حين تولى حيدر العبادي رئاسة مجلس الوزراء في آب الماضي وجد بانتظاره اكداساً من الملفات الشائكة والقضايا الساخنة، على رأسها الخطر الوجودي الذي يهدد وحدة العراق منذ اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" مناطق واسعة من العراق. ولا يقل اهمية عن هذا الملف رأب الصدع في العلاقات الوطنية وبين ممثلي المكونات المختلفة في وقت تحتاج الحكومة الى جبهة داخلية تستطيع الاعتماد على تماسكها وهي تتصدى لخطر داعش.
لذا اتخذ العبادي جملة خطوات لاقت ارتياح الأوساط الشعبية والسياسية. إذ أعد برنامجاً شُكلت الحكومة على اساسه بدعم من الكتل السياسية المختلفة. وتوصلت وزارة النفط الى اتفاق مع حكومة اقليم كردستان يمكن ان يمهد الى تسوية القضايا العالقة بين بغداد واربيل. وأعلن العبادي دعم العشائر والمواطنين بصفة عامة في المحافظات السنية ضد داعش. واصدر العبادي قرارات هدفها اصلاح المنظومة الأمنية ومكافحة الفساد المتفشي فيها وفق سياسة أعرض لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة.
ولكن هذه الاجراءات على أهميتها تبقى عرجاء ما لم يؤمِّن العبادي ركيزتها الأخرى متمثلة بترميم العلاقات الاقليمية وبناء اواصر قوية مع دول الجوار. فمن دون تعاون هذه الدول ودعمها للعراق ستبقى جهوده في مواجهة التحديات الداخلية مكشوفة لامكانية التعثر بل وحتى خطر الاجهاض نظرا للتشابك المعقد بين الأزمات الداخلية والعوامل الاقليمية. لذا شهدت الفترة الأخيرة نشاطاً استثنائياً للدبلوماسية العراقية والسياسيين العراقيين على أرفع المستويات لفتح صفحة جديدة في العلاقات الاقليمية فضلا عن تحشيد دعم الأشقاء والجيران وتضامنهم مع العراق في مرحلة بالغة الخطورة.
وحقق التحرك الدبلوماسي العراقي مع دول الجوار تقدما لافتا، كما يتبدى من تصريحات المسؤولين. إذ تكللت زيارة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الى العربية السعودية بتأكيد وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل أن سفارة المملكة في بغداد "ستُفتح بأسرع مما تتصورون"، على حد تعبير الفيصل. واعلن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ان العلاقات مع قطر مقبلة على انفتاح واسع في الأيام القادمة. وأكد رئيس الوزراء القطري الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني من جهته "التزام الدوحة بتعهداتها السابقة تجاه العراق في جميع المجالات"، كما جاء في بيان صادر عن مكتب الجبوري.
في هذه الأثناء اعرب وزير الخارجية ابراهيم الجعفري عن تقدير العراق لما سماه "الموقف الايجابي" الذي يتخذه مجلس التعاون الخليجي تجاه بغداد. ورحب الجعفري بدعم المجلس للعراق في معركته ضد داعش. بل كشف وزير الخارجية ان العراق تسلم أسلحة من دول اعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وكان الجعفري يتحدث عقب اجتماعه مع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في طهران.
وجاءت زيارة الجعفري الى طهران بعد زيارته الى انقرة التي أعقبتها في اواخر تشرين الثاني زيارة رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو الى بغداد واجتماعه مع العبادي لاعادة الدفء الى العلاقات الثنائية بعد ما اعتراها من توتر في الفترة الماضية. وهذه كلها تطورات تأتي على نقيض صارخ مع ما آلت اليه علاقات العراق من تردٍ مع لاعبين اقليميين كبار مثل العربية السعودية وتركيا في الفترة الماضية.
اذاعة العراق الحر التقت عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب اقبال الماذي التي قالت ان العراق يدشن مرحلة جديدة في علاقاته الاقليمية مشيرة الى انه ليس في السياسة عداوات دائمة.
زمن التعامل مع العراق على اساس انقسامه الى ثلاثة مكونات ولّى ... اقبال الماذي
وأكدت النائبة الماذي ضرورة ألا تقتصر مظاهر الدعم للعراق على البيانات والتصريحات الاعلامية معربة عن ترحيب لجنة العلاقات الخارجية النيابية بتحرك الدبلوماسية العراقية والمسؤولين تجاه دول كانت ابوابها مقفلة لا سيما التقارب مع قطر وهي الأقرب الى العراق من تركيا التي فتح معها العراق صفحة جديدة من العلاقات الثنائية.
ورأت عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية اقبال الماذي ان زمن التعامل مع العراق على اساس انقسامه الى ثلاثة مكونات ولى بعد ان دفع الشعب العراقي على اختلاف مكوناته ثمن التدخلات الاقليمية على قاعدة ان هذه الدولة قريبة من الشيعة وتلك الدولة قريبة من السنة ، بحسب تعبير النائبة الماذي.
محيط العراق يحتم إرساء علاقاته مع الجيران على أسس متينة واضحة ... إحسان العوادي
عضو ائتلاف دولة القانون احسان العوادي نوه بالتحرك الدبلوماسي القوي تجاه العربية السعودية كما عبرت عنه زيارات المسؤولين العراقيين للرياض وفي مقدمتهم الرئيس فؤاد معصوم لافتا الى ان محيط العراق يحتم إرساء علاقاته مع الجيران على أسس متينة واضحة لأن دول الجوار مثل السعودية والاردن وسوريا وايران وتركيا كلها مؤثرة في الشأن العراقي بدرجات متفاوتة.
وبشأن العلاقة مع قطر تحديدا اعرب العوادي عن الأمل بأن تساعد اجواء الدعم الدولي للعراق وبوادر حسن النية بين الدوحة وبغداد على رفع هذه العلاقة الى مستوى جديد ولكنه لاحظ ان خطوات محددة في هذا الاتجاه ما زالت غير ملموسة على أرض الواقع.
العراق بحاجة الى اقامة علاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية طيبة مع جميع دول الجوار ... ناهدة الدايني
عضو تحالف القوى العراقية ناهدة الدايني ابدت تفاؤلها بأن تمضي علاقات العراق مع دول الخليج شوطا بعيدا في تجاوز وضع هذه العلاقات يوم كانت هذه الدول تُتهم بالضلوع في دعم جماعات ارهابية في العراق وكان تقارب العراق يقتصر على ايران وتركيا من الناحية العملية لا سيما وان هناك الآن ارادة سياسية ورؤية جديدة لفتح آفاق جديدة في هذه العلاقات ولكنها شددت على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية لاعادة فتح سفارتي السعودية وقطر في بغداد.
وقالت الدايني ان العراق بحاجة الى اقامة علاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية طيبة مع جميع دول الجوار ولكنها توقعت ان يستغرق الارتقاء بالعلاقات مع دول الخليج الى مستوى الطموح بعض الوقت داعية الى تبديد شكوك الدول الخليجية في تصميم العراق على العودة الى محيطه العربي ، بحسب تعبيرها.
مستشارة رئيس مجلس النواب وحدة الجميلي لاحظت ان دعوة سليم الجبوري قطر الى فتح سفارتها في بغداد لاقت ترحيبا من الدوحة معتبرة ان توجه رئيس الوزراء حيدر العبادي الجديد نحو التغيير الحقيقي وعلاقاته المتوازنة مع الجميع أسهمت بقسط كبير في التجاوب الكبير الذي ابدته دول الخليج وخاصة العربية السعودية.
الخبير الأمني اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف شدد على اهمية التقارب مع العربية السعودية وما يعود به من منافع للعراق بحكم ثقلها الاقتصادي وقوتها المالية وعلاقتها المتميزة مع الولايات المتحدة ومكانتها الدينية والمعنوية بين المسلمين.
استاذ الاعلام الدولي في كلية الاعلام بجامعة بغداد كاظم المقدادي دعا الى الابتعاد عن المحاور في السياسة الخارجية متوقعا في الوقت نفسه ان تشهد الأشهر المقبلة تحسنا بطيئا في العلاقات مع قطر بوصفها دولة خليجية ذات نشاط متميز في مجال السياسة الخارجية.
هناك توافق دولي على دفع القادة العراقيين من شيعة وسنة واكراد الى الوحدة في مواجهة "داعش" بوصفه حركة جهادية عابرة للحدود. ... مركز "ستراتفور" للأبحاث
المحلل السياسي جاسم الموسوي توقع ان تكون اعادة بناء العلاقات مع دول الخليج وتطويرها عملية بطيئة تتطلب جهودا متواصلة تتناسب مع أمد الجفوة من جهة وعمق الشكوك التي يتعين تبديدها تجاه ما تراه دول الخليج ارتباطا يثير القلق بايران ، من الجهة الأخرى لا سيما وان هناك قرارا خليجيا بالتروي في هذا المجال.
قال مركز "ستراتفور" للأبحاث في الولايات المتحدة ان هناك توافقا دوليا على دفع القادة العراقيين من شيعة وسنة واكراد الى الوحدة في مواجهة داعش بوصفه حركة جهادية عابرة للحدود. ومن هنا قبول وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل دعوة لزيارة العراق في تطور لم يكن احد يتخيله حتى فترة قريبة.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في اعداده مراسل اذاعة العراق الحر رامي أحمد.