بعد أكثر من اربعة أشهر على انتخابات الثلاثين من نيسان وقبل يوم من الموعد المحدد دستوريا تمكن رئيس الوزراء حيدر العبادي من تقديم حكومته الى مجلس النواب. وكانت جلسة البرلمان الذي صوت على الحكومة مترعة بسمات يمكن القول انها من خصوصيات السياسة العراقية، تتفرد بها على نحو متميز. إذ قدم العبادي حكومة مطعمة بالشواغر، وخاصة إبقاء حقيبة الدفاع وحقيبة الداخلية دون وزير مع ادارة وزارات أخرى بالوكالة في ما يبدو انه اصبح تقليدا موروثا من حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
كما لاحظ مراقبون ان ثلاثة من أقوى رجال العراق هم المالكي ورئيس مجلس النواب السابق اسامة النجيفي ورئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي عُينوا نواباً لرئيس اجمهورية مراسيمي علماً بأن هؤلاء يعتبرون اقطاباً اساسيين في رسم السياسة العراقية وسيكون مستغربا أن يسلِّموا بأدوار بروتوكولية أو تشريفية.
لكن الأضواء وانظار العالم تتركز على رئيس الوزراء الجديد الذي وافق بشجاعة على رئاسة حكومة تنتظرها مهمات جسيمة وتحديات كبيرة. وطلب العبادي من البرلمان ان يمهله مدة اسبوع لتمكينه من اقناع الكتل السياسية بقبول من يرشحهم لوزارتي الدفاع والداخلية.
وخارج اروقة البرلمان والغرف التي تجري فيها المفاوضات بشأن الوزارات الشاغرة ينتظر العبادي مئات آلاف المواطنين الذين شردهم مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" منذ اجتياحه مناطق واسعة من العراق في حزيران الماضي. ويتطلع هؤلاء المواطنون الذين فقدوا ممتلكاتهم وتركوا بيوتهم الى حكومة قادرة على انهاء محنتهم واعادتهم الى ديارهم بتحريرها من براثن داعش.
والى جانب الأخطار الأمنية التي تتربص بوحدة العراق هناك ملف العلاقات الوطنية التي اعتراها خلال الفترة الماضية انعدام ثقة تمتد آثاره الى تهديد النسيج الاجتماعي نفسه. كما ينتظر العبادي ملف سميك من القضايا العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان التي امهلته ثلاثة اشهر لتحقيق مطالبها.
ولتكوين فكرة عن حجم التحديات التي قبل العبادي ان يتصدى لها نقلت وكالة اسوشيتد برس عن رمزي مارديني الخبير بالشؤون العراقية في مؤسسة اتلانتيك كاونسل Atlantic Council الأميركية للأبحاث قوله "ان العبادي سيواجه صعوبة في تحقيق أي شيء لأنه على الأرجح سيكون في موقف دفاعي طول الوقت".
وعلى سبيل المثال لا الحصر قال عضو التحالف الكردستاني حسن جهاد لاذاعة العراق الحر ان عهد العبادي لن يختلف كثيرا عن المرحلة السابقة واصفا تمثيل الكرد في الحكومة بالمتواضع دون ان تفوته الاشارة الى ان البرنامج الحكومي لم يتضمن مطالب الكرد.
ورأى جهاد ان حكومة العبادي جاءت بالوجوه السابقة نفسها على كل المستويات بما في ذلك مؤسسة الرئاسة في حين ان وعود العبادي بترشيق الحكومة واختيار الوزراء على اساس الكفاءة والمؤهلات ذهبت ادراج الرياح، متوقعا ان تكون الصراعات إزاء حكومة هذا قوامها صراعات حادة في المرحلة المقبلة.
ولخص السياسي الكردي حسن جهاد المهمات الملحة المطلوب من العبادي تنفيذها في الداخل بمواجهة خطر داعش من خلال ترصين الوحدة الوطنية وتعبئة الطاقات الشعبية والاستجابة لمطالب المحافظات ذات الأغلبية السنية التي قال انها أُهملت في السابق وخاصة اصدار قانون العفو العام وتعديل قانون المساءلة والعدالة واقليميا بترميم علاقات العراق مع دول المنطقة بعد ان تسببت السياسات السابقة في عزله عن محيطه الاقليمي الطبيعي معربا عن اقتناعه بأن تكون الأشهر الأولى صعبة على رئيس الوزراء.
القيادي في ائتلاف الوطنية حامد المطلك اعتبر ان نجاح الحكومة مرهون بتلبيتها جملة مطالب تهم المواطن العراقي في حياته اليومية مثل الأمن والخدمات وظروف المعيشة وانهاء الطائفية السياسية الى جانب مطالب أخرى يرتبط تحقيقها بالمكون السني مثل العفو العام والمساءلة والعدالة والمخبر السري ، الخ.
