يَـــــــــتــــَوافَــــــــدُ زعماءُ العالم على مدينة نيويورك هذا الأسبوع لحضور الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والستين والتي يُتوقَع أن تَطغى عليها مسألةُ محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
الرئيسُ الأميركي باراك أوباما الذي تقودُ بلادُه جهودَ تشكيل التحالف الدولي ضد داعش أعلن أنه يعتزم مواصلة حشد المزيد من الدعم العالمي لمحاربة الإرهاب عند انضمامه إلى أكثر من مائة وأربعين رئيس دولة وحكومة سيشاركون في مناقشات الأمم المتحدة.
وأعلن البيت الأبيض أن أوباما سيُلقي صباح الأربعاء خطابه الافتتاحي لدورة الأمم المتحدة قبل أن يشارك في الحدث الأبرز خلال ذلك اليوم بترؤسه قمة الدول الأعضاء في مجلس الأمن بين الساعتين الثالثة والخامسة مساءً (بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة) والتي سوف تتركز على سُبل التصدي المشترك للتهديدات الإرهابية التي تُشكلها داعش على الأمن والسلم العالمييْن.
إلى ذلك، قَــــد تَــــــشهدُ الأيام المقبلة اجتماعاً مُـــحتَملاً "مفاجئاً" على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بين أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني اللذين كانا أجريا العام الماضي مكالمة هاتفية قصيرة قبل مغادرة روحاني مدينة نيويورك مَـــــــهّدت فيما بعد لمزيدٍ من ذوبان الجليد بين واشنطن وطهران.
القمةُ الأميركية الإيرانية الـــمُحتمَــــــلة إنْ انعقَدت ستأتي بعد بضعة أيام من تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي أشار فيها للمرة الأولى علَناً إلى دورٍ لطهران في إطار التحالف الدولي في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
أوباما ذكر في كلمته الإذاعية الأسبوعية السبت أن هذه الحرب هي مسؤولية مشتركة لجميع دول العالم، مؤكداً من جديد عزمه عدم إرسال قوات بلاده البرية لخوض حرب أخرى في منطقة النزاع بالقول:
"إذ نمضي قدُماً، لن نتردد في اتخاذ إجراءٍ ضد هؤلاء الإرهابيين في العراق أو في سوريا. ولكن هذه هي ليست حرب أميركا لوحدها. وأنا لن اُلزم قواتنا بالقتال في حرب برية أخرى في العراق، أو في سوريا."
وفي حديثه عن التحالف الدولي، قال الرئيس الأميركي:
"سوف نقود تحالفاً واسعاً من الدول التي لها مصلحة في هذا القتال. هذه ليست أميركا ضد داعش. إنهم شعب هذه المنطقة ضد داعش. وإنه العالم ضد داعش."
كما تطرق أوباما إلى المساعدات المتنوّعة التي عرضتها دول التحالف، قائلاً:
"لقد عَــــرضَـــــــت أكثر من أربعين دولة المساعدة في الحملة الواسعة ضد داعش حتى الآن في مجالاتٍ تُراوح بين التدريب والمعدات والإغاثة الإنسانية والطيران في مهمات قتالية. وهذا الأسبوع، سوف أواصلُ في الأمم المتحدة تحشيد العالم ضد هذا التهديد."
يُشار إلى تصريحاتٍ جديدة نُـــسِبت لمسؤولين إيرانيين بأن بلادهم على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها في محاربة متشددي تنظيم الدولة الإسلامية لكنها تود أن تشهد قدراً أكبر من المرونة بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وقالت رويترز إن تعليقات هؤلاء المسؤولين الإيرانيين الذين طلبوا عدم نشر أسمائهم تُــــــــسلّط الضوء على مدى الصعوبة التي قد تواجهها القوى الغربية لإبقاء المفاوضات النووية منفصلة عن الصراعات الإقليمية الأخرى، مشيرةً إلى نفوذ طهران في الحرب الأهلية السورية إضافةً إلى تأثيرها لدى أوساط الحكومة العراقية التي تواجه قواتها تقدم مقاتلي داعش.
وكان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي صرح أخيراً بأنه رفض عرضاً من واشنطن لبلاده من أجل العمل معاً لدحر داعش لكن مسؤولين أميركيين قالوا إن الولايات المتحدة لم تتقدم بأي عرض من هذا النوع. وفي العَــــــلَــــن استبعَد الطرفان التعاون على الصعيد العسكري في معالجة خطر التنظيم. غير أن المسؤولين الايرانيين أبدوا في لقاءات خاصة استعداداً للتعاون مع واشنطن في التصدي لداعش وإنْ لم يكن بالضرورة في ساحة القتال.
