تتَــــركــــزُ جهود إقليمية ودولية متزايدة على إشراك إيران في مساعي التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق والأوسط من جهة والاعتراف بدورها في حل الأزمة السورية من جهة أخرى.
وفيما ختمَ مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا زيارةً إلى طهران قبل أن يتوجّه إلى موسكو بدأ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الثلاثاء محادثاته مع المسؤولين الإيرانيين في زيارته الإقليمية الأولى إلى خارج البلاد منذ توليه مهام منصبه قبل أكثر من شهر.
العبادي يرأس وفداً يضمّ وزراء النفط والكهرباء والتجارة والموارد المائية للبحث مع الرئيس الإيراني حسن روحاني ومسؤولين كبار آخرين خلال زيارته الرسمية التي تستغرق يومين في تطوير العلاقات الثنائية "وسُبل تعزيزها في المجالات كافة إلى جانب بحث مكافحة التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن المنطقة والعالم أجمع"، بحسب ما أفاد بيان إعلامي نُشر على موقعه الإلكتروني.
هذا فيما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) بأن وزير الدفاع الإيراني العمید حسین دهقان وجّه الثلاثاء دعوة إلى نظيره العراقي خالد العبيدي لزيارة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. ووردت الدعوة في سياق برقية التهنئة التي بعثها إلى العبيدي لمناسبة تعيينه في منصب وزیر الدفاع العراقي، وأعرب فيها أيضاً عن استعداد إيران لتطوير التعاون العسكري مع "البلد الصدیق والجار والشقیق العراق"، بحسب تعبيره.
محادثاتُ العبادي في طهران تـــَـــتزامنُ مع بدء سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف برفقة وفد أمني عسكري زيارةَ عملٍ لإيران للبحث في قضايا التعاون بين الدولتين وفي طليعتها التنسيق الأمني والاستخباري لا سيما في ضوء الأوضاع الخطيرة في منطقة الشرق الأوسط، بحسب ما أفادت وكالات أنباء روسية.
وفي تقريرٍ عن محادثات المبعوث الأممي إلى سوريا في طهران، أفيد بأن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي شمخاني أعلن خلال لقائه دي ميستورا الاثنين استعداد بلاده للتعاون مع الأمم المتحدة باعتبارها المرجع القانوني الوحید للتصدي للجماعات الإرهابیة. وأشار شمخاني إلى "فشل جمیع المؤتمرات الدولیة التی عقدت لوضع حد للأزمة السوریة"، مُــــــــنوّهاً إلى ضرورة الإفادة من تجارب المبعوثیْن السابقیْن للأمم المتحدة لسوریا، أي كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي. وأضاف "نحن أكدنا مراراً أن تشکیل مجموعات إرهابیة جدیدة لکبح المجموعات السابقة أو التدخل العسکري الأجنبي سیؤدي إلى تصعید الأزمة"، على حد تعبيره.
فيما أشار دي ميستورا من جهته إلى "ضرورة الإفادة من تجارب إیران في تسویة الأزمة السوریة وأکد أن الكارثة البشرية التي وقعت في المدن الحدودیة السوریة تجعل من المشارکة الفاعلة لجمیع الدول فی المنطقة في مکافحة الإرهاب، أمراً ضروریاً". واعتبر أن الحل السياسي هو السبيل الأمثل لتسوية الأزمة السورية والتصدي لتنظيم داعش الإرهابي"، بحسب ما نقلت عنه (إرنا).
وفي موسكو حيث اجتمع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء، شدد دي ميستورا مجدداً على ضرورة انتهاج الحل السياسي سبيلاً لتسوية الأزمة السورية. ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عنه القول إن حلّ هذه الأزمة بالقوة هو أمر مُستَبعد، مؤكداً أهمية الحوار الشامل بين جميع الفرقاء كنقطة انطلاق للمحادثات.
وكان دي ميستورا التقى خلال زيارته إلى لبنان قبل أن يتوجّه إلى إيران نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم الذي تقاتل عناصره في سوريا إلى جانب القوات الحكومية.
وأفادت وكالة فرانس برس للأنباء بأن اللقاء الذي جرى في بيروت يوم الخميس الماضي (16 تشرين الأول) يُـــــعَـــــد الأول من نوعه بين ممثل للأمم المتحدة وحزب الله منذ بداية النزاع في سوريا قبل أكثر من ثلاث سنوات إذ لم يلتقِ سلفاه، أنان والإبراهيمي، مسؤولين من هذا الحزب الذي أعلن في بيان أن قاسم أكد لدي ميستورا أن "الحل الوحيد المتاح في سوريا هو الحل السياسي، دون أي شروط مسبقة، ودون تجاوز الأطراف الفاعلين والمؤثرين في مثل هذا الحل".
من جهته، أشار المبعوث الأممي إلى أن اللقاء جرى في إطار التشاور مع كل الأطراف التي يمكن أن تساعد على الحل في سوريا.
وفي تعليقها على المحادثات التي يجريها دي ميستورا الثلاثاء في موسكو التي وصلها قادماً من طهران، أوضحت مديرة (مركز آسيا والشرق الأوسط) في معهد الدراسات الإستراتيجية الروسي الدكتورة ييلينا سوبونينا لإذاعة العراق الحر "أن برنامج المبعوث الأممي مكثّف جداً إذ يلتقي وزير الخارجية ونائبه ودبلوماسيين آخرين". وأضافت سوبونينا في مقابلة أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي "شيء جيد أن المبعوث الأممي أتى من إيران لأنه بالنسبة لروسيا من المهم أن تفهم ما هو موقف الإيرانيين رغم معرفتها سلفاً بهذا الموقف ولكن الدبلوماسيين الروس سوف يستمعون مباشرة إلى انطباعات السيد دي ميستورا خاصةً وأن روسيا تعتقد أنه بدون الأخذ بعين الاعتبار مصالح إيران ومواقفها سيكون من الصعب إنعاش العملية التفاوضية في سوريا.."، بحسب تعبيرها.
أما مواقفُ طهران فيما يخصّ دعم العراق وإسناده في مواجهة التهديدات الإرهابية فقد أوضحها مسؤولون إيرانيون غير مرة في تصريحاتهم الرسمية إضافةً إلى تقارير إعلامية عدة أشارت إلى وجود مستشارين عسكريين إيرانيين في بعض المواقع العراقية التي شهدت مواجهات مع مسلحي داعش وكان من أبرزها عملية فك الحصار عن مدينة آمرلي في نهاية آب الماضي. كما أكد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في تصريحاتٍ أدلى بها خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أربيل في 26 آب أن إيران كانت أول دولة تزوّد قوات البشمركة الكردية بالأسلحة والذخيرة.
وفي محور المحادثات العراقية الإيرانية خلال زيارة العبادي والتي يُتوقع أن تتناول سبُل تعزيز التعاون المشترك في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، يشار إلى تصريحاتٍ أدلى بها رئيس الوزراء العراقي الاثنين قبل أن يتوجّه إلى طهران وأكد فيها عدم حاجة العراق إلى قوات برية أجنبية.
العبادي صرّح بذلك إثر لقائه المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني في مدينة النجف، قائلاً:
"لن تكون هناك قوات برية على أرض العراق. هذا قراري وقرار الحكومة العراقية. نستطيع أن نحرر أراضينا بأنفسنا. نعم هناك غطاء جوي... غطاء جوي دولي. وهذا عامل مساعد لا نعتمد عليه.. أقولها بصراحة. نحن نعتمد على قواتنا الجوية. عندنا طيران الجيش كذلك وعندنا قوات على الأرض. بواسطتها مع جهد إضافي من الجهد الدولي يساعدنا أيضاً لأن بعض المنظومات غير موجودة عندنا.."، بحسب تعبيره.
وفي تحليله لاستراتيجية التحالف الدولي الذي يُـــــــعــــوّل على الضربات الجوية ضد مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في كلٍ من العراق وسوريا دون إرسال قوات برية رغم تأكيدات مسؤولين وخبراء أن مثل هذه الضربات بمفردها لن تدحرَ داعش ما لم تتكامَــــل بجنودٍ على الأرض، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور سعدي كريم العزاوي لإذاعة العراق الحر "إن هذه الإستراتيجية ما تزال موضع تشكيك على اعتبار أنها مكتفية حتى هذه اللحظة بالضربات الجوية المتناثرة هنا وهناك مع غياب رؤية عامة مشتركة للتحالف في ضوء تضارب وجهات نظر بعض الدول، على سبيل المثال ألمانيا تسعى إلى التدخل ولكن تدخلها إنساني عبر تقديم المساعدات إلى اللاجئين فيما تقول بريطانيا إنها تضرب في العراق ولا تضرب في سوريا...."، بحسب رأيه.
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أجاب الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي عن سؤالين آخرين يتعلق أحدهما بموقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من استراتيجية التحالف الدولي لمحاربة داعش والثاني عن أهمية تعزيز التعاون العراقي في هذه المرحلة مع الجارتين إيران وتركيا في ضوء ما توصَف أحياناً بالعلاقات المتذبذبة بين طهران وأنقرة.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقطعاً صوتياً من تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إضافةً إلى مقابلتين مع مديرة (مركز آسيا والشرق الأوسط) في معهد الدراسات الإستراتيجية الروسي د. ييلينا سوبونينا وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. سعدي كريم العزاوي.