يميل جانبٌ كبير من التعليقات والتقييم حول الوضع الراهن في العراق إلى أن البلاد تجاوزت نقطة الانكسار تحت وطأة الحملة الخاطفة التي شنها مسلحو تنظيم "داعش" في حزيران الماضي، ونجم عنها سقوط عدد من المدن في قبضتهم مثل الموصل وتكريت، وقبل ذلك اتساع نفوذهم في محافظة الانبار>
ويرى مراقبون بأن عوامل سياسية وعسكرية وإعلامية ساهمت مؤخرا في تغيير الأوضاع ما أحدث تحولا ملموسا في ميزان المواجهة مع التنظيم وتحجيمه والحد من قدراته، ويؤكد عضو لجنة الامن والدفاع النيابية علي جاسم المتيوتي في حديث لإذاعة العراق الحر، أن مناخا سياسيا واجتماعيا أنتج توحداً عراقيا ساهم في انجاح المواجهة مع داعش، بحسب رايه.
خبير: تغيرات سياسية أنعشت التحرك العسكري
عسكرياً ساهم التحالف الدولي من خلال الضربات الجوية والدعم التسليحي والمعلوماتي بشكل مؤثر في المعركة ضد تنظيم داعش، فضلا عن تزامنه مع تغيرات سياسية وإدارية تمثلت بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حيدر العبادي وحسم تسمية وزيري الدفاع والداخلية، بعد ان كانتا محصورتين بيد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إذ يلفت الخبير العسكري اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف الى أن توزيع المهام والمسؤوليات على المختصين سيساهم جديا في رسم السياسة العسكرية بشكل محترف والتخطيط لها بعناية.
وبرغم أن البعض يقرنُ تصاعدَ المواجهة ضد مسلحي داعش بالتحسنَ في المناخ السياسي والإداري الا ان الخبير الامني احمد الشريفي لم يلمس تحولا كبيرا في الفعل السياسي بالقدر الذي تركه الدعم الشعبي، والتقارب والتضامن بين ممثلي المكونات المجتمعية من تأثير على معنويات المقاتلين ضد تنظيم داعش.
في هذه الاثناء اعتبر السفير الأميركي في العراق ستيوارت إي جونز أن العراق ليس بحاجة الى قوات تحالف برية وأن قواته كافية لدحر الإرهاب، مؤكداً أن الضربات الجوية في قضاء بيجي وجنوب الفلوجة فاعلة. ونقلت قناة العراقية شبه الرسمية عن السفير جونز يوم الاثنين، قوله إن "الضربات
العراق ليس بحاجة الى قوات تحالف برية وأن قواته كافية لدحر الإرهاب... جونز
الجوية كانت فاعلة في بيجي وجنوب الفلوجة وقتلنا الكثير من ارهابيي داعش"، مضيفا أن "الدعم الذي نقدمه الى كردستان يمر عبر بغداد ولا نقوم بشيء دون طلب الحكومة العراقية".
كرر مسؤولون عسكريون وأمنيون عراقيون خلال الاسابيع الأخيرة الإشارة الى ان تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بات مكشوفا أمام القطعات العسكرية والأمنية في بعض المحافظات، مشيرين إلى نجاح الجهود الاستخبارية في تقديم بيانات ومعلومات حول تشكيلات التنظيم وافراده فضلا عن تحركاته وخططه، وبغض النظر عن موضوعية هذه الثقة التي ترد في التصريحات والبيانات الرسمية الا ان احمد الشريفي توقف عند متغيرات سياسية واجتماعية ساهمت في تعزيز دور القوات المسلحة والحشد الشعبي ورجال العشائر على رأسها اتساع الرفض الشعبي للتنظيم وممارساته وافكاره في مناطق كانت تعتبر، بشكل من الأشكال، حواضن للتنظيم وخلفياته الفكرية.
الإعلام يساهم في المواجهة، فهل نجح؟
من جهته يركز رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي على أهمية المناخ الجديد في العلاقات بين القوى السياسية والمكونات العراقية والذي اذا ما استمر بدون مفاجئات، بحسب رأيه، قد يؤسس لواقعٍ أمني وعسكري يفتقده العراقيون منذ سنوات.
بعض المناطق الساخنة شهدت تطويقاً لعناصر داعش وقواعدهم بتعاون من رجال العشائر والأهالي ... مراسل حربي
وليس بعيدا عن الموضوع لوحظ مؤخرا اهتمامٌ استثنائي لوسائل الاعلام المحلية والقنوات الفضائية بمتابعة تطورات المواجهة والقتال بين القوات العراقية ومسلحي تنظيم داعش في عدد من المناطق والمدن، وتصدرت فضائية العراقية شبه الرسمية المشهد من خلال بث تقارير حية لمراسلين وهم يرافقون القطعات العسكرية والمقاتلين معها لنقل صورة إيجابية الى المشاهد، تهدف، بحسب معنيين، الى تعزيز الروح المعنوية للمقاتلين فضلا عن إشاعة الثقة لدى الجمهور بالمؤسسة العسكرية ومقاتلي الحشد الشعبي ورجال العشائر، كما بين المراسل الحربي احمد عبودي في حديثه لإذاعة العراق الحر، ان بعض المناطق الساخنة شهدت تطويقا لعناصر داعش وقواعدهم بتعاون من رجال العشائر وأهالي المناطق، ما ساهم في تعديل معادلة المعركة، وتفنيد فكرة الحواضن كما حدث في عدد من المناطق في محافظات الانبار وصلاح الدين.
الغبان يتوعد الفاسدين في وزارة الداخلية
تدنت معايير الثقة بعناصر ودوائر المؤسسة الأمنية والعسكرية خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل كبير، وفقدَ العديد من العراقيين الأمل في تحسين أداء تلك المؤسسات وعناصرها، ومع تنوّع الأسباب والعوامل التي سمحت باستشراء حالات الفساد الإداري والمالي، فقد حذر وزير الداخلية محمد سالم الغبان، حين تسنمه المنصب، من أن ظاهرة الفساد باتت تنخر جسد الوزارة مثّلت خطراً على أدائها، وشدد الغبان في حديث خاص بإذاعة العراق الحر على مكافحة الفساد بمختلف اشكاله دون مجاملة ومحاباة لأي عنصر. لكن مراقبين حذروا في احاديث لإذاعة العراق الحر - يمكن الاستماع اليهم في الملف الصوتي المرفق- من ان الفاسدين في بعض مرافق وزارة الداخلية قد يضعون عوائق امام همة الوزير وجديته في محاربة الفساد، الامر الذي يحتاج الى دعم سياسي من مختلف القوى السياسية.