اثار انعقادُ المؤتمر العربي لمحاربة الإرهاب في أربيل مؤخرا، آراء متباينة حول خلفياته ودوافعه ونتائجه، فقد ناقش المؤتمِرون ثلاثة محاور: الأول الموقف ضد إرهاب داعش والتطرف والمليشيات وتنسيق جهود أبناء العشائر، والثاني تحديد خيمة للعشائر والكتل السنية لتوحيد الخطاب وتحديد الأهداف، أما المحور الثالث فهو تقييم الدعوات لأنشاء أقليم او أقاليم سنية، بحسب تصريحات لعضو لجنة الأمن والدفاع بمجلس النواب محمد الكربولي.
ويبدو من ردود الأفعال أن المؤتمر لم يختلف في شكله ومضمونه عن عشرات المؤتمرات السابقة المنعقدة في الداخل وفي الخارج، "فالكثير الكثير من الكلام، أكثره معسول ومعاد ومكرر.. في مقابل القليل..القليل جداً من العمل.. فلم تكن هناك دراسات رصينة ولا أوراق عمل ينغمر المجتمِعون في مناقشتها سعياً للوصول إلى النتائج المفضية الى العمل المطلوب". بحسب تعبير الكاتب عدنان حسين في صحيفة المدى يوم الاحد 12 كانون الأول.
التسليح بين الضرورة والتشكيك
يتكرر الحديث كثيرا هذه الأيام عن تسليح العشائر السُنية بمواجهة تنظيم داعش الذي سيطر مسلحوه على مساحات شاسعة من محافظات العراق، ويشكو الحكومة العديدُ من قادة العشائر في الأنبار ويتهمونها بعدم الاكتراث بمحافظتهم وعدم الثقة بسكانها رغم إن أبناء العشائر يقاتلون جنباً إلى جنب مع قوات الأمن العراقية منذ بداية الأزمة في الأنبار بداية العام الحالي، وبهذا الشأن يحذر شيخ عشيرة البونمر نعيم الكعود من أن عدم تسليح أبناء العشائر أنهك قواهم مما سيتسبب بتفوق تنظيم داعش واحتمال سيطرته على مناطق تهدد أمن العاصمة بغداد.
وفي تقييم للقدرات التسليحية والفنية لأفراد القوات الأمنية في المحافظة، كشف منتسب في احد أفواج الطوارئ التابعة لشرطة محافظة الانبار، رفض الكشف عن اسمه، في حديث لإذاعة العراق الحر عن مصاعب متعددة تواجه مقاتليه، على صعيد الامدادات والتسليح فضلا عن عدم تسلم المنتسبين رواتبهم منذ خمسة اشهر، منبها الى تصاعد نسبة المنسحبين من الفوج، ولافتاً الى المساعدة الذي يلقونها من بعض العشائر الانبارية في المواجهة اليومية مع مسلحي تنظيم داعش..
وإذ لم يتيسر تعليقٌ من وزارة الدفاع أو الداخلية بهذا الشأن، فان عضوَ لجنة الامن والدفاع النيابية حامد المطلك نأى بلجنته والبرلمان، خلال حديثه لإذاعة العراق الحر، عن مسؤوليةَ ملف تسليح العشائر والقوات الامنية المحلية في الانبار، مكتفيا بحث الحكومة ووزارتي الدفاع والداخلية على تسليح العشائر باعتبارهم جهة رقابية.
لكن عضو مجلس محافظة الانبار نهله محمد عبد أبدتْ تفهمها لمحدودية التسليح والامدادات من قبل وزارة الدفاع لأبناء العشائر، وإذ لم تُخفي لومها وزير الدفاع بهذا الشأن، فأنها تجد أن مؤتمر أربيل الأخير ساهم في تشتيت السنة العراقيين، وأنه لم ينطو على برنامج واضح ونتائج فاعلة.
يلاحظ مراقبون بأن مجاميعَ الحشد الشعبي، ذات الغالبية الشيعية، تجد دعما واضحا من الدولة في التسليح والامداد لمقاتلة تنظيم داعش مقارنة بما يحصل عليه ابناء العشائر في المناطق السنية.
الى ذلك يشير شيخ عشيرة البو فهد رافع الفهداوي الى أن عشيرته ومثيلاتها اذ تطالب بالدعم والتسليح لمقارعة داعش في مناطقها، فأنها تقر بأن الدولة وقواتها المسلحة هي المسؤولة قانونا عن حماية مواطنيها.
