تَــــــتكـــــثّـــفُ جهودُ دولٍ عدة على نحوٍ مُــتسارعٍ باتجاهِ بَـلــوَرة إستراتيجية دولية مشتركة لمجابهة تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) التي دانَ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة انتهكاتها في العراق الاثنين.
ومن المتوقع أن تناقش القمة المقبلة لحلف شمال الأطلسي هذه التهديدات الإرهابية قبل أن يعلن الرئيس باراك أوباما الإستراتيجية التي سوف تتصدّر جدول أعمال قمة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قبل نهاية أيلول.
في الأثناء، تتوالى مناشدات دول حليفة وصديقة للعراق بضرورة تشكيل حكومة جديدة شاملة لكل المكوّنات العراقية من أجل التصدّي للإرهاب بمساعدة المجتمع الدولي.
وفي إطار الجهود الدولية المتسارعة لمجابهة التهديدات الأمنية المشتركة، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الاثنين مجموعةَ إجراءاتٍ من شأنها أن تساعد الشرطة في مصادرة جوازات من يُشتبه بأنهم من المقاتلين الإسلاميين الذين ينضمّون إلى التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا، وتشدد تعليمات السفر جواً، وتفرض قيوداً على حركة المتطرفين المشتبه فيهم.
كاميرون أبلغ مجلس العموم بذلك بعد بضعة أيام من قرار رفع التحذير من خطر الإرهاب في بريطانيا إلى ثاني أعلى مستوى مؤكداً أن تنظيم الدولة الإسلامية يمثل أكبر خطر على الاطلاق بسبب المخاوف المتزايدة من عودة بريطانيين يقاتلون في صفوفه لينفّذوا هجمات داخل الأراضي البريطانية.
وقال كاميرون أمام البرلمان "راعَــــنا وصَدمَــــنا جميعاً الأسلوب الهمجي الذي شهدناه في العراق هذا الصيف." وفي ردّه على سؤال وجّههُ نائب بحزب العمال المعارض عما إذا كان يؤيد فكرة الانضمام إلى الولايات المتحدة في القيام بعمل عسكري، أجاب كاميرون إنه "لا يستبعد شيئا."
وأضاف "يجب ان تعمل أي حكومة بريطانية وفقاً للمصلحة القومية.. من أجل الحفاظ على سلامة شعبنا ويجب ان نفكر في أي شيء في ضوء ذلك." وصرّح كاميرون بأنه إنه إذا تطلب الأمر العمل بسرعة فإنه سيفعل ذلك دون إن يلجأ الى تفويضٍ من مجلس العموم، مضيفاً القول:
"في يوم الجمعة التاسع والعشرين من آب، رفَع المركز المستقل المشترك لتحليل الإرهاب مستوى التهديد في المملكة المتحدة من (كبير) إلى (خطير). ونحن نعتقد الآن أن 500 شخص على الأقل سافروا من بريطانيا للقتال في المنطقة، أي العراق وسوريا، وذلك بالإضافة إلى 700 من فرنسا و400 من ألمانيا ومئات آخرين من دولٍ بينها أميركا وكندا والنمسا والدنمارك وإسبانيا والسويد وبلجيكا وهولندا وأستراليا."
وقال كاميرون أيضاً: "نحن نعلم أن المنظمات الإرهابية تزدهر عندما يكون هناك عدم استقرار سياسي ومؤسسات ضعيفة أو غير فاعلة. لذا يجب علينا أن ندعمَ لَـــبــِنات بناءِ مجتمعاتٍ حرة ومفتوحة. في سوريا، هذا يجب أن يعني التحوّل السياسي ووضع حد لوحشية الرئيس السوري بشار الأسد التي سمحت لداعش بالإزدهار. وفي العراق، يجب أن تبدأ بتشكيل حكومة جديدة شاملة حقاً وقادرة على توحيد كل العراقيين، من السنّة والشيعة والكرد والمسيحيين وغيرهم، ضد التهديد المشترك."
خطةُ الإجراءات الأمنية التي أعلنها كاميرون ستخضع لمفاوضات داخل الحكومة الائتلافية التي يرأسها فيما يشعر حزب الديمقراطيين الأحرار المتحالف مع المحافظين بـــقلقٍ من تشريعِ قوانين يمكن أن تُــقــــيّـد الحريات المدنية.
وفي توضيحه لما تضمّنته كلمة كاميرون أمام مجلس العموم، قال الكاتب البريطاني من أصل مصري عادل دوريش لإذاعة العراق الحر إنه فيما يتعلق بأعداد المقاتلين الأجانب "فهي غير دقيقة حتى الآن". أما فيما يخصّ الإجراءات فهي ليست جديدة تماماً "بل كانت موجودة فعلاً باستثناء الإجراء الذي يتعلق بتحديد الإقامة الجبرية لأشخاص يُشتبه بأنهم خَـطِــرون....".