واعترف المطلك بأن ما يُراد من العبادي وحكومته ليس سهلا وان المسؤولية كبيرة مشددا على ضرورة توفر الارادة السياسية لتنفيذ ما التزم به رئيس الوزراء.
عضو ائتلاف دولة القانون احسان العوادي لفت الى ان حكومة العبادي نالت ثقة البرلمان باتفاق جميع الكتل السياسية لتبدأ مرحلة العمل وحل القضايا الكبيرة قائلا ان الحكومة الجديدة حكومة الآمال الكبيرة التي علقها عليها الجميع لتحقيق تطلعاتهم.
ولكن العوادي استدرك قائلا ان الحكومة التي صوت عليها البرلمان ليست حكومة مثالية لا سيما وان بعض الكتل اصرت على ترشيح اسماء رغم عدم كفاءتها ، على حد تعبيره.
وقال العوادي ان من غير المجدي اطلاق التكهنات بشأن الأداء الوزاري ومن الضروري ان يكون التقييم منطلقا من رؤية ملموسة لهذا الأداء على ارض الواقع ولكن "التوقعات ليست بالمستوى المطلوب" ، بحسب تعبيره.
المحلل السياسي جاسم الموسوي ذهب الى ان حكومة العبادي تعبر عن توازنات قوى اقليمية أكثر من تعبيرها عن توازنات قوى داخلية وبالتالي فان نجاح العبادي في حل ملفات الأمن والسياسة والاقتصاد سيمضي شوطا بعيدا في تغيير موقف العديد من الدول التي أُصيبت باحباط إزاء المشهد السياسي العراقي داعيا رئيس الوزراء الى طي صفحة المرحلة السابقة وفتح صحفة جديدة بالكامل.
وتوقع الموسوي ان يكون العبادي أسير الصيغ السابقة في العمل وما يترتب عليها من توافقات تفرض عليه ادارة حكومة لا تستطيع التحرك بالسرعة التي تتناسب مع حجم المهمات وصعوبة الوضع في العراق.
استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد انور الحيدري وصف حكومة العبادي بأنها جاءت هي ايضا نتاج محاصصات توافقية بوزراء فُرضوا عليه فرضاً مع حكومة ناقصة وعقبات كبيرة تعترض طريقها وبالتالي فانها حكومة لا تستطيع ان تحقق تقدما كبيرا سواء أفي الداخل او في الخارج.
ورأى الأكاديمي انور الحيدري ان أقصى ما يمكن ان يحققه العبادي هو ايقاف التدهور بتوظيف مهاراته الشخصية في التعامل مع الكتل المختلفة متسائلا عما إذا كانت هذه الكتل مستعدة للعمل مع رئيس وزراء قوي.
واشار الحيدري الى ان تغيرا جذريا حدث في الساحة السياسية الداخلية بعد سيطرة قوى على مناطق من العراق هي ليست القوى الممثلة في البرلمان وبالتالي فان المطلوب اجراء دراسات عميقة لهذا الوضع والأطراف التي يمكن التعاطي مع مطالبها في هذه المناطق في حين ان المسؤول عن ملف السياسة الخارجية ليس معروفا حتى الآن في غياب تحديد واضح لأدوار وزارة الخارجية ورئيس الوزراء ولجنة العلاقات الخارجية في البرلمان.
رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي وصف حكومة حيدر العبادي بأنها نسخة جديدة من مجلس الحكم القديم في زمن الاحتلال الاميركي ن جاءت تعج بالصقور دون وجود تكنوقراط بل قيادات حزبية في المناصب الحساسة مرجحا ان يلاقي العبادي صعوبة في تحقيق الانسجام بين افراد هذا الطاقم للاتفاق على رؤية واحدة.
وعلى مستوى السياسة الخارجية أكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي ضرورة توظيف الدعم الدولي الواسع الذي لاقاه العبادي لانتهاج سياسة خارجية ذكية منفتحة وخاصة مع لاعبين اقليميين كبار مثل العربية السعودية منوها ببدء مثل هذا التحرك مع تركيا من خلال الاتصالات الجارية بين بغداد وانقرة وزيارة رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو.
في هذه الأثناء وصل وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى بغداد لبحث الاتفاق على استراتيجية في مواجهة داعش يمكن ان تتضمن توسيع قائمة الاهداف المشمولة بالضربات الجوية الاميركية داخل العراق.
ساهم في الملف مراسل اذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد.