تمثل العشوائيات اليوم مشكلةً عالمية مثيرة للقلق، إذ تشيرُ إحصائيات دولية الى أن سكان العشوائيات في العالم يقدرون بحوالي مليار شخص، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد في عام 2030 إلى ملياري شخص، وقد يصل عدد المناطق العشوائية إلى أكثر من 100 مليون عشوائية عام 2020، ما يجعل إيجاد حلول فعالة ومؤثرة للتغلب على المشكلة، عسيرا لدرجة أن هناك من يعتبر حاليا وجود العشوائيات أحد ملامح المجتمع الحضري.
كيف تمددت العشوائيات في العراق؟
ويحذر كثيرون من أن العشوائيات ظاهرة عالمية تفرض نفسها بقوة وتنذر بقيام ما يمكن أن تسميه بظاهرة "الفقر الحضري"، إذ يعيش ملايين البشر في تجمعات (حضرية) لا تخضع لسلطة قوانين الدولة، يمارسون أعمالاً وأنشطة اقتصادية كثيرًا ما يصعب توصيفهُا أو تصنيفُها بل وقد يمثل بعضُها ثورة على الأوضاع المألوفة والسائدة في بقية أنحاء المجتمع وكثيرًا ما يكون فيها خروج صارخ على القانون". بحسب المهندس الكاتب زاهر الزبيدي.
في العراق أطلق الجهاز المركزي للإحصاء نتائجَ المسح الشامل للعشوائيات أواخر عام 2013، حيث كشف عن أن عدد المساكن العشوائية في العراق (باستثناء إقليم كردستان) بلغ ما يقارب 350 ألف مسكناً اي بنسبة 7.3% من مجموع المساكن في البلد، سجلت بغداد لوحدها 33.4% من العشوائيات وتوزعت النسب المتبقية في المحافظات الأخرى، فيما يقدر عدد سكان العشوائيات بحوالي مليونين وأربعمئة ألف نسمة يشكلون حوالي 6.9% من مجموع السكان.
وبرغم عدم توفر دراسة ميدانية عن الطبيعة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية لسكان العشوائيات، ومناطقهم الاصلية، وسبب تفاقم عدد المجمعات العشوائية مساحاتٍ وسكاناً بمرور الوقت، (لوحظ امتدادُها الى أملاك وبنايات وأراض تابعة للدولة بعد اسقاط النظام السابق في نيسان 2003)، يثار اليوم تساؤلٌ موضوعي هو: أين كان يعيش سكان عشوائيات اليوم قبل عام 2003؟
وكيف تضاعفت اعدادُهم خلال فترة قصيرة؟
وكيف ساهم غياب سلطة الدولة وضعف القانون وتطبيقه في تضخم المشكلة؟ بحيث أصبحت معضلة حقيقية تفرز عِللاً مختلفة، منها ما يتعلق بتوفير خدمات البنية التحتية لمناطق لم تكن أصلا مشمولة بتلك الخدمات في المحافظات العراقية.
توفير البنية التحتية، بين الوعود والاستحالة
لنتوقف أولا عند صعوبة توفير الخدمات للعشوائيات، ونموذجها في العاصمة بغداد، حيث أعلنت وزارة البلديات مؤخرا عن تشكيل لجنة عليا لحل مشكلة الخدمات للمتجاوزين في التجمعات السكنية العشوائية.
واشار المتحدث باسم امانة بغداد حكيم عبد الزهرة في حديثه لإذاعة العراق الحر الى وجود حوالي 200 حي للمتجاوزين في بغداد، مؤكداً صعوبة احتساب تلك الاحياء ضمن التصميم الاساس للمدينة، موضحا ان هناك امكانية للاعتراف ببعض التجاوزات الواقعة ضمن المناطق الرئيسية للمدينة.
الى ذلك، شدد الخبير الاقتصادي مناف الصائغ على ضرورة التنسيق مع دوائر الدولة المعنية، لإيجاد حلول جذرية لمشكلة العشوائيات السكنية، مقترحا العمل على بناء وحدات سكنية واطئة الكلفة وتوزيعها على المتجاوزين.
وكان وزير البلديات عبد الكريم الانصاري اعترف خلال مؤتمر صحافي في كربلاء، مشكلة أحياء التجاوز او "العشوائيات" بأنها اصبحت امراً واقعاً في جميع المحافظات، وان نسَبها الاكبر توجد في بغداد والبصرة وكربلاء، مؤكدا على ضرورة تقديم الخدمات وتوفير البنى التحتية لها، مستدركا بالإشارة الى الحاجة القانونية لتشريع يعيد توصيف تلك الاحياء ويمهد لتوفير خدمات البنية التحتية لها.
يرى مراقبون، ومنهم المهندس زاهر الزبيدي، أن الدولة في العراق ما زالت بعيدة عن انتهاج سياسة سكانية وإسكانية تتناسب وحجم التحدي المطروح أمامها فيما يخص سكان العشوائيات، وبرغم الوعود والتصريحات والخطط التي طرحت على هذا الصعيد منذ عام 2003، الا ان ما نُفذ منها أو قيد التنفيذ قليلٌ جدا مقارنة بالحاجة المتضاعفة للوحدات السكنية في العراق عموما.
حذار من مخاطر تكمن في مجتمع العشوائيات
يُبدي مختصون مخاوفَهم من التأثيرات الحضَرية والاجتماعية والبيئية لمجتمع العشوائيات أو مجتمع الاحياء الفقيرة، ويرى بعضهم ان معالجة هذا الواقع اصبح في العراق أحد وسائل مكافحة الإرهاب الذي قد يستغل التمويل البشري الذي تنتجه تلك العشوائيات بسبب الظروف الاقتصادية والخدمية الصعبة التي يعيشها سكانها، في ظل مؤشرات مقلقة عن ازدياد حجم البطالة ومؤشرات الفقر في العراق عموما.
وفي مقابلة مع أستاذة الاجتماع والناشطة الدكتورة نهى الدرويش، (يمكن الاستماع اليها في الملف الصوتي المرفق) شخّصت طبيعة العلاقات الاجتماعية داخل العشوائيات، وافرازاتها السلوكية والقيمَية، واحتمال توظيفها من قبل البعض لأغراض إجرامية أو أعمال غير مشروعة وسمسرة وانتهاك للقانون، محذرة من تزايد حالات التحرش والاعتداء والاغتصاب في بيئة تلك المجمعات السكانية، التي تشكو من ضعف دور القانون والسلطة التنفيذية في كثير من الحالات.
شاركت في الملف مراسلة إذاعة العراق الحر في بغداد براء عفيف