بالرغم من تصاعد حالة التكافل الاجتماعي التي شهدها العراق منذ عام 2003 نتيجة تفشي العنف والارهاب وزيادة حوادث القتل والخطف والتهجير القسري لآلاف العائلات من مناطق سكناها، الا ان هذا التكافل قد تجسد بصورة اكبر بعد سيطرة مسلحي تنظيم (داعش) على مناطق في محافظات نينوى وصلاح الدين والانبار وتهجير مئات الالاف من العائلات ونزوحها الى محافظات العراق، حيث يعيش العدد الاكبر من تلك العائلات في اقليم كردستان في خيم وفي ظروف سيئة للغاية بسبب برودة الطقس.
وازاء هذه الحوادث السريعة انبرى الاهالي لتقديم يد العون والمساعدات الى العائلات النازحة، كما تشكلت جماعات عديدة من المتطوعين الشباب الذين قاموا بحملات لجمع الملابس والبطانيات وتوزيعها على النازحين. ويرى مراقبون ان هذه الحملات التطوعية يمكن ان تكون بذرة اولى لثقافة العمل الطوعي في العراقي.
وسجل الشباب مواقف كبيرة في عملهم التطوعي لتقديم الخدمات الانسانية الى النازحين. ويقول الناشط المدني مصطفى سعدون (25 عاما) انه بدأ مع مجموعة من الشاب منذ خمسة اشهر باعمال طوعية تضمنت توزيع حقائب مدرسية وملابس وبطانيات. وشملت الحملة الاولى توزيع الملابس في منطقة البلديات ببغداد، ثم توزيع البطانيات في منطقة العكيلي وهي من المناطق الفقيرة في العاصمة، وايضا على عدد من العائلات النازحة في قضاء خانقين بديالى، فيما هناك حملة ثالثة لتوزيع البطانيات في شمال العراق بالتنسيق مع الاجهزة الامنية. واشار سعدون الى اندفاع المواطنين للمساهمة في حملاتهم التطوعية من خلال التبرع بالبطانيات والملابس.
تشريعات مناسبة
وكلما ازداد المجتمع في التقدم والرقي، ازداد انخراط مواطنيه في أعمال التطوع الخيري. ويساعد العمل التطوعي في ابراز الصورة الانسانية للمجتمعات ويزيد من التماسك الوطني في المجتمع الواحد.
ويؤكد الناشط في مجال العمل الطوعي علي هلال ان العمل التطوعي بدأ يتصاعد في العراق، مشيراً الى ان ثقافة التطوّع بدأت تنتشر بين اوساط الشباب الذين اخذوا بالتنافس في مجال الحملات الطوعية لمساعدة النازحين وغيرهم. وبين هلال ان هناك ميولا لدى المجتمع العراقي باتجاه العمل التطوعي مع الحاجة الملحة له في الوقت الحالي، وقال انه في معظم الدول المتقدمة هناك مؤسسات حكومية تشجع العمل الطوعي وتدعمه، لافتاً الى الحاجة لتشريعات تنظم العمل التطوعي في العراق وتضمن حقوق وواجبات المتطوعين من حيث العمل والاضرار الجانبية التي قد يواجهونها.
ثقافة العمل التطوعي
وتتبنى وزارة الشباب والرياضة منذ اكثر من ثلاث سنوات مركزا للعمل التطوعي في العراق ينتمي إليه اكثر من خمسة الاف متطوع من عموم العراق، ويقوم بانشطة مختلفة مثل توزيع الملابس والسلال الغذائية الى العائلات الفقيرة والاطفال الايتام، فضلا عن مساهمته في حملات التنظيف.
ويقول الناشط المدني علي العنبوري انه بالرغم من كل هذا الجهد والدعم فان العمل التطوعي ما زال بحاجة الى الكثير من العمل، مؤكداً ان العراق بحاجة الى نشر ثقافة العمل التطوعي عبر المدارس والجامعات ليصبح ثقافة وسلوكا وجزءاً من متطلبات المواطنة.
واشار العنبوري الى الجهود الشبابية الطوعية في مجال تقديم الخدمات الى النازحين، ورغم سعتها الا انه يرى انها ما زالت محدودة كما ان الحملات الطوعية تفتقر الى الابتكار والتنوع، مشيرا الى انه يمكن البناء على هذه المبادرات لثقافة تطوعية اوسع في العراق عبر المؤسسات التعليمية والتربوية بحيث يشعر الطفل في المدرسة بان عليه مسؤولية اجتماعية تجاه بلاده.
وتحدث العنبوري عن دور العمل التطوعي في تعزيز الهوية الوطنية والاحساس بالمسؤولية، وقال ان الحكومات تعمل في الدول المتقدمة على دعم المتطوعين من حيث الاولوية في الحصول على فرص العمل وغيرها.
الاعلام والشخصيات المشهورة
وتزداد الحاجة للعمل التطوعي عند الكوارث والازمات حين تعبر عن حالة وطنية تنتشر بين صفوف الافراد والشباب على وجه الخصوص، وتجلى ذلك في قضية دعم النازحين. غير ان رئيس قسم الاعلام بكلية الفارابي كاظم المقدادي يؤكد حاجة العمل الطوعي في العراق الى التنظيم، وأكد على ضرورة التخطيط لان يكون العمل الطوعي مستمرا وليس في حدود الظروف الطارئة فقط، مطالباً منظمات المجتمع للتدريب والتهيئة لهذه المبادرة. واشار المقدادي الى الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الاعلام في نشر ثقافة العمل الطوعي في العراق، فضلا عن دور الشخصيات الفنية والرياضية والثقافية المشهورة في المجتمع التي عليها ان تساهم في نشر هذه الثقافة.
ويرى الصحفي محمد حمدي ان العمل التطوعي في العراق اكتسب خبرة واسعة بسبب الازمات التي تعرض لها المجتمع من حالات تهجير قسري ونزوح جماعي وفيضانات، إذ بادرت فرق المتطوعين من الشباب بحملات تطوعية متنوعة، لافتا الى ان العراق وصل الى مرحلة مقبولة من العمل التطوعي وما زال امامه الكثير.