تُــــــفتَـــحُ صفحةٌ جديدة في العلاقات الإقليمية على خلفية التهديدات الإرهابية المتنامية للتنظيمات المتطرفة التي تُجمِعُ دول المنطقة على اعتبارها العدو المشترك.
وفيما أكدت واشنطن مجدداً قلقها المتزايد إزاء الخطر الذي تشكّله جماعة ما تُعرف بــ(الدولة الإسلامية) وخاصةً المخاوف التي عبّرت عنها غير عاصمة غربية من عودة مقاتلين أجانب من ساحات القتال في العراق وسوريا أعلنت دمشق استعدادها للتعاون مع أي جهود دولية لمحاربة الإرهاب.
هذا فيما تتواصل خطوات التقارب بين طهران والرياض اللتين كانتا في طليعة الأطراف الإقليمية والدولية الـمُرحّبة بتسمية رئيس الوزراء المكلّف حيدر العبادي لتشكيل حكومة وحدة عراقية ذات قاعدة عريضة تُـــمكّــــــــُنها من الفوز في الحرب ضد الإرهاب.
وفي التصريحات الصحفية الأولى التي يدلي بها منذ تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة في وقت سابق من الشهر الحالي، عبّر العبادي عن هذا التوجّه الجديد مؤكداً أنه يتطلع إلى بناء علاقات جديدة مع دول المنطقة كافة.
وأضاف في التصريحات التي بثها التلفزيون الرسمي الاثنين:
"أتطلع إلى بناء علاقات جديدة مع دول المنطقة. أيضاً تحدثت مباشرةً عبر الهاتف مع رئيس الوزراء التركي (رجب طيب أردوغان) الذي سيصبح رئيساً لتركيا. وهناك تطلع لبناء علاقات جديدة مع الدول الخليجية ومع الجمهورية الإسلامية في إيران ومع الأردن ومع الجارة الكويت ومع كل دول المنطقة. يجب أن نبني علاقات جديدة لأن الهدف أو العدو واحد ومشترك، وأنا أريد فتح صفحة جديدة. وبالتالي أرحّب وأشكرهم على تهنئتهم لي وترحيبهم بالتطورات في العراق وأنتظر خطوات لاحقة من أجل مزيد من من الجهود المشتركة في جميع المجالات"، بحسب تعبيره.
تصريحاتُ العبادي تزامنت الاثنين مع عنف متجدد أسفر عن مقتل وإصابة عشرات العراقيين بهجمات متفرقة. وفي إدانتها لأحدث موجة من الاعتداءات، قالت واشنطن إن هذه الهجمات "تهدف الى زرع الرعب والفوضى" بين المكوّنات العراقية وتكشف عن "انحراف تام لدى هؤلاء الإرهابيين"، بحسب تعبير الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية جنيفر ساكي.
وكررت ساكي الدعوة التي وُجّهت قبل إسابيع الى الزعماء العراقيين من كل الأطياف كي "يرصّوا الصفوف ضد الدولة الاسلامية". وأضافت "سنواصل دعمنا للجهود التي يبذلها العراق من أجل عزل ودحر" هذا التنظيم، بحسب ما نقلت عنها وكالة فرانس برس للأنباء.
من جهته، قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جوش إرنست:
"نحن قلقون من التهديد الذي تُشكّلهُ داعش، أساساً بسبب الوضع المتعلق بالمقاتلين الأجانب وهم أفراد يحملون جوازات سفر غربية، مواطنو دول غربية سافروا إلى هذه المنطقة من العالم لحمل السلاح جنباً إلى جنب مع مقاتلي داعش. والخطر الذي يُشكّلونَـــــهُ هو أن هؤلاء الأفراد المتطرفين والذين حصلوا على التدريب العسكري مع خبرة قتالية يمكن أن يعودوا إلى الولايات المتحدة أو إلى غيرها من الدول الغربية وينفّذوا هجمات إرهابية"، بحسب تعبيره.
