يُعد العراقُ بموقعه المميز نموذجاً للربط بين الشمال التركي الأوروبي والجنوب حيث دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك الأمرُ في ربطه بين دول المشرق ايران وما بعدها، مع الدول المطلة على البحر المتوسط كسوريا والأردن ولبنان. ومن هذه الزاوية يرى مراقبون أنه لا بد للعراق من أن يتخذ خطاً وسيطاً في التعامل مع جيرانه والعالم، والتخطيط المسبق لخلق المناخات المناسبة للتقارب والتعاون والتفاعل.
كتب رئيس تحرير صحيفة "الصباح الجديد" إسماعيل زاير في مقالته الأربعاء (19 تشرين الثاني 2014) "أن تمدد الاعمال الإرهابية الى العراق تسببَ بشلّ المبادرة السياسية للحكومة العراقية، واستنزفَ بالتالي الجهدَ العراقي الهادف الى وقف ذلك التمدد الخبيث والعمل على هزيمته"، ويرى زاير أن هذا الواقع أدخل الى الساحة العراقية عناصرَ اقليمية كثيرة وسمحَ لها بأن تلعب بمصائر وسياسات العراقيين، وبذا فتقتضي المهمة الوطنية الأولى رفع تلك الأيدي ووقف تلاعبها في الشأن الداخلي العراقي.
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي أكد بُعيدَ إعلانه تشكيل حكومته الجديدة في أيلول الماضي النية على التوجه لبناء علاقات دولية بناءة وتطوير التعاون بين العراق ودول الجوار وتنسيق الجهود لمواجهة الإرهاب.
من جهته اكد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم على ان الحكومة العراقية تمثل اطياف الشعب العراقي وأن برنامجها يمثل طموحاتهم، مُبشِرا بتأسيس علاقات جيرة وتفاهم إقليمي على أساس المصالح المشتركة وحسن الجوار، في كلمة له في السابع والعشرين من أيلول الماضي
تحديات "داعش" توحد الصفوف دبلوماسياً!
يلمس المراقب حَراكا دبلوماسيا متصاعدا أثمر تضامنا دوليا واسعا لدعم العراق في مواجهته لتنظيم "داعش"، متمثلا بتوالي الزيارات المتبادلة بين قادة العراق والدول الأخرى، في وقت كانت أمثالها تتسم بعفوية وارتجال وعدم التخطيط للأهداف فلم تؤت ثمارها بحسب أستاذ العلوم السياسية أنور الحيدري الذي يعترف بأن العديدَ من دول الجوار نظروا الى العراق كَبلدٍ ضعيف خلال العقدين الأخيرين، لكن الامورَ تبدلت اليوم خصوصا بعدما وجد العراق في مواجهته للإرهاب ظهيرا مهما من قبل الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، مفترضاً أن تنجح الدبلوماسية العراقية في بيان قوتها بالتحكم بأوراق التفاوض واللعبة الدبلوماسية.
خلال زيارته الأخيرة الى الأردن أشار رئيس مجلس النواب سليم الجبوري الى ان إعادة التوازن في علاقات العراق مع دول الجوار لم تكن سلسة فقد شابتها أحيانا توتراتٌ او قطيعة ناجمة عن مواقف سياسية متسرعة او حتى شخصية أحيانا.
غيّرت التحدياتُ الراهنة التي يواجهها العراق من المجاميع المتشددة واستفحال مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية داعش على مساحات واسعة من البلاد، الأولويات بشكل عام، وشملَ ذلك التحركَ الدبلوماسي الإقليمي، وإيجاد مناخات جديدة تتساوق مع التحرك الدولي لدعم العراق في حربه ضد "داعش"، بحسب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية أسامة السعيدي:
وبرغم نجاح الدبلوماسية العراقية في السنوات العشر الاخيرة في تحقيق نجاحات مهمة مثل استكمال الملف الشائك مع الكويت وخروج العراق من البند السابع، الا أن المميز في هذه الأيام تسارع الحراك لتطبيع العلاقات مع دول الجوار والاقليم خصوصا مع المملكة السعودية وتركيا، خصوصا مع وضوح ملامح تغيير في قناعات البلدين وفق التغيرات السياسية الداخلية العراقية، بحسب السعيدي.
