برز مصطلح السلم الاهلي بعد عام 2003 وتحديدا في سنوات العنف الطائفي عندما فتك الارهاب بالابرياء واعدّ عدته لضرب النسيج الاجتماعي العراقي واثارة الفتن الطائفية بين اهله، ربما نجح الى حد ما في اشعال الطائفية بين ابناء البلد الواحد وسط غياب المعالجات والتشريعات التي تجرّم من يعبث بالنسيج المجتمعي، وفي ظل تشتت الخطاب الوطني لمواجهة هذه الهجمة.
ومع كل ازمة وتفاقم امني يتهدد السلم الاهلي في العراق رغم محاولات المؤسسات المدنية والاعلامية والدينية للتخفيف من حجم الخطر المحدق. وربما يختلف مراقبون وسياسيون بشأن الوسائل التي تحافظ على السلم الاهلي لكنهم يتفقون جميعا على ان ترسيخ المواطنة ونبذ الخطاب الطائفي ومنع عسكرة المجتمع معالجات اساسية للحد من الطائفية واشاعة السلم الاهلي في العراق.
ويرى رئيس منظمة حمورابي لحقوق الانسان وليم وردة ان تحقيق السلم الاهلي بالعراق بحاجة الى اجراءات وتدابير عدة اهمها اجراء مصالحة وطنية مبنية على اساس حسن النوايا والحوار.
ويؤكد وردة ان العراق شهد عمليات قتل وتهجير وسفك للدماء تسبب بتنامي الاحقاد وصراعات عشائرية وسياسية ما يتطلب اتخاذ جملة من الاجراءات بينها تعديل بعض القوانين وتغيير في المناهج الدراسية، مبينا صعوبة الحديث عن سلم اهلي في العراق الا اذا ابتعد الاهالي عن ثقافة الانتقام واخذ الثأر، وبناء ثقافة جديدة مبنية على اساس احترام الاخر.
وبالرغم من تاكيدات البعض على الحاجة الملحة لحزمة قوانين تحقق السلم الاهلي في العراق الا ان وردة يؤكد ان القوانين لوحدها غير كافية، اذ لابد من ان يرافقها باقة من الاجراءات التي تتعلق ببناء الانسان العراقي منذ الصغر على اساس حب الاخر وتنشيط لغة الحوار، وتعويد المواطنين على عدم اللجوء الى العنف والانتقام عندما يجدون ان حقوقهم مسلوبة بل يستخدمون الحوار الحضاري والقانون.
خطة وطنية للسلم الاهلي
اصبحت قضية السلم الاهلي في العراق من المواضيع المهمة جدا بعد كل تلك الصراعات الطائفية والنزاعات المسلحة والمعارك الجارية مع مسلحي تنظيم "داعش" التي تهدد العراق ونسيجه الاجتماعي.
وتؤكد النائبة شروق العبايجي على ضرورة وضع خطة وطنية شاملة تتضمن تاسيس مبادئ السلم الاهلي في العراق او اعادة انتاجه، وهذا يتطلب برايها التوعية المجتمعية منذ الصغر عبر المدارس واعداد برامج حوارية بين الاطراف المختلفة، داعية منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحكومية والاكاديميين الى التصدي لهذا الموضوع وبشكال فاعل.
وتشير العبايجي الى اهمية اتخاذ اجراءات عديدة اذا ما اريد ترسيخ السلم الاهلي في العراق بما فيها الجوانب النفسية بالنسبة للاجيال الذين وعوا على الخلافات والاحقاد وكره الاخر، مشيرة الى دور المؤسسات الاعلامية والدينية في هذا الجانب.
السلم الاهلي وحواضن الارهاب
عندما يتم التفكير ببئية سليمة للسلم الاهلي في العراق يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار بيئة اخرى حاضنة للارهاب، ما يتطلب ايجاد بيئة حقيقية وفاعلة للسلم الاهلي.
ويرى استاذ الاعلام كاظم المقدادي ان البيئة السليمة هذه يجب ان تخلو من كل المظاهر المسلحة والحد من عسكرة المجتمع وحصر السلاح بيد الدولة، مشدداً على دور وسائل الاعلام في نشر ثقافة السلم الاهلي وهي يمكن ان تؤدي هذا الدور بشكل اكثر فاعلية من المدرسة.
واشار المقدادي ايضا الى دور منظمات المجتمع المدني في المساهمة بتحقيق السلم الاهلي عبر فعاليات جماهيرية مباشرة، وان تكون العملية مستمرة لاتنتهي بحملة لايام معدودة.
ويشترط المقدادي في توفر الارادة والايمان بمبدأ السلم الاهلي على مستوى الدولة ورموزها، كما اشار الى ضرورة محاربة الطائفية بكل اشكالها، عبر تشريع قانون تجريم الطائفية وهو امر معمول به في معظم الدول الديمقراطية حيث يجرم من يثير النعرات الطائفية والدينية والعنصرية والتمييز.
ويرى مراقبون ان معالجة كل القضايا التي تهدد السلم الاهلي في العراق يجب ان تبدا من المدارس، وهو ما يؤكده الأستاذ في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد ياسر الياسري الذي يقول ان المعالجة لا تبدأ من المجتمع الفوقي، حيث المشاكل والخصام والاحقاد، وانما يتم تاسيس جديد لثقافة السلم الاهلي من الاساس، اي تعليم الطفل على هذه المبادئ لانه يشكل مستقبلا آمنا للعراق.
فيما اكد المتحدث باسم وزارة حقوق الانسان كامل امين ان السلم الاهلي لم يعد قضية عراقية فقط وانما السلم الاهلي الاقليمي والعالمي مهدد بسبب انتشار ظاهرة الارهاب، مشيرا الى ان عمليات الحشد الدولي ضد تنظيم "داعش" ما هو الا اجراء لمواجة خطر الارهاب الدولي.