تؤكد منظمة الامم المتحدة أن "العراق يواجه أزمة إنسانية خطيرة جدا"، بعد نزوح ما يصل إلى مليون وثمانمئة الف عراقي منذ كانون الثاني 2014 الماضي حتى الآن بسبب القتال الدائر بين القوات الحكومية والمجاميع المسلحة لاسيما تنظيم الدولة الاسلامية. كما تؤكد أن الأزمة الامنية الناتجة عن هذا القتال طالت أكثر من 20 مليون انسان في كل أنحاء العراق.
وقد إنعكس هذا الامر بطبيعة الحال سلبا على ازمتي الفقر والبطالة المتفاقمتين اصلا بعد العام 2003 نتيجة اسباب عدة لعل من اهمها التراجع الواضح لدور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وتوقف المئات من المشاريع الصناعية المتوسطة والصغيرة في هذا القطاع الى جانب توقف عدد غير قليل من المنشآت الصناعية الكبيرة المملوكة للدولة وتحولها الى عبء على الموازنة العامة كونها غير منتجة. ناهيك عن عجز القطاع الحكومي عن استيعاب اعداد العاطلين المتزايدة نتيجة حالة الترهل التي يعانيها بشكل عام بسبب سعي الحكومات السابقة الى حلحلة أزمة البطالة عبر التوظيف لدى مؤسسات الدولة.
كل هذه العوامل ادت إجمالا الى تقويض النجاح النسبي الذي كانت قد حققته خطة التنمية الوطنية 2010 – 2014 لترتفع نسبة الفقر من 19% نهاية عام 2013 الى نحو 30% في غضون ثلاثة اشهر وكذلك البطالة الي ارتفعت هي الاخرى لاسيما بين صفوف النازحين وفقا للمتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي.
وفي ضوء ماتقدم لعل السؤال الذي قد يطرح نفسه الآن هو: كيف سيواجه العراق الارتفاع الواضح في معدلات الفقر والبطالة جراء الازمة الامنية المستمرة منذ ما يزيد عن ثلاثة اشهر والتي تقضي توقعات المراقبين باستمرارها لما لا يقل عن عامين اوثلاثة ..؟
المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي يؤكد وجود عدد من الحلول الحكومية التي سيتم الشروع بتنفيذها قريبا سيما بعد بدء الحكومة العراقية الجديدة عملها.
ونظرا لأن النسبة الاعلى للبطالة والفقر تتركز بين صفوف النازحين جراء القتال المستمر بين القوات الحكومية والمجاميع المسلحة التي تسيطر على مناطق واسعة شمال ووسط وغرب العراق، تؤكد وزارة الهجرة والمهجرين على لسان مدير عام شؤون الفروع فيها ستار نوروز أن لديها هي الأخرى مشاريع لخفض معدلات الفقر والبطالة بين أولئك النازحين. غير انه قال ايضا إن تنفيذ تلك المشاريع مشروط بعودتهم الى مناطقهم الاصلية.
غير أن الخبير الاقتصادي عباس الغالبي يشير الى أن هناك جملة من التدابير السريعة والممكنة التي على الحكومة الاسراع باتخاذها لوقف التنامي المستمر في معدلات الفقر والبطالة سيما بين النازحين جراء الازمة الامنية تختلف قليلا عن تلك التي تتحدث عنها وزارتا التخطيط والهجرة والمهجرين، ولعل من اهمها زيادة فاعلية برنامج شبكة الحماية الاجتماعية.
كما دعا الغالبي الى منح الحكومة العراقية الجديدة الفرصة لتنفيذ برنامجها المعلن للاصلاح الاقتصادي والذي قد يكفل وقف تنامي معدلات الفقر والبطالة نتيجة الازمة الامنية الراهنة.
لكن الخبير الاقتصادي باسم جميل بدا غير متفائل بقدرة الحكومة العراقية الجديدة على تدارك التفاقم المستمر لأزمتي الفقر والبطالة بسبب حالة الاستنزاف اليومي لموارد الدولة المخصصة للتنمية في غير مجالاتها وتأخر اقرار الشق الاستثماري ضمن موازنة عام 2014 حتى يومنا هذا، ناهيك عن وجود ما يزيد عن 400 الف نازح اصبحوا عاطلين عن العمل.
وبدا رئيس مركز رجال الاعمال العراقيين حميد العقابي غير متفائل هو الاخر بما ورد في البرنامج الحكومي بشأن اعادة تفعيل القطاع الخاص بما يكفل خفض معدلات الفقر والبطالة مشيرا الى استمرار جملة من الاسباب لعل من اهمها ضعف التخطيط الحكومي بهذا الخصوص. ولفت العقابي الى أن على الحكومة دعم المحافظات المستقبلة للنازحين بالاموال للتخفيف من تفاقم أزمتي الفقر والبطالة.
في هذا السياق حذر الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي من أن المعطيات التي تؤكد أن الازمة الامنية الراهنة ستطول الى ما لا يقل عن عامين او ثلاثة حتى عودة الوضع الامني في العراق الى حالة من الاستقرار النسبي تنذر باستمرار استنزاف موارد الدولة في الانفاق على المجهود الحربي وسواه من القطاعات غير التنموية. ويؤكد الشريفي وجود الحاجة لإرادة سياسية لإنهاء الازمة الراهنة إذا ما اريد تدارك التفاقم المستمر لمعدلات الفقر والبطالة في العراق.
يشار الى أن وزير العمل العراقي السابق نصار الربيعي كان قد أكد خلال حديث خص به إذاعة العراق الحر في أيار 2014 الماضي أن "نسبة البطالة في العراق تتجاوز 46% من عدد سكانه"، واصفا هذه النسبة بأنها " أمر خطير يتطلب دعما كبيرا من الدولة والقطاع الخاص سيما وان أكثر من 300 الف شاب يدخلون سوق العمل سنويا".
كما إن وزارة التخطيط كانت قد توقعت في 31 من اب 2014 الماضي أن ترتفع نسبة الفقر في العراق الى 30% بسبب الأوضاع الأمنية التي تشهدها بعض المحافظات العراقية.