بالرغم من أن العراق شهد عهداً جديداً من ممارسة الحريات والنهج الديمقراطي بعد عام 2003، الا ان العديد من المثقفين واصحاب الشأن يرون ان تلك الحريات ما زالت منقوصة، اذ ما زالت حرية التعبير تقف عند حدود حمراء خطتها الاحزاب وبعض المتنفذين في الجهاز التنفيذي، ما يتطلب الامر جملة من التشريعات من اجل تنظيم حرية الرأي والتعبير وباقي الحريات الاخرى.
حسن: العديد من السياسيين والنواب والمسؤولين لا يفقهون شيئاً بالديمقراطية كممارسة وحرية تعبير ...
ويعتقد عميد كلية الاعلام بجامعة بغداد الدكتور هاشم حسن ان حرية التعبير في العراق ليست عصا سحرية يمكن ممارستها في المجتمعات، بل انها ترتبط بوعي المجتمع وثقافته ووعيه باهمية هذه الحرية مقرونة بمنظومة تشريعات. ويبين حسن ان ارتفاع مستوى الامية في العراق جعل حرية التعبير منقوصة، مشيراً الى ان العديد من السياسيين والنواب والمسؤولين لا يفقهون شيئاً بالديمقراطية كممارسة وحرية تعبير، ويلفت الى ان احد مسؤولي الهيئات المستقلة المعنية بالاعلام لا يعرف المواد الدستورية والمواثيق الدولية التي تصون حرية الرأي والتعبير.
ويقول عميد كلية الاعلام الى انه في الدول الاوروبية يتم توعية المجتمع بالديمقراطية وجعل الاطفال يتعلمون التعبير عن افكارهم وارائهم بوسائل شتى، على عكس ما يحصل في العراق. ويشير الى الدستور العراقي وما يتضمنه من نصوص داعمة لحرية الراي والتعبير، مبينا ان المشكلة تكمن في التطبيق وعدم توعية الجمهور بالممارسة الديمقراطية الصحيحة.
من جهته، يرى مدير مرصد الحريات الصحفية هادي جلو مرعي ان عدداً كبيراً من الصحفيين والمثقفين لديهم رقيب ذاتي، واصبحت لديهم موانع ذاتية تمنعهم من توجيه النقد الى بعض الزعامات الدينية والحزبية، حتى اصبح هذا الخوف ملازماً لهم. ويشير جلو الى عشرات الحوادث التي طالت صحفيين بسبب انتقادهم لهذه الشخصية او ذلك الحزب، إذ قتل بعضهم وهدد واختطف اخرون، فضلاً عن احراق صحف والهجوم على مبان خاصة بقنوات فضائية.
حرية التعبير في الدساتير
نصت المادة 15 من الدستور العراقي على انه "لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة".
فيما نصت المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان انه" لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".
أمين: مشاريع القوانين الخاصة بحرية التعبير ناقصة وتعبر عن مخاوف حكومية ...
ويؤكد المتحدث باسم وزارة حقوق الانسان كامل أمين ان حرية التعبير حق اساسي للفرد العراقي، منتقداً تخوف الحكومات العراقية السابقة من وضع فقرات تدعم هذا الحق، لذلك جاءت مشاريع القوانين الخاصة بحرية التعبير ناقصة وتعبر عن مخاوف حكومية. ويشير امين الى حرية التظاهر وحرية الراي التعبير وضرورة ايجاد التوازن بين منظمات المجتمع المدني والاحزاب لمعرفة حدود ممارسة تلك الحريات، مع ايجاد اجهزة امنية قادرة على التعامل مع المتظاهرين والذين يعبرون عن الرأي.
ويرفض أمين ان يكون الوضع الامني في العراق ذريعة لمنع المواطنين من التظاهر كونه حقاً كفله الدستور العراقي، مشيراً في الوقت نفسه الى ان السجون العراقية تخلو من سجناء الرأي وان الحريات تمارس بشكل جيد، إذ بامكان المواطنين والصحفيين انتقاد الحكومة بشكل صريح يصل الى حد القذف والتشهير.
ويؤكد رئيس النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين عدنان حسين ان حرية التعبير ما زالت منقوصة، ولا تقتصر فقط على حرية الصحافة، بل تشمل الاعتصام والتظاهر والاضراب، مشيراً الى عدم وجود قوانين تدعم هذه الحريات وتكفلها. واوضح ان الدستور العراقي نص على حرية التعبير، الا ان الحكومة العراقية ما زالت تتعامل مع هذا الامر بقوانين النظام السابق وهي قوانين شرعت في حقبة دكتاتورية.
حوادث.. تظاهرات شباط
ويستذكر حسين تظاهرات شباط قبل ثلاث سنوات وكيف تم التعامل معها بقسوة من قبل الحكومة آنذاك، حين اصدرت قرار حظر التجوال ايام الجمع لمنع قيام التظاهرة، محمّلا الاحزاب وزعاماتها مسؤولية ما تتعرض له حرية التعبير من تقليص لمساحتها في العراق، كون تلك الزعامات هي من تشترك في الحكومة وتدير الدولة. ويؤكد حسين ان معظم الاحزاب المتسلطة اليوم هي احزاب وصفها بالشمولية لا تمارس الديمقراطية داخلها وتلعب زعاماتها دور الدكتاتوري، وبالنتيجة فهي لا تستطيع حماية الحق في التعبير.