من يتجول في شوراع بغداد او المحافظات يشاهد العديد من عمليات الحفر ومواد البناء والانقاض المنتشرة هنا وهناك، وقد يخيل اليه أنها دليل على وجود حركة فعلية للبناء والعمران، الا ان تلك الحفريات والانقاض في الواقع دليل على حقيقة أنها مشاريع بدأ العمل بها منذ مدة طويلة ولم تنجز حتى الآن، وقد يتأخر انجازها لشهور او سنوات اخرى، فاللافتات الاعلانية التي توضع بالقرب من مواقع تلك المشاريع غالبا ما تتضمن معلومات عن المبالغ الكبيرة التي تنفق على هذا المشروع او ذاك الى جانب المدة المقررة للتنفيذ والتي غالبا ما تكون قد انقضت منذ مدة ليست بالقصيرة، فيا ترى ما هو السبب؟
في معظم دول العالم يحال تنفيذ المشاريع الى شركات رصينة متخصصة وفق مدة تنفيذ محددة ومبالغ معلومة، لكن الحال في العراق تبدو الحال مختلفة، فتأخر الانجاز وتدني مستوى نسب المنجز قياسا بالمدد المحددة وتدني مستوى اداء الشركات المنفذة والسلسلة الطويلة من المقاولين الثانويين الصغار فضلا عن تدني مستوى المواصفات وحالات الفساد باتت منذ سنوات خلت، بحسب مراقبين، الطابع المميز لتنفيذ المشاريع في العراق الذي صنف العام 2013 ضمن الدول العشر الاكثر استشراءا للفساد في مفاصلها.
ويشير الخبير الاقتصادي باسم جميل الى ان هناك اكثر من تسعة آلاف مشروع أنفق عليها نحو 270 مليار دولار لم يقدم بعد كشوفات عن نسب إنجازها، موضحا أن اسباب هذا الامر عدة لكن اهمها إنعدام المهنية والنزاهة في عمليات احالة المشاريع للتنفيذ وضعف الرقابة على تنفيذها، فضلاً عن التباطؤ من قبل الجهات ذات العلاقة في تطبيق القانون سيما مع المتجاوزين على اراضي المشاريع.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إذا كانت مشكلة تأخر تنفيذ المشاريع مستمرة منذ اكثر من عشر سنوات فهل اتخذت الجهات الحكومية ذات العلاقة اية خطوات لحل هذه المشكلة؟
يوضح المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أن الوزارة بدات فعليا باتخاذ إجراءات من شانها الحد من تأخر تنفيذ المشاريع لعل من اهمها إعداد صيغ قياسية لتعاقدات إحالة وتنفيذ المشاريع التي لا يزال عدد منها متلكئاً منذ عام 2008 لغاية الآن، لافتا الى أن عدداً من الحكومات المحلية في المحافظات باشرت بتشكيل لجان للنظر في المشاريع المتلكة ومحاسبة الجهات المسؤولة عن ذلك التلكؤ ما قد يفتح بابا من الامل بالحد من تلكؤ تنفيذ المشاريع في المستقبل.
ويقر رئيس هيئة الاستثمار في مجلس محافظة بغداد شاكر الزاملي اقر من جانبه بتأخر تنفيذ عدد غير قليل من المشاريع في المحافظة سيما تلك المحالة الى التنفيذ من قبل الاخيرة لأسباب تتعلق بعدم اقرار الموازنة العامة للدولة لعام 2014 حتى اليوم، الى جانب اسباب اخرى يأتي تردي الوضع الامني منذ حزيران 2014 الماضي في مقدمتها. غير ان الزاملي أكد أن هناك بالمقابل عدداً لا بأس به من المشاريع التي انجزت او حققت نسبا متقدمة من الانجاز سيما تلك المملوكة للقطاع الاستثماري الخاص المحلي والاجنبي سيما في قطاعات الصناعة والسياحة.
وقد يتبادر الى الاذهان التساؤل من اين يتوجب البدء بتطبيق الاليات الكفيلة بالحد من التأخر في تنفيذ المشاريع؟
يعتقد المستثمر نوار الجميلي أن اولى الخطوات التي على الحكومة اتخاذها للحد من تأخر تنفيذ المشاريع العمل على منع بيع المقاولات من قبل مقاولي الدرجة الاولى الى المقاولين الاصغر، فالاصغر لينتهي المطاف بتنفيذ هذا المشروع او ذاك الى يد احد المقاولين الصغار غير القادرين على تنفيذه في الوقت المحدد ووفق المواصفات المطلوبة. واكد الجميلي في هذا السياق أن الاثار السلبية لما يشوب عمليات احالة المشاريع الخدمية والتنموية الى التنفيذ من حالات فساد واعتماد مبدأ المحسوبية لم تتوقف عند حد الاضرار بالاقتصاد الوطني وتأخر التنمية وإنما أدت الى افراغ العراق من المقاولين المخلصين وذوي الكفاءة.