وكان البيت الأبيض أعلن في وقت سابق أن إدارة الرئيس باراك أوباما لا تستبعد فكرة أن توسّع الى سوريا الغارات الجوية التي تضرب مواقع داعش منذ الثامن من آب في شمال العراق.
جاء الإعلان على لسان مساعد مستشار الأمن القومي الأميركي بن رودس في سياق تصريحات أدلى بها الجمعة حول إعدام داعش الصحافي الأميركي جيمس فولي الذي خطف في 2012 في سوريا. وقال رودس "عندما ترى شخصاً مقتولاً بهذه الطريقة الرهيبة، فإن ذلك يشكل هجوماً إرهابياً على بلادنا."
وفي ردّه على سؤال بشأن ضربات محتملة في سوريا، أجاب "ندرس ما هو ضروري للرد على هذا التهديد ولن نكون محصورين بحدود".
وفي عرضها للتصريحات، أشارت رويترز إلى ما ذكرته صحيفة (وول ستريت جورنال) بأن وزارة الدفاع الأميركية تعتبر أنه قد يكون من الضروري تنفيذ عمليات في سوريا. لكن واشنطن أيّدت أيضاً حملة المعارضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد المتواصلة منذ أكثر من ثلاثة أعوام دون بروز أي مؤشرات على حدوث أي تغيير في سياستها إزاء التعامل مع دمشق.
من جهتها، أعلنت الحكومة السورية الاثنين استعدادها للتعاون والتنسيق مع أي جهود دولية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي إعلانه ذلك، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحفي بــثّه التلفزيون "نحن جاهزون للتعاون والتنسيق مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي في مجال مكافحة الإرهاب في إطار قرار مجلس الأمن" التابع للأمم المتحدة ذي الرقم 2170.
المعلم فـتح الاحتمالات أمام التعاون في هذا المجال مع عدد من الدول بينها الولايات المتحدة وبريطانيا والمملكة العربية السعودية. كما تحدث عن بلاده كشريك حيوي ضد داعش التي سيطرت على أجزاء من سوريا والعراق.
وقال المعلم أيضاً إن "من الطبيعي جغرافياً وعملياً وعملياتياً أن سوريا هي مركز هذا الائتلاف الدولي وإلا هل يحاربون داعش بالمناظير.. لا بد أن يأتوا إلى سوريا للتنسيق معها من أجل مكافحة داعش والنصرة إذا كانوا جادين". وأضاف أن أي عمل خارج إطار التعاون والتنسيق مع الحكومة السورية "سيُعتبر عدواناً"، بحسب تعبيره.
وفيما كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يجري محادثات في العراق على مدى اليومين الماضيين أعلنت طهران عن زيارةٍ لــمُساعِـــــدِه لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية الثلاثاء بأن عبد اللهيان سيلتقي وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لمناقشة "قضايا ذات اهتمام مشترك".
وكانت الناطقة باسم الخارجية الإيرانية مرضية افخم صرّحت يوم الأربعاء الماضي (20 آب) بأن بلادها على استعداد للتعاون مع المملكة العربية السعودية لمعالجة مشكلات المنطقة.
وأضافت في مؤتمر صحفي "إننا نعتقد أن معالجة مشكلات المنطقة عن طريق الحوار تعتبر آلية مؤثرة وإن مكانة إيران في المنطقة الى جانب بقية الدول ومنها السعودية واضحة تماماً"، بحسب تعبيرها.
كما نُقل عنها القول إن للجمهورية الإسلامية "مشاورات وحوارات مع دول الجوار بشأن إرهاب (داعش) وحلحلة الأزمة في العراق والمنطقة".
ولمزيدٍ من المتابعة والتحليل أجريت مقابلة مع أستاذ العلوم الساسية في جامعة بغداد الدكتور علي الجبوري الذي قال في ردّه على سؤال لإذاعة العراق الحر في شأن "الصفحة الجديدة" التي قال العبادي إن بغداد تتطلع نحو فَــــتحـهـا وذلك في ظل خطوات التقارب التي تتخذها كما يبدو