تــــَبلّــغَ العراق رسالةَ طمأنةٍ قوية جديدة من الحلفاء على دعم الاتحاد الأوروبي الكامل له في الحرب ضد المتشددين الذين يهددون وحدته الوطنية ويشكّلون مخاطر مشتركة على الأمن الإقليمي والعالمي.
الرسالةُ أوضحَتها الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في سياقِ تصريحاتٍ أدلت بها خلال اليومين الماضيين في كلٍ من بغداد وأربيل أثناء زيارتها الرسمية الأولى إلى العراق منذ توليها منصبها نهاية تشرين الأول الماضي خلفاً لكاثرين آشتون. ويَـــــتلخّــصُ مضمونُ التصريحات، سواء تلك التي صدَرت أثناء لقاءاتها الرسمية أو في المؤتمرات الصحفية، في أن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية لا تعني العراقيين وشعوب المنطقة فحسب بل وشعوب دول الاتحاد الأوروبي والعالم أيضاً.
موغيريني التقت في بغداد الاثنين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي أطلعها على المكاسب الميدانية التي حققتها القوات العراقية المشتركة على داعش والإرهاب خلال الشهور الثلاثة الماضية قائلاً إنها "تفوق ما خططنا له في المجالات السياسية والأمنية". وأضاف "أن سياستنا هي تسليح أبناء العشائر ممن يقاتلون على الأرض فعلياً"، مشيراً إلى "تكثيف الجهود لملاحقة وإلقاء القبض على العصابات التي تستغل الأوضاع للاعتداء على المواطنين بدوافع إجرامية"، بحسب ما نقل عنه بيان إعلامي.
من جهتها، هنّأت المسؤولة الأوروبية العبادي بهذه النجاجات المتحققة في المجالين السياسي والأمني معربةً عن استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم كل انواع الدعم الذي يحتاجه العراق وحكومته لمواجهة الارهاب وإعادة البناء، بحسب تعبير البيان المنشور على الموقع الإلكتروني لرئيس الوزراء العراقي.
وفي تصريحات منفصلة أدلت بها خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، أكدت موغيريني أن العمل ضد داعش هو سياسي وأمني بالأساس ولكنه "ثقافي أيضاً".
وفي عرضها لهذه التصريحات، أفادت وكالة آكي الإيطالية للأنباء بأن موغيريني تحدثت عن تصميم الاتحاد الأوروبي على مواصلة تقديم المساعدات متعددة الجوانب قائلةً "ننوي استخدام كافة إمكانياتنا للعمل معاً من أجل تأمين مستقبل أفضل للشعب العراقي"، بحسب تعبيرها. كما أعربت عن قناعتها بأن أفضل السبل لمحاربة تنظيم داعش تكمن في إظهار مدى قدرة مختلف أطياف الشعب العراقي على العيش معاً في إطار الوحدة ومع احترام الفروقات.
وفي هذا الصدد، قالت موغيريني في المؤتمر الصحفي المشترك مع الجعفري ووزير الخارجية الهولندي بيرت كوندرز في بغداد الاثنين (22 كانون الأول):
"إن أفضل وسيلة ممكنة لمواجهة التحدي والتهديد الذي تشكّله داعش هو من خلال إظهار إمكانية العيش معاً – في بلدٍ معقّد ولكنه جميل مثل هذا البلد -في ظل وحدة وطنية تُحترَم فيها جميع الاختلافات."
وأضافت موغيريني:
"أعتقد وآمل أن جميعَـــنا يتشاطر الأمل بإمكانية العودة إلى خططنا لتطوير الاستثمار وإلى حالةٍ تتجاوز الأزمة الأمنية التي لدينا في الوقت الراهن مع داعش على الأراضي العراقية. وينبغي علينا العمل معاً كشركاء في المجال الاقتصادي أيضاً إذ أن العراق بلد غني وباستطاعتنا العمل سويةً بإحساسٍ من الشراكة بدلاً من المعونات حالما نتغلب على هذا الوضع."
