قد تبدو بعض الحكايات غريبة وتشعرنا اننا امام واحدة من فصول افلام الخيال ذلك لان ارادات كثيرة تشترك في رسم ملامحها وانشاء تفاصيلها، وهو ما حدث لبعض الناجين من مجزرة قاعدة سبايكر العسكرية في محافظة صلاح الدين.
علي رزاق طاهر، شاب من قضاء القرنة مواليد 1988، عسكري في جناح صيانة الطائرات الحربية في قاعدة سبايكر، واحد من الناجين من تلك المجزرة الرهيبة وتقف خلف نجاته عائلة من تكريت ضربت مثلا كبيرا في وحدة العراقيين وتآزرهم وان ما يحدث هو نشاز في السيمفونية العراقية.
يقول علي انه استطاع و47 منتسباً من زملائه العسكريين ان يخرج من قاعدة سبايكر من سياجها الخلفي وليس من باب النظام الذي خرجت منه اعداد كبيرة من الجنود، خرج بمعية عدد من الضباط وجنود ينتمون الى مدن عراقية مختلفة، ومن تلك النقطة تفرقوا، كل ذهب الى المجهول فيما كانت طوابير الجنود تخرج من باب النظام.
لم يبق مع علي في تلك المنطقة الا 12 جندياً من اصل 47 حيث غادر الجنود الذين تقع مدنهم بالقرب من تكريت فيما بقي جنود المحافظات الجنوبية مثل العمارة والبصرة والناصرية في منطقة لا يعرفون طرقاتها. ومن مكان الى آخر كان القدر يقربهم من حتفهم تارة ويبعدهم تارة أخرى.
ويسرد علي حكاية الخلاص من موت محقق بعدما انفصل عنه زملاؤه في النهار الثاني من خروجه من القاعدة العسكرية ولم يبق منهم الا اربعة، وهو يصف منطقة الفرسان والصقور القريبة من قاعدة سبايكر بأنها منطقة اشباح وشاهد بأم عينيه جثثاً مرمية في العراء.
بمشيئة القدر وبمعونة احد اصدقاء شقيقه عبد الامير تمكن علي من الوصول الى عائلة من حي الطين في تكريت مع ثلاثة من زملائه بعدما غادرهم احد سكنة محافظة كركوك فيما غابت عنه اخبار زملائه الثمانية الذين تفرقوا عنه.
لم تكن منطقة حي الطين آمنة، وعرض عليهم صاحب المنزل الذي لجأوا اليه ايصالهم الى النهر ليعبروا الى منطقة العلم لان افرادا من المسلحين يجوبون المنطقة ويبحثون في البيوت عن عسكريين، الا ان علي استجار بصاحب المنزل الذي وافق فيما بعد على بقائه لليلة واحدة الى ان يمكنه من الخروج الى منطقة آمنة.
وبعد مخاض عسير ومن خلال شقيقه عبد الامير تمكن من الاتصال بعائلة من تكريت حيث جاؤوا مع طفلهم ونقلوه واثنين من زملائه الى بيتهم بعدما ارتدوا دشاديش بيضاء وبقي مع العائلة 47 يوماً حيث كانت عائلة "ام جاسم" توفر له كل ما يحتاجه.
لم يكن موقف ام جاسم وزوجها التكريتي غريبا عن نساء العراق حيث كانت لهم خير معين، فقد آوت علي من البصرة ونذير من النعمانية وميثم من العمارة، الا ان ذلك الموقف كان محاطا بالمخاطر خاصة بعدما خططت عائلتها لاخراجهم من تكريت بسبب وشاية من منطقتهم. وبالفعل وبارداة ربانية استطاعوا ان يعبروا 13 سيطرة من المسلحين متجهين الى منطقة الدوز حيث تتواجد قوات البيشمركة الكوردية.
أم جاسم: لم افعل إلا ما يجب فعله
واذ تنتهي حكاية علي الدرامية تبدأ حكاية ام جاسم التكريتية التي تركت بيتها وكل ما يحتويه ولم يعد بامكانها العودة بعد سيطرة المسلحين (داعش) على المنزل وتهديدهم لها ولأسرتها بالقتل.
تقول ام جاسم ان الذي دفعها لمساعدة الشباب العسكريين هو واجبها الانساني الذي دعاها لذلك حيث انها لا تشعر بأي فرق بين عراقي وآخر وانها تناست خوفها في مساعدتهم وتجاوز سيطرات المسلحين المنتشرة في تكريت.
وتضيف ام جاسم انها شعرت بمعاناة الشباب وضيفتهم في منزلها 47 يوما ووفرت لهم المأكل والملبس واضطرت لاكثر من مرة ان تبيع اغراض بيتها من اجل توفير المال لهم.
وبالرغم من النداءات التي كان يطلقها المسلحون للاهالي بقتل كل من يؤوي عسكرياً الا انها لم تستجب لتلك النداءات وكانت تصبرهم وتشد من عزيمتهم بعدما دب اليأس في نفوسهم واكدت ام جاسم انها لم تؤوي علي وزميله فقط انما هناك اثنين من العصائب.
وتقول ام جاسم انها تشعر بالرضا عما فعلته بالرغم من المخاطر معتبرة علي وزملاءه اخوانا لها وما قامت به تفتخر به وهو رفعة رأس لها ولعائلتها.
وتشير الى انها غير نادمة على املاكها وكل ما ذهب منها بسبب عملها الانساني الا انها نادمة على شيء واحد وهو حين تستقر الاوضاع وتعود الى بيتها ولا تجد عائلة علي قريبة منها.
وعبرت ام جاسم عن امتنانها للرعاية التي حصلت عليها من قبل عائلة الشاب علي الذي انقذت حياته وتقول انها تعيش معهم بأمن وسلام.