ويوضح الفهداوي في حديث لإذاعة العراق الحر بان مطالبة العشائر بالتسليح لا يقصد منه الاستحواذ على السلاح بل ان الوضع الامني من الحساسية والخطورة ما يوجب على الحكومة وقواتها مسك زمام الأمور امنيا على الارضبعون العشائر واهل المحافظة الذين ذاقوا الامرين
جدد مؤتمرُ أربيل الذي رعاه نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي وحضره السفير الأمريكي والبريطاني وممثل الأمم المتحدة في العراق، وممثلون عن حكومة إقليم كردستان، وشخصياتٌ سياسية مختلفة، مع شبه غياب لتمثيل الحكومة الاتحادية، جددَ الحديثَ عن مصداقية تمثيل أبناء السنة في العراق وطبيعة المشاركة في المؤتمر، الشيخ رافع الفهداوي تحدث لإذاعة العراق الحر بأسى عن حال المحافظة ومعاناة اهلها مستغربا من "أن من اشعل النار وصعّد الأمور قبل نحو سنة، ليس له أن يأتي اليوم بقنينة ماء بزعم إطفاء حرائق المحافظة".
مَن يمثل السُنة اليوم؟
يرى رئيس تحرير وكالة واي نيوز الصحفي عمر الشاهر أن شخصيات ليس لها صلة بالمكون السني على المستوى الميداني، حضرت مؤتمر أربيل وتحدثت عن المكون في الوقت الذي يصعب عليهم الوصول الى مناطق السنة التي تحدثوا باسمها.
وكتب الشاهر انه لم يجد في مؤتمر أربيل لمكافحة الإرهاب، سوى شخصا واحدا له صلة حقيقية بهذا الملف، "وعندما سمعته يتحدث اليوم، قال إنه جاء الى هذا المؤتمر كي يحصل على الدعم الذي يحتاجه بشدة وهو يواجه داعش فعليا في مركز مدينة الرمادي، وليس في ذهنه أي مشروع سياسي.."
ويستطرد الشاهر قائلا ان الشخصيات السنية الأخرى التي ذهبت إلى أربيل للمشاركة في هذا المؤتمر، باستثناءات معقدة، تحاول حماية مصالح قديمة.. فهؤلاء يدركون أن أي وضع سياسي في المناطق السنية في مرحلة ما بعد داعش، لن يسمح لهم بموطئ قدم هناك.
ويشخص عمر الشاهر في مقابلة هاتفية يمكن الاستماع اليها في الملف الصوتي المرفق، الأسباب التي تقف وراء اضطراب الخارطة السنية في العراق، مذكرا بما تسببت به أداء الحكومة السابقة حكومة المالكي، إزاء ازمة الانبار ما ساهمفي اصطفاف سني سعى لتشكيل تمثيل انتخابي مناهض للمالكي في مواجهة للتحريض الطائفي المفترض.
ويرى الشاهر في حديثه لإذاعة العراق الحر ان صراع القوى السنية مع السلطة في بغداد، برأيه،عملية منظمة تسعى لتغييب الوعي السني، بحيث يفرز دائما نفس الشخصيات والوجوه وخطابها(وهذا ما تكشف عنه نتائج الانتخابات المتكررة) ، غير غافل عن الدور الإقليمي في تثبيت هذه الشخصيات لدرجة ان حكومة بغداد أيضا لا تجد مناصا من التعامل معها ممثلة للسنة.
معايير تسليح العشائر
لعله من الموضوعي أن يسبقَ الحديثَ عن تسليح العشائر سؤال جدي وواقعي:
- مَن مِن القوى في الانبار المقصودة بالتسليح من قبل الحكومة؟
-وأيّها الموثوق من عدم تسريب السلاح أو بيعه؟
يلفت رئيس تحرير وكالة واي نيوز عمر الشاهر الى أن هناك مستوياتٍ متعددة ومتباينة تمثل الواقع الانباري تتعاطى جميعها مع الازمة الحالية وبأشكال مختلفة، ففي الوقت الذي تواجه بعض العشائر تهديدا جديا بالإبادة من قبل داعش، يأمل قسم آخر بحصد عوائد مادية من الدعم المنتظر، وقسم اخر مشغول بالاستفادة السياسية واستثمار الدعم الدولي.
وبهذا الواقع لا يمكن للحكومة العراقية (التي لا تُعفى من سوء إدارتها ملف الانبار منذ سنوات) ان تضبط معيار تسليح العشائر بشكل دقيق اليوم، وهذا ناتج عن اضطراب الخارطة السنية أصلا، بحسب الشاهر، فليس غريبا ان تجد في هذه العشيرة او تلك قسماً من أبنائها ضمن الصحوات، وآخرين يعملون في الشرطة، وقسماً آخر منتسب في الجيش العراقي، بينما يقاتل قسمٌ آخر ضمن صفوف تنظيم داعش !
بمشاركة مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد