روابط للدخول

خبر عاجل

"داعش" والفساد آفتان لاتقل احداهما خطورة عن الأخرى


قوات عراقية في إستعراض عسكري
قوات عراقية في إستعراض عسكري

مع كل يوم يمر من رئاسة حيدر العبادي مجلس الوزراء يُرفع الغطاء عن واقعة تشير الى حجم التحديات التي تواجه حكومته. وتتركز جهود الفريق الذي يرأسه العبادي في التعاطي مع هذه التحديات على جبهتي الأمن والفساد اللتين لا يمكن القول أيهما أخطر أو أهم من الأخرى نظراً لتداخل الجبهتين وتشابكهما. وتبدى هذا الارتباط بين الجبهتين في ما اتخذته حكومة العبادي من اجراءات حتى الآن لتطهير المنظومة الأمنية التي يكتسب عملها بكفاءة أهمية استثنائية في هذه المرحلة. فالعراق يواجه خطرا وجوديا يهدد وحدته وأمنه منذ اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" مناطق واسعة من غرب العراق وشماله واستمرار سيطرته على مدن كبيرة مثل الموصل وتكريت وتهديده مدناً لا تقل أهمية مثل الرمادي.

وكان العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة اصدر في 12 تشرين الثاني الماضي اوامر باعفاء 36 قائداً عسكرياً أو احالتهم على التقاعد، وتعيين 18 قائداً جديداً في اطار حملته لاصلاح المؤسسة العسكرية واستئصال الفساد المتفشي فيها. وتبدى حجم الفساد في الجيش باعلان العبادي أمام اعضاء مجلس النواب عن وجود 50 الف جندي وهمي أو "فضائي" حسب التسمية العراقية الدراجة في اربع فرق عسكرية، علماً بأن القوات البرية العراقية تتألف من 14 فرقة وبالتالي فان مواصلة البحث والتنقيب في الفرق العشرة الأخرى قد تكشف عن آلاف من الجنود الفضائيين الآخرين.

وبعد ايام على ما كشفه العبادي في الجيش نقلت وسائل اعلام محلية مختلفة عن مصدر في وزارة الداخلية ان هناك 75 الف عنصر "فضائي" في سجلاتها. وقال المصدر ان هذا الرقم من العناصر الوهمية أو الشبحية أو الفضائية في وزارة الداخلية كُشف حين قررت لجنة التدقيق المكلفة من العبادي تسليم رواتب تشرين الثاني الى منتسبي الوزارة من الضباط والمراتب باليد مباشرة مستصحبين "باجاتهم" الرسمية. وبذلك تكون ارقام وزارة الداخلية فاقت ارقام وزارة الدفاع في كشف الآفة التي تنخر جسم المنظومة الأمنية ولكن سباق الكشف والمكاشفة ما زال في بدايته ولعل الآتي من الأيام يحمل ارقاماً جديدة قد تكون حتى أكبر.

في هذه الأثناء جاء العراق بالمركز الرابع من بين الدول العشر الأكثر فساداً في العالم على مؤشر الفساد الذي اعلنته منظمة الشفافية لعام 2014. والحق ان تحسناً طفيفاً طرأ على وضع العراق بتسلقه من المركز 171 الى المركز 170 على المؤشر. ويعني هذا ان الطريق ما زال طويلا أمام العبادي وحكومته ليس لاستئصال شأفة الفساد وانما لكبحه وخفض حجمه على الأقل الى مستوى معقول بمعايير بلدان العالم الثالث.

ولكن اعداد المنتسبين الوهميين في الوزارات الأمنية هي التي استأثرت باهتمام الأوساط الشعبية والسياسية والبرلمانية لأسباب بديهية. فالأمر يتعلق بأرواح المواطنين اولاً، ومصداقية البرلمان ثانياً بوصفه هيئة رقابية، وسمعة السياسيين العراقيين ثالثاً بوصفهم قادة لا يكفون عن التأكيد بأن همهم هو أمن المواطن وحماية ممتلكاته وضمان العيش الكريم له ولأسرته.

اذاعة العراق الحر التقت المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء رافد جبّوري الذي أكد ان حملة العبادي لمكافحة الفساد لن تتوقف من أجل تحقيق الهدف الذي اعلنه متمثلا بالاصلاح الهيكلي لكل مؤسسات الدولة العراقية مع التشديد على الأجهزة الأمنية والجيش لأن الحرب التي يخوضها العراق ضد الارهاب تتطلب عمل مؤسسات الدولة كافة بأقصى كفاءة ممكنة.

عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ماجد الغراوي أوضح ان العبادي اكتشف الجنود الوهميين حين اراد تشكيل قوات احتياطية من الحجم الضخم لمنتسبي الجيش فوجد ان عدد من يتقاضون رواتب يفوق بكثير عدد الموجودين فعلاً في الخدمة.