ويجد هذا الرأيُ صدىً في أكثر من إشارة لقادة بلدان الجوار حول أن المرحلة الحالية في العراق التي تشهد (باعتراف بعضهم) مشاركة الجميع في حكومة تسعى لعدم تهميش أي طرف، وهذا ما اعترف به رئيس الوزراء التركي داوود اوغلو خلال زيارته الأخيرة الى العراق.
لماذا تتعاقب الزيارات لهذه الدولة او تلك؟
في موسم الحراك الدبلوماسي العراقي أثير تساؤل حول جدوى ودلالة تعاقب زيارات الرئاسات الثلاث الى نفس دول الجوار خلال فترات قصيرة، فقد بدت غير مفهومة او مبررة لدى البعض، فضلا عن أنها مبعث للتشكيك الذي غالبا ما يسود فضاء التعليقات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن أستاذ العلاقات الدولية أسامة السعيدي يجد ان زيارة رئيس الجمهورية مثلاً ومن ثم رئيس الحكومة او مجلس النواب لنفس الدولة خلال فترة قصيرة، تعبير عن تمثيل سياسي شامل في عراق اليوم، اذ لم يعد لأحد من دول الجوار أن يدّعي دفاعه أو حمايته لأي مكون عراقي بسبب ما أصُطلح عليه بالتهميش أو المظلومية او التفرد بالسلطة، كما في السابق.
الى ذلك يرى مراقبون أن الدبلوماسية العراقية نجحت في تحقيق توازن في العلاقات مع المحيط الإقليمي ودول الجوار، قد ينسحب الى ترسيخ توازن سياسي داخلي، ولم يعد سراً، بحسب أستاذ الاعلام كاظم المقدادي، أن يمثل ذلك رسائل من الداخل العراقي الى دول التأثير الإقليمي مثل ايران وتركيا والسعودية وغيرها.
إنما أكلتُ يومَ أكلَ... العراقُ!
مثّلت المليشيات والفصائل المتشددة والتفكيرية المسلحة وتنظيم القاعدة وأخيرا تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بؤرَ تهديد وإرباك للأوضاع الأمنية في العراق منذ 2003، وكثيرا ما تردد الحديثُ عن ارتباط تلك التشكيلات والتنظيمات بشكل وبآخر بمواقع سلطة سياسية ودينية وقوة ومال في المحيط الاقليمي، تحقيقا لمصالح في الداخل العراقي وسعيا لإفشال التجربة العراقية. ومع اتساع مخاطر تلك المجاميع وتهديدها لاستقرار المنطقة وأمن دولها بعد ان استفحلت في العراق وسوريا، بدا التحول في مواقف تلك الدول منطقيا، تماشيا مع القول العربي: إنما أكلتُ يوم أكل الثورُ الأبيض! ما يدفع العراق الى ارتقاء المسرح السياسي واخذ زمام المبادرة ودفع الدبلوماسية العراقية للقيام بدورها الجديد، بحسب مراقبين. فعلى الصعيد الأمني يرى الخبير سعيد الجيّاشي في الأفق تعاونا إقليمياً وخليجيا مع العراق قد يمهد لتجفيف منابع الإرهاب وتحجيم التنظيمات المتشددة ومنها داعش، التي تحولت الى خطر عام.
على الصعيد الأمني، فالجميع رابح إذا ما تساوقت الخطوات وتقاربت بوصلة العلاقات باتجاه ضمان أمن واستقرار المنطقة، ولعل اعلان المملكة السعودية ودول أخرى قرب إعادة افتتاحها لسفاراتها في العراق مؤشر على هذا التطور، من جانب آخر سيكون "الجميع" رابحاً على الصعيد العلاقات الاقتصادية، التي ستنتعش بين العراق ودول الجوار بحسب الخبير الاقتصادي ماجد الصوري الذي توقع في حديث لإذاعة العراق الحر تنامياً في القطاع الاستثماري لدول الخليج في العراق في المستقبل القريب.
شارك في الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد.