بدأت الضربات الجوية ضد تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" في العراق منذ قرابة شهرين الآن، ومر ما يربو على اسبوعين منذ استهداف قواته في سوريا ايضاً. ولكن داعش ما زال يسيطر على نحو ثلث العراق حيث اعلن خلافة دون ان يُطرد مسلحوه من أي معقل من معاقله المهمة.
وكانت الولايات المتحدة البادئة بتوجيه ضربات جوية محدودة في شمال العراق ثم انضمت اليها فرنسا والتحقت بها دول أخرى مثل استراليا وبعدها بريطانيا. وأسهمت هذه الضربات في وقف تقدم داعش الذي كان مسلحوه يهددون مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان. كما قامت الضربات الجوية بدور فاعل في تمكين قوات البشمركة من إبعاد مسلحي داعش عن سد الموصل الاستراتيجي. ولكن الحملة الجوية لم تنجح حتى الآن في الحاق هزائم كبيرة بقوات داعش ناهيكم عن تقويض قواه وصولا الى تدميره كما تعهد الرئيس الاميركي باراك اوباما حين أعلن اهداف الحملة الجوية.
ويشير مراقبون الى ان مسلحي داعش تمكنوا، رغم الضربات الجوية، من محاصرة واقتحام قواعد الجيش العراقي في مواقع مثل الصقلاوية والضلوعية وغيرها حيث قُتل وأُسر عشرات الجنود العراقيين.
ويلاحظ خبراء عسكريون ان أداء الجيش العراق ضد داعش أظهر انه بحاجة ماسة الى إعادة نظر جذرية بالأُسس التي قام عليها منذ الغزو الاميركي عام 2003. ولكن إعادة بناء الجيش العراقي وإعداد قيادات كفوءة ورفع مستوى قدراته عملية مديدة. وبالتالي فان تكثيف الضربات الجوية كما يدعو البعض لن يكون مجدياً من دون شريك يستكمل على الأرض ما بدأ من الجو ، بحسب هؤلاء الخبراء.
في سوريا قال المتحدث باسم المدافعين عن مدينة كوباني الكردية ادريس نعسان لصحيفة الغارديان البريطانية ان مقاتلات التحالف لا يمكنها ان تضرب كل داعشي على الأرض فيما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الاميركية عن المعارض السوري محمد حسن قوله "ان الضربات عديمة الفائدة حتى الآن". وفي تصريح لصحيفة نيويورك تايمز أشار المحلل مايكل ستيفن من مركز بروكنز الدوحة للأبحاث الى ان الضربات الجوية لم تحدث تغييرا يُذكر على الأرض حيث "حفر الجميع خنادق وتمترسوا فيها".
واثارت الحصيلة المتواضعة للضربات الجوية ردود افعال وضعت جدوى حملة عسكرية كلفت حتى الآن نحو مليار دولار موضع تساؤل.
وفي العراق تضافرت الضربات التي تلقتها قوات الجيش العراقي مع عدم ظهور نتائج آنية على الأرض من ضربات التحالف الدولي لتكريس صورة عن داعش يبدو معها وكأنه بعبع له قدرات خارقة.
مواطن: تضييق الخناق على داعش بقطع خطوط امداداته في محافظتي الانبار ونينوى لا يحتاج الى عبقرية عسكرية...
إزاء هذا الوضع أخذ المواطنون يؤكدون ضرورة ايجاد حل لهذه المعادلة الصعبة لا سيما وان القدرات القتالية المعبأة ضد داعش داخلياً ودولياً قدرات لا يستهان بحجمها. ولكن المطلوب هو التنسيق بينها كي تعطي النتائج المنشودة كما دعا المواطن مصطفى سعدون الذي قال لاذاعة العراق الحر ان غياب هذا التنسيق هو الذي أوحى بأن داعش عصي على التحالف الدولي وقوات الجيش والحشد الشعبي مجتمعة مشيرا الى ان تضييق الخناق على داعش بقطع خطوط امداداته في محافظتي الانبار ونينوى لا يحتاج الى عبقرية عسكرية.
وشدد المواطن سعدون على ضرورة تجفيف مصادر تمويل داعش الذي يسيطر على مناطق نفطية في نينوى وشرق سوريا قائلا ان ملايين الدولارات التي يحققها داعش من تجارة النفط وتهريبه تشكل مصدرا كبيرا من مصادر قوته واسباب بقائه.
وقال سعدون ان ممارسات ما سماه داعش دولة الخلافة لا تمت بصلة الى الاسلام السمح وان هذا التنظيم استغل مشاعر الغضب والاستياء في مناطق كان ينتشر فيها الجيش العراقي مثل الموصل ولكن ما حققه هو استدراج البعض من ذوي العقول المتحجرة ، على حد تعبير سعدون.
المواطن قاسم الشمري لاحظ ان العشائر التي تواجه داعش لا تملك الامكانات التي يملكها هذا التنظيم بسبب الدعم الذي يلقاه من مموليه في الخارج وهذا احد الأسباب الكامنة وراء صعوبة الحاق الهزيمة بجماعة تستهدف العراقيين على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والقومية.
وقال الشمري ان المؤمل ان يسهم موقف المجتمع الدولي من خلال الضربات الجوية للتحالف متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة مع تمكن القوات العراقية من مسك الأرض في وقف داعش الذي استخدم الارهاب والقتل العشوائي بلا رحمة لفرض حكمه الأسود على حد تعبير الشمري الذي رأى ان وحشية هذه الجماعة كانت وراء سيطرتها على بعض المناطق وهروب الجنود العراقيين تاركين اسلحتهم للنجاة بحياتهم. ولكن الشمري اعرب عن ثقته بأن النصر قريب بوحدة جهود العشائر والتحالف الذي نشأ بينها وبين تشكيلات الجيش العراقي.
المواطن ناجي علي من جهته اعتبر ان تقدم داعش في مناطق مثل هيت بمحافظة الانبار لا يعني ان الضربات الجوية التي يوجهها التحالف الدولي ليست مجدية بل يشير الى ضعف الجيش العراقي في مناطق توفر حواضن للمسحلين مضيفا ان قيادة داعش انتقلت الى الموصل حيث تحدثت الأنباء عن اجتماع كبير حضره اقطاب التنظيم واركانه في سوريا بعد ان اصبحت الحدود مفتوحة في المناطق الخاضعة لسيطرته.
ورأى المواطن علي ان الحملة الجوية للتحالف الدولي، على الضد من الرأي القائل بعدم جدواها، اسفرت عن توجيه ضربات موجعة الى مواقع داعش في مناطق مثل محافظة الرقة في سوريا ودعمت صمود المقاتلين الكرد المدافعين عن مدينة كوباني في شمال سوريا فضلا عن المضي شوطا بعيدا في قطع قنوات تمويل داعش والحد من تدفق المقاتلين الأجانب لرفد صفوفه بعد الاجراءات التي اتخذتها بلدان اوروبية يوظف داعش جهودا كبيرة لتجنيد عناصر من بين مسلميها.
وقال علي ان لا فرق عمليا بين "داعش" وتنظيم القاعدة أو طالبان بصرف النظر عن صفة الاسلام الملصقة باسمه وان ما أسهم في توسيع رقعة نفوذ التنظيم بقيادة ابو بكر البغدادي هو الموارد المالية التي توفرت له وخاصة بعد السيطرة على الموصل ولكن تمدد التنظيم نحو مناطق أخرى مثل محافظة صلاح الدين سيكون بداية نهايتهم ، كما يرى المواطن ناجي علي.
الهاشمي: الغطاء الجوي كان غائباً وقت الحاجة كما في هيت والضلوعية والصقلاوية وغيرها...
المحلل السياسي واثق الهاشمي من جهته وصف الضربات الجوية للتحالف الدولي بأنها غير مؤثرة وحجمها ليس بالمستوى المطلوب وان الغطاء الجوي كان غائباً وقت الحاجة كما في هيت والضلوعية والصقلاوية وغيرها داعيا الى احياء غرفة العمليات المشتركة لا سيما وان حدود الحملة الجوية اثارت تساؤلات وأوجدت حالة من الارتياب بين المواطنين العراقيين وحتى على مستوى القيادات العراقية في وقت اصبح داعش يشكل خطرا كبيرا على حياة العراقيين، كما حذر المحلل الهاشمي.
الشريفي: التحالف الدولي لم يوفر الجهد الجوي الساند الذي يمكِّن القوات العراقية من القيام بعمليات استباقية...
الخبير العسكري احمد الشريفي ايضا اعرب عن الأسف لأن التحالف الدولي برأيه لم يوفر الجهد الجوي الساند الذي يمكِّن القوات العراقية من القيام بعمليات استباقية تستنزف قدرات داعش وبذلك ظل هذا التنظيم يمتلك قدرات هجومية حتى انه اصبح يهدد قواعد عسكرية كبيرة ومنشآت استراتيجية مثل السدود التي تضع بيد التنظيم في حال السيطرة عليها اوراق ضغط قوية على الحكومة العراقية.
لفت باحثون الى ان القوات الاميركية في العراق وجهت ضربات جوية ونفذت عددا مذهلا من العمليات الخصاة ضد تنظيم القاعدة خلال الفترة الممتدة من 2004 الى 2006 دون جدوى بل ان قوة القاعدة تعاظمت على الأرض. وان ما قصم ظهر تنظيم القاعدة هو انتفاض الأهالي عليه بتشكيل مجالس الصحوة التي قاتل رجالها مسلحو القاعدة وتمكنوا عمليا من اخماد التنظيم في مناطقهم.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي اعده مراسل اذاعة العراق الحر عمر عبد الرحمن.