وأعرب الغراوي عن شكه في الرقم المعلن عن عدد منتسبي وزارة الداخلية بحدود 190 الفاً بوصفه رقماً خيالياً فيما انتقد بشدة عمل دائرة المالية والحسابات في وزارة الدفاع قائلا ان مستواها صفر كما يؤكد حرمان جنود من رواتبهم لا لشيء سوى نقلهم من وحدة الى اخرى.

15 مليار دولار رقم يتردد بشأن الخسائر المالية التي تكبدتها خزينة الدولة بإعالة 50 الف جندي لا وجود لهم طيلة السنوات الماضية ... نائب

وقال الغراوي ان العراقيين يدفعون ثمن الفساد المتفشي في الدولة العراقية من جراء التدهور الأمني الناجم عن هذه الآفة، مشيرا بصفة خاصة الى قوات الحدود التي تكون وحداتها بعيدة عن المركز وعن اجهزة الرقابة والمتابعة فتكون اكثر تعرضا لأشكال من الفساد معروفة، مثل الجنود الوهميين وتقاضي الرواتب بلا دوام في الوحدة وتقاسم الرواتب مع آمرين مقابل اجازات دائمة، الخ.

عضو اللجنة المالية النيابية عبد القادر عمر قال ان الرقم 15 مليار دولار يتردد بشأن الخسائر المالية التي تكبدتها خزينة الدولة بإعالة 50 الف جندي لا وجود لهم طيلة السنوات الماضية، ولكنه اوضح ان هذا الرقم ليس مؤكداً، وان التحقيقات قد تتوصل الى رقم أكبر أو أقل.

واعرب النائب عمر عن تفاؤله بالنهج الذي يسير عليه رئيس الوزراء حيدر العبادي في انهاء الانقسامات التي انهكت العراقيين في الفترة السابقة، منوها بتصميمه على مكافحة الفساد والمافيات المعشعشة في اجهزة الدولة ومفاصلها.

عدد الوهميين في الجيش والشرطة فقط بحدود 250 ألفاً يكلفون خزينة الدولة نحو ثلاثة مليارات دولار في السنة ... خبير إقتصادي

الخبير الاقتصادي ماجد الصوري قدَّر ان يكون عدد الوهميين في الجيش والشرطة فقط بحدود 250 ألفاً يكلفون خزينة الدولة نحو ثلاثة مليارات دولار في السنة، موضحا ان التكاليف لا تقتصر على رواتب هؤلاء الوهميين، بل تتعداها الى الملبس والمأكل والمخصصات وغيرها من المصروفات المرتبطة بوجودهم المزعوم. واعتبر الصوري ان الفساد المتفشي في المؤسسة الأمنية والعسكرية كان السبب المباشر لدخول "داعش" وسيطرته على نحو ثلث العراق، متوقعاً وجود وهميين أو فضائيين في جهاز الدولة الاداري ايضا.

واشار الخبير الاقتصادي الى ان من يتصدى لآفة بحجم آفة الفساد المتفشي في جسم الدولة العراقية سيلاقي مقاومة شديدة، مؤكداً عدم وجود عصا سحرية لمعالجة معضلة شائكة متعددة الأوجه وذات ابعاد لا تكفي الاجراءات الادارية وحدها لوقف ما تستنزفه من ثروات العراق والمال العام.

الخبير الأمني معتز محيي رأى ان الاعلان عن ارقام الوهميين في المنظومة الأمنية والمؤسسة العسكرية يجب ان يقترن بمحاسبة صارمة للمسؤولين عن هذا الفساد بما يتناسب مع خطورة النتائج المترتبة على اعمالهم بما في ذلك من تهديد ارواح وسرقة اموال وتأثير في معنويات منتسبي القوات المسلحة الذين يخوضون معركة صعبة.

ولاحظ محيي ان من العقبات الكبيرة التي تصطدم بها جهود الاصلاح الهيكلي لمؤسسات الدولة وخاصة اصلاح منظومتها الأمنية ان هناك سياسيين يدافعون عن المستهدفين بالاجراءات الرامية الى محاسبة المقصرين محذرا من عواقب التهاون لا سيما اهتزاز بالثقة عندما تعلن وزارة وجود آلاف الوهميين والمنتسبين الغائبين في حين ان آخرين يخاطرون بحياتهم ويتحملون ظروفا قاسية خلال أداء واجبهم في الدفاع عن العراق.

لاقت الاجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء حيدر العبادي في مكافحة الفساد ارتياحا في الداخل والخارج. واكد قادة الكتل السياسية المختلفة دعمهم للعبادي في جهوده فيما اعلنت الولايات المتحدة انها متشجعة بسلسلة الخطوات التي اتخذها لاستئصال الفساد في المؤسسة الأمنية وبناء "قوة عسكرية أكثر مهنية" ، على حد تعبير المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جين ساكي.

مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في اعداده مراسل اذاعة العراق الحر رامي احمد.

"داعش" والفساد آفتان لاتقل احداهما خطورة عن الأخرى
please wait

No media source currently available

0:00 0:16:40 0:00
رابط مباشر

XS
SM
MD
LG