وفي حديثها عن مخاطر انجذاب شباب في دول شتى إلى تنظيم داعش، قالت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي:
"ما يثيرُ قلقي هو أن أجيالاً بأكملها، ليس هنا فحسب بل في أجزاء أخرى عدة من العالم وليس فقط في الدول العربية بَل أيضاً في أوروبا أو عبر المحيط الأطلسي أو في أماكن بعيدة أخرى، هذه الأجيال تكبر مع انجذابها بشكلٍ مفاجئ لمنظمة إرهابية ذات هدف وحيد هو تدمير حياة الأفراد والمجتمعات. وبهذا المعنى، فإن المعركة بالتأكيد سوف تستغرق وقتاً طويلاً وجهوداً."
كما أكدت موغيريني ضرورة تكاتف الجميع في تحالفٍ دولي قوي ضد الإرهاب، مضيفةً القول:
"ما نحتاج إليه هو أكثر من ائتلاف، نحن بحاجة إلى تحالف أو شراكة ذلك أن تدمير هذه الجذور ومنع المزيد من الشباب من مشاعر الانجذاب نحو إيديولوجية التدمير والكراهية يتطلبان منّا العمل معاً وإظهار أن الدين ليس له علاقة بذلك. هذا في المقام الأول. وثانياً، إننا جميعاً نقف في هذه القضية على الجانب ذاتِهِ، جميعُنا. وليس هناك صراع حضارات - هناك تحالف الحضارات ضد الإرهاب والخوف وثقافة تدمير حياة الإنسان"، بحسب تعبيرها.
وفي تصريحاتٍ أخرى أدلت بها خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في أربيل الثلاثاء (23 كانون الأول)، قالت موغيريني:
"تنظيم داعش هو التهديد رقم واحد، وعلينا أن نواجهَهُ معاً، واضعين جانباً المعاركَ والانقسامات داخل هذا البلد في المقام الأول والإقرار بأن هناك معركة كبرى ينبغي أن نخوضها. ولقد اتُخذت بفضلِكم الخطوات الأولى من الأمل في هذه الأيام، وأنا أعتقد أنها يمكن أن تكون بداية مرحلة جديدة من الحرب ضد داعش آملين أن تكون ناجحة."
من جهته، قال بارزاني "بإذن الله سنواصل الضغط على داعش ونلاحقهم في كل مكان، وأؤكد مرةً أخرى أنه لا مستقبل لداعش"، بحسب تعبيره.
وكان مكتب المسؤولة الأوروبية ذكر في بيان يوم الخميس الماضي (18 كانون الأول) أن موغيريني ستنقل خلال اجتماعاتها الرسمية في بغداد وأربيل رسالة "تضامن" مع العراق وستؤكد استعداد الاتحاد الاوروبي لتعميق العلاقات معه.
وأشار البيان إلى أن الاتحاد الأوروبي قدّم مساعدات إنسانية للعراق بقيمة 20 مليون يورو فيما ينفذ حالياً مشروعات للتنمية في البلاد مؤكداً استعداد التكتل لتقديم المزيد من الدعم السياسي والإنساني والتنموي للعراق في حربه ضد التطرف.
وفي تحليله لأهمية زيارة المسؤولة الأوروبية إلى العراق، قال رئيس (المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية) واثق الهاشمي لإذاعة العراق الحر "باعتقادي أن بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يأخذ حجماً ومكانةً أكبر من دوره الحالي لأسباب عديدة من بينها أن لديه أصواتاً كاملة في مجلس الأمن الدولي من بين الأعضاء الخمسة الكبار فضلاً عن أن لديه دولاً قوية في مجال السلاح والاقتصاد تستطيع أن تجد لها مكاناً في منطقة الشرق الأوسط والعراق وأن تكون لاعباً بارزاً كبيراً في موضوع مكافحة الإرهاب."
وفي التعليق الذي أدلى به عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليه في الملف الصوتي، أعرب الهاشمي عن اعتقاده أيضاً بأنه رغم الإمكانات التي يتوفر عليها الاتحاد الأوروبي لممارسة دور أكبر على المستوى العالمي "إلا أنه يعمل خلف الولايات المتحدة الأميركية أو كذيلٍ لها...لكنه اليوم بدأ يتحرك لكسر هذا الطوق ويحاول أن يكون لاعباً كبيراً في المنطقة. ومن هنا فإن زيارة موغيريني إلى العراق مهمة جداً"، بحسب رأيه.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقاطع صوتية من تصريحات الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، إضافةً إلى مقابلة مع رئيس (المجموعة العراقية للدارسات الإستراتيجية) واثق الهاشمي.