يُـــهدّدُ الانخفاضُ المتواصل في أسعار النفط العالمية عمليةَ النمو الاقتصادي في الدول المصدّرة ومن بينها العراق الذي تعتمدُ موازنـــتُــه بشكلٍ أساسي على الإيرادات النفطية.
سعرُ برميل النفط يسجّل منذ حزيران تراجعاً في الأسواق العالمية تُــقدّرُ نسبتُه بـخمسةٍ وعشرين في المائة نَــــــــظراً لارتفاع الإنتاج وتَــــــدنّي الطلَب والقلق بشأن النمو العالمي. وفي تصريحاتٍ أدلت بها على هامش اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت، قالت المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد السبت إن انخفاض أسعار النفط 25 دولاراً من مستوى 104 يكلّف دول الخليج مجتمعةّ نحو ثمانية في المائة من عائدات إجمالي الناتج المحلي.
لاغارد أكدت أن صندوق النقد الدولي يولي أهمية كبرى لآثار تراجع أسعار النفط عَــــالـــَمياً. وأضافت أن الصندوق سيركّز عمله في الأشهر المقبلة على قضية انخفاض الأسعار وأسواق النفط وتأثيراتها على اقتصادات دول المنطقة، بحسب ما نقلت عنها وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا).
وأشارت المسؤولة الاقتصادية الدولية إلى أن الصندوق قدّم في وقت سابق توصياته لدول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات والكويت وعُمان وقطر والبحرين) بشأن تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط والنشاطات المرتبطة به. وفي هذا الصدد، أوضحت أن توصيات صندوق النقد الدولي شملت مجموعة من مستويات تحفيز القطاع الخاص في دول الخليج وفتح باب المنافسة وتعزيز تنافسية هذا القطاع ودعمه وتشجيعه للتوجّه الى الأسواق الخارجية ما يؤمّن مورداً إضافياً للدولة.
من جهته، أقرّ وزير المالية الكويتي أنس الصالح خلال اجتماع السبت بأن تراجع سعر النفط بدأ يؤثر على مالية دول الخليج العربية، مشيراً إلى ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية. كما أكد ضرورة تعزيز الاستثمار والقطاع الخاص، بحسب ما نقلت عنه وكالتا رويترز وفرانس برس للأنباء.
دولُ مجلس التعاون الخليجي الست تنتج يومياً 17 مليون برميل من النفط الذي تشكّل عائداته 90 في المائة من موارد الدولة. ونُقل عن وزراء نفط من هذه الدول أخيراً أن من المستبعد أن يؤدي انخفاض سعر النفط إلى تحرّك من منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) ما لم يتراجع سعر الخام عن 85 دولاراً للبرميل.
رئيسُ إحدى الدول الأعضاء في (أوبك) صرّح الأسبوع الماضي بأن ميزانية بلاده لسنة 2015 تستند على تخميناتٍ بأن سعر النفط قد يصل إلى نحو 60 دولاراً للبرميل. لكن رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو كرر توقعاته بعدم هبوط الأسعار إلى هذا المستوى مبدياً تفاؤله بارتفاعها.
وفي عرضها لتصريحات مادورو، أشارت رويترز إلى أن فنزويلا تخفّض بشكلٍ روتيني تقديراتها لأسعار النفط عند تخطيطها لميزانيتها للسماح بمزيدٍ من الإنفاق فيما بعد بقيود أقل على الميزانية. وقــــــدّرت ميزانية فنزويلا لعام 2014 أسعار النفط أيضاً بنحو 60 دولاراً للبرميل.
إلى ذلك، يشير خبراء إلى أن زيادة الولايات المتحدة إنتاجها من النفط الصخري من شأنه أن يقلل اعتمادها على واردات الطاقة بل ويجعلها تصبح في المستقبل منافساً محتملاً لدول الخليج في تصدير النفط.
ولمزيدٍ من المتابعة والتحليل، أجريتُ مقابلة مع الخبير النفطي الكويتي كامل الحرَمي الذي أعرب عن اعتقاده بأن هبوط أسعار النفط قد يكون إيجابياً في بعض النواحي لاقتصادات الدول المنتجة على اعتبار "أننا بحاجة إلى مَــن يلتزم ومَــن يُـــقـنـن ومَــن يحافظ على مدخرات البلاد والفوائض المالية، بمعنى أننا نصرف أكثر من خمسين في المائة على الرواتب بالإضافة إلى نسبة كبيرة أخرى تذهب لدعم الكهرباء والماء والبنزين والسلع...".
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، تحدث الحرَمي عن موضوعات أخرى ذات صلة ومن بينها أسباب تراجع الأسعار وزيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري.
من جهته، اعــــتبرَ الخبير الاقتصادي العراقي باسم جميل أن التحديات التي يشكّلها انخفاض أسعار النفط بالنسبة للعراق قد تكون أكبر مما تمثّله لدول نفطية أخرى "لكونه يجابه مشاكل داخلية كالإرهاب وداعش والمصاريف التي تحتاجها هذه العملية من أجل دحر الإرهاب وتجهيز القوات المسلحة بالعتاد والسلاح بالإضافة إلى رواتب الحشد الشعبي. كما أن قضية المهجّرين والنازحين تحتاج هي الأخرى إلى صرف مبالغ كبيرة إضافية لم تكن في الحسبان..ما يجعل المشكلة ربما أكبر بالنسبة للعراق....وهذه الشحة تؤثر في الاقتصاد الوطني خاصةً وأن موازنة العام 2014 لم تُـــقـــرّ لحد الآن".
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، توقع الخبير الاقتصادي باسم جميل أن تتأثر عملية النمو في العراق بشكل كبير "لأن أكثر من 95 في المائة من تمويل الموازنة العامة سواء كانت في عاميْ 2014 أو 2015 هو من عائدات تصدير النفط والغاز". كما أكد أهمية "تفعيل وإعطاء دور للقطاع الخاص العراقي كي يتولى المساهمة في خلق ناتج إجمالي محلي بديل عن الدولة ويخفف عن كاهلها عبء الرواتب التشغيلية"، بحسب رأيه.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلتين مع الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي والخبير الاقتصادي العراقي باسم جميل.