وفي تَـــــطورٍ بدا أنه يُنهي الجذبَ والشدّ بين الطرفين في هذه المسألة، ذكر وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة (19 أيلول) بحضور مندوبي نحو خمس وثلاثين دولة أن ايران لها دور في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية موضحاً أن "التحالف المطلوب" للقضاء على هذا التنظيم "ليس تحالفاً ذا طابع عسكري فقط أو حتى ليس تحالفاً عسكريا بالأساس"، بحسب تعبيره. وأضاف كيري:
"أنا مقتنع بأن حقيقة وجود العديد من الدول مُمثّلة هنا من عدة مناطق في العالم تؤكد في الواقع الحاجة الواضحة لجميعنا بأن نشترك معاً في الترحيب وإبداء الدعم لحكومة العراق الجديدة الشاملة، وبالطبع، لوضعِ حدٍ لوحشية داعش المطلقة."
وفي حديثه عن الدور الإيراني في إطار التحالف الدولي، قال كيري:
"هناك دور تلعبه كل دولة في العالم تقريباً، بما في ذلك إيران التي يشارك وزير خارجيتها معنا اليوم في الاجتماع. إن داعش تشكّل تهديداً لنا جميعاً، ونحن ملتزمون بالعمل في شراكة وثيقة مع الحكومة العراقية الجديدة والدول حول العالم من أجل إلحاق الهزيمة بهذا التنظيم."
من جهته، قال وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري خلال الاجتماع "نؤكد أن الإرهاب لن يزول ما لم نحارب الفكر التكفيري الذي يقوم عليه والذي يشكّل قوة جاذبة لشدّ الشباب إليها. لذلك من الضروري منع منظّري ومؤيدي ومروّجي الفكر التكفيري من القيام بنشاطات في المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية والإعلامية والعمل في المقابل على إشاعة ونشر ثقافة التسامح وقبول الرأي الآخر."
البيانُ الذي صدر في ختام اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجمعة ذكر أن المجلس يحضّ "المجتمع الدولي وفقاً للقانون الدولي على تعزيز وتوسيع المساندة للحكومة العراقية وهي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المسلحة المرتبطة بها."
وفي تعليقه على ترحيب واشنطن بدورٍ لطهران في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، قال الخبير الإيراني في شؤون الشرق الأوسط الدكتور علي رضا نوري زاده لإذاعة العراق الحر "فيما يتعلق بالدور الإيراني فإنه تحصيل حاصل فهو مؤكد وموجود وسبق أن أرسلت إيران خبراء ومستشارين وساهمت وشاركت بشكل أو آخر في بعض المعارك ضد داعش عبر مستشاريها وعبر تجاربها في محاربة ما يسمى بالإرهاب...". لكن نوري زاده أعرب عن اعتقاده بأن "الولايات المتحدة الأميركية لن تقبل بأي دور عسكري وموسع لإيران في العراق لكنها وافقت على منح إيران نوعاً من الشرعية لتواجدها الاستشاري في الحرب ضد داعش وأيضاً لمساعدتها العسكرية للأكراد وللحكومة العراقية."
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، تحدث الخبير نوري زاده عن موضوعات أخرى ذات صلة ومن بينها اللقاء المحتمل بين الرئيسين الأميركي والإيراني على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك. كما أجاب عن سؤال آخر يتعلق بردّ فعل طهران في حال تعرض سوريا إلى ضربات جوية أميركية تستهدف مواقع داعش داخل أراضيها.
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور علي الجبوري لإذاعة العراق الحر "إن الولايات المتحدة مقتنعة بشكل كامل أنه لا يمكن لجهد دولي وإقليمي القضاء على الجماعات الإرهابية والتطرف بصورة عامة في المنطقة بمعزل عن إيران ولكن المشكلة أنها تواجه إحراجاً كبيراً حيال حلفائها في المنطقة وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي لها مواقف متناقضة مع إيران في أمور عدة....".
وفيما يتعلق بموقف طهران إزاء مزيد من التقارب مع واشنطن، قال الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي في المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي إن إيران من جهتها باتت الآن "مقتنعة بأن استعداء الولايات المتحدة بشكل كبير هو خطأ إستراتيجي قد يجرّها إلى صعوبات أكبر وبالتالي ترى أنه ينبغي عليها أن تنسّق بشكل عال وإيجابي معها"، بحسب رأيه.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقاطع صوتية من الكلمة الإذاعية الأسبوعية للرئيس باراك أوباما وكلمتيْ وزيريْ الخارجية الأميركي والعراقي جون كيري وإبراهيم الجعفري في مجلس الأمن الدولي، إضافةً إلى مقابلتين مع الخبير الإيراني في شؤون الشرق الأوسط د. علي رضا نوري زاده متحدثاً من لندن وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. علي الجبوري.