاتلين أجانب ويقتلون رهائن غربيين وسوريين وعراقيين. ومع أوضاع الفوضى وتغييراتها السريعة على الأرض في سورية والعراق يصعب التكهن بما ستحمله الأشهر القادمة من تطورات. وقد اتصلت إذاعة أوروبا الحرة بعدد من المحللين والخبراء بهدف تقييم ما نتوقعه من "داعش" ونحن مقبلون على الانتقال إلى عام 2015.
سوف يضغط داعش من أجل الاستيلاء على المزيد من المساحات في عموم العراق – وربما يتمكن من السيطرة الكاملة على محافظة الأنبار...
يقول المحلل المقيم في الولايات المتحدة جويل ونغ المشرف على موقع مدونات بعنوان "تأملات حول العراق" إن تنظيم "داعش" يعتمد على الانتصارات المتلاحقة وعلى الاستحواذ على الأراضي والاحتفاظ بها من أجل الحفاظ على قاعدته الأساسية، وسيستمر في البحث عن (أهداف الفرص) في كل من العراق وسورية. ومن بين هذه الأهداف المدن الرئيسية في أكبر المحافظات العراقية – أي الأنبار – التي دأب القادة المحليون على التحذير من سقوطها، ما لم تقدم الحكومة المركزية المزيد من الدعم العسكري لقوات الأمن في المحافظة.
ويقول كيلب وايس المشارك في موقع "متابعة الحرب الطويلة" الذي يتابع الحرب على الإرهابإن الرمادي مركز محافظة الأنبار وعامرية الفلوجة ستبقيان محط نزاع مع استمرار ضغوط "داعش" نحو التقدم على الأرض في هذه المحافظة المحاصرة، ويضيف أن تنظيم "داعش" يسيطر بالفعل على 60% من الرمادي، وما لم تتلقَ قوات الأمن وحلفاؤنا السنة دعما فعالا فسوف تسقط الرمادي بأكملها. وينوه وايس بأننا ربما سنرى تكثيف التنظيم لنشاطه في المناطق الغربية من الأنبار المحاذية للحدود مع الأردن.
في المقابل، وفي محافظة ديالى الشرقية، من المرجح أن تتواصل الضغوط على "داعش" بعد أن تمكنت ميليشيات شيعية وقوات البيشمركة الكردية بمساعدة قائد قوات القدس الإيراني قاسم سليماني، من استعادة السيطرة على عدد من البلدات، منها السعدية وجلولاء من قبضة "داعش". وفي الوقت الذي يرجح فيه شن "داعش" ضغوطا من أجل استعادة ما كانت احتلتها من أراضٍ واستعادة مكانته، من المحتمل أن يتكبد التنظيم مزيدا من الخسائر مع استمرار القوات العراقية في تحديه.
المزيد من الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في كل من العراق وسورية ...
أفاد قادة عسكريون في التحالف بأن الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة تبدو وقد أجبرت داعش على التحول من إستراتيجية هجومية إلى استراتيجية دفاعية في العراق وبعض المناطق في سورية، خصوصاً في كوباني. ويبدو من الأرجح أن تتواصل هذه الضربات الجوية، بل ربما تزداد ضراوة، فلقد تعهد وزير الخارجية الأميركي جون كيري في حديث في 3 كانون الأول الحالي أمام قادة التحالف بأن تستمر الحملة ضد "داعش" مهما طال أمدها. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند قد أشار إلى استعداد بلاده على تصعيد الضربات الجوية ضد التنظيم.
ويحذر محللون من أنه سيترتب على الغرب مضاعفة الإجراءات العسكرية في 2015 إن كان التحالف يريد تحقيق تأثير ملموس ضد التنظيم. ويعتبر المحلل للشأن العراقي ونغ أن الغرب لا يخصص ما يكفي من الموارد لتحقيق الفرق المنشود في الوضع القائم، قائلا: "التحالف لا يمثل حالياً غير كونه مصدر إزعاج غير قادر على إحداث تغيير يذكر في سورية والعراق"، منبهاً بأن "داعش" ما زال قادرا على شن هجمات كبيرة على مدن عراقية حتى مع استمرار الضربات الجوية.
غير أنه ليس من المتوقع أن تزج الولايات المتحدة قوات قتالية لمحاربة التنظيم، كما أشار مسئول كبير في الإدارة الأميركية في 3 كانون الأول، قائلا: "كان موقف الرئيس باراك أوباما واضحاً تماماً حين أكد بأنه لا يرتئي سيناريو يتم بموجبه نشر قوات برية أميركية على الأرض هناك".
المزيد من الدعم الأميركي للعشائر السنية التي تقاتل تنظيم "داعش" ...
بالإضافة إلى استمرار الضربات الجوية يمكننا أن نتوقع زيادة في الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى أبناء العشائر السنية العراقية منتشرين على الخطوط الأمامية في المعركة ضد "داعش". وشددت وثيقة أعدتها وزارة الدفاع الأميركية للكونغرس على أهمية دعم قوات العشائر السنية ضد التنظيم، مبينة بأن الولايات المتحدة تعتزم إنفاق أكثر من 24 مليون دولار لتجهيزها بالبنادق الآلية والقذائف الصاروخية ومدافع الهاون.
غير أن محرر "الحرب الطويلة" كيلب وايس المقتنع بأن ضمان توفّر ما يكفي من السلاح لدى أبناء العشائر السنية سيكون مفتاح عملية إيقاف وتراجع تنظيم "داعش" خلال الأشهر المقبلة، مؤكداً بأن دعم الولايات المتحدة للحلفاء العشائريين لا بد له وأن يتم على نطاق أوسع بكثير.
تنظيم "داعش" سيستمر في التجنيد، كما ستستمر جهود الحد منه ...
خفف تنظيم "داعش"، بل ربما تخلى عن التدابير الأمنية المتعلقة بالمقاتلين الأجانب، كما بات التنظيم يوسع شبكته من معسكرات التدريب في عموم سورية، وما زال يجتذب المجندين – بمن فيهم النساء – من أوروبا الغربية. ويبدو أن هذا النهج سيستمر، خصوصا لو تمكن التنظيم من الاستمرار في اجتذاب المجندين الجدد من خلال تبجحه بمكاسبه في العراق وسورية.
أما في مجال الرد على التجنيد، فعلينا أن نتوقع من الحكومات محاولات للحيلولة دون توجه مواطنيها إلى العراق وسورية، والوقاية من انتشار التطرف في أراضيها من خلال العرقلة المشددة لجهود داعش الدعائية. فلقد اتخذت روسيا خطوات نحو حجب حسابات التواصل الاجتماعي المؤيدة للتنظيم، كما قامت كازاخستان بمنع وحجب مشاهد فيديو دعائية لـ"داعش".
سيستمر انتشار منشآت التدريب التابعة لتنظيم "داعش" ...
كما نتوقع رؤية حكومات بعض الدول – في آسيا الوسطى بشكل خاص – وهي تستمر في استخدام ما يمثله التنظيم من تهديد كوسيلة لتبرير مضاعفة القيود المفروضة على الحريات الدينية.سيواصل التنظيم توسيع شبكته من معسكرات التدريب في سورية والعراق، بالتزامن مع الجهود المتزايدة في تدريب الوافدين من المجندين الجدد والمقاتلين المتواجدين في البلدين.
ومن المتوقع أن يتخذ التحالف بقيادة الولايات المتحدة خطوات لعرقلة هذه الجهود. ويقول المحرر كيلب وايس - الذي شارك زميله في تحديد مواقع 25 معسكر تدريب تابع للتنظيم في عموم سورية والعراق - إن ضربات التحالف الجوية ضد هذه المعسكرات قد تنجح في تقليص التجنيد، بل وربما فاعلية "داعش" أيضا.
المزيد من التنظيمات الجهادية سوف تتعهد بالولاء لـ"داعش" ...
التنظيم قادر على تحقيق المكاسب في سورية والعراق، وفي حال تمكنه من الاستمرار بجهوده الدعائية الجذابة فمن الأرجح أن يتسع نفوذه مع تعهد المزيد من الجماعات المحلية بالولاء لتنظيم "داعش" وزعيمه أبو بكر البغدادي. وقد تعهدت بالفعل جماعات في أماكن مثل سيناء والجزائر والسعودية بالولاء للبغدادي وحذر خبراء في ليبيا من أن بلدة درما الشرقية باتت تظهر كمعقل للتنظيم.
الخبير البريطاني في شؤون الجماعات الجهادية (أيمن التميمي) يقول إن إعلان تنظيم (أنصار بيت المقدس) في سيناء عهد الولاء لأبو بكر البغدادي يعزز نمط التحول نحو اصطفاف الجماعات في غزة وسيناء مع تنظيم "داعش"، وربما نرى جماعة جهادية أخرى في سيناء وغزة – أي (مجلس الشورى في جوار القدس) – وهي تحذو حذوها.
ومن المحتمل جدا أن تعلن جماعات منشقة في منطقة شمال القوقاز بروسيا ولاءها لتنظيم "داعش"، مع استمرار نفوذ التنظيم المتنامي في تقويض استقرار وتجزئة حركة التمرد في تلك المنطقة.
أعدت هذا التقرير جوانا باراسيزوك لغرفة الأخبار المركزية بإذاعة أوروبا الحرة وترجمه أياد الكيلاني.