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أجاب درويش عن سؤاليْن آخرين يتعلق أحدهما بالدعوات المتكررة من دول وأطراف عدة بضرورة تشكيل حكومة عراقية شاملة كي تكون قادرة على مواجهة داعش بمساعدة المجتمع الدولي، والثاني حول قمة الحلف الأطلسي التي سوف تستضيفها بريطانيا في إمارة ويلز يوميْ الخميس والجمعة المقبلين.
مسؤولون أوروبيون أشاروا الاثنين إلى توقعات بأن يوافق زعماء دول حلف شمال الأطلسي خلال قمة ويلز على تشكيل قوة "رأس حربة" للتدخل السريع ربما تضمّ عدة آلاف من الجنود وتكون قادرة على الانتقال إلى أي منطقة نزاع ساخنة في غضون يومين فحسب.
وفي عرضها لتصريحات هؤلاء المسؤولين، ذكرت وكالة رويترز للأنباء في تقرير أن للحلف الأطلسي الذي يضمّ 28 دولة عضواً قوة تدخل سريع في الوقت الراهن لكن يُـــــــــتوقَع أن ينشئ الرئيس باراك أوباما والزعماء الآخرون "قوة ضاربة جديدة" قادرة على الردّ بشكل أسرع في أوقات الأزمات. وأضاف التقرير أن السرعة التي تسللت فيها القوات الروسية إلى شبه جزيرة القرم الأوكرانية في آذار الماضي لفتت أنظار الأطلسي وركّــــزت اهتمام مسؤوليه على ضرورة تسريع قدرة الحلف على الردّ في حالِ وقوع أزمة مماثلة على أراضٍ تابعة لإحدى الدول الاعضاء فيه.
في الأثناء، وفي بروكسل حيث مقر الحلف الأطلسي، قال وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف الاثنين:"إنها مصلحة مشتركة في أن ندعمَ في المقام الأول عملية تشكيل حكومة جديدة في العراق - حكومة شاملة تضمّ جميع الأطياف الممكنة لكي تكون على استعداد للقتال ضد الإرهابيين"، بحسب تعبيره.
من جهته، قال وزير الخارجية الإيراني ظريف: "لسوء الحظ، يزداد التطرف والإرهاب في منطقتنا على نحوِ ما نرى الآن في انتشارهما إلى العراق مع تهديدِ المنطقةِ بأسرها والمجتمع الدولي في سياقٍ أوسع خاصةً مع وجود مقاتلين أجانب في العراق وسوريا باعتباره واحداً من العناصر الرئيسية لهذه المأساة التي تتكشف بما يصل إلى حد الهمجية في المناطق المجاورة لنا."
وأضاف ظريف قائلاً: "نحن بحاجة إلى توحيد جهود كل دول المنطقة وإلى وضع الأوهام جانباً فيما يتعلق بتحقيق مكاسب قصيرة الأجل من وجود هذه القوات الإرهابية والنظر إلى الصورة على المدى الطويل."
يُشار إلى ما أوردَه تقرير إعلامي بثّته رويترز الاثنين في شأن مشاركة مستشارين إيرانيين في الجهود العسكرية المشتركة لقوات البشمركة الكردية والجيش العراقي مع الميليشيات المتحالفة معه في كسر الحصار الذي كان يضربه متشددو داعش على ناحية آمرلي في شمال العراق منذ شهرين. وقالت رويترز إنه أمكنَ رصد مستشار إيراني للشرطة العراقية على الطريق قرب آمرلي فيما تحدث ضابط كردي عن تقديم إيرانيين المشورة لمقاتلين عراقيين بشأن الهجوم على المسلّحين الإسلاميين.
وفي تعليقه على ما أوردَه التقرير الإعلامي في شأن وجود مستشارين إيرانيين إلى جانب القوات العراقية المشتركة، قال رئيس (المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية) واثق الهاشمي لإذاعة العراق الحر إن الحكومة العراقية طلبت مساعدة من كل الدول "وقد أرسلت الولايات المتحدة الأميركية مستشارين فيما قال رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني إن أولى الدول التي ساعدتنا بالسلاح والمعدات كانت إيران..كما أن إيران صرّحت على لسان الرئيس حسن روحاني بأن هناك خطوطاً حمراء في العراق وهي المراقد الدينية.. وأن الجيش الإيراني سيتدخل في حالة وجود تهديد لها....".
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أجابَ المحلل السياسي العراقي عن سؤاليْن آخرين يتعلق أحدهما بالجهود المتسارعة حول العالم لمجابهة التهديدات الإرهابية التي يشكّلها خاصةً مسلحون أجانب يقاتلون إلى جانب داعش والثاني حول التقارب الإيراني السعودي الذي يُـــــتوقع أن يُسهم في الجهود الدولية المشتركة لمجابهة الجماعات المتشددة.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقاطع صوتية من تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزيريْ الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز والإيراني محمد جواد ظريف، إضافةً إلى مقابلتين مع الكاتب البريطاني من أصل مصري عادل درويش متحدثاً من لندن ورئيس (المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية) واثق الهاشمي متحدثاً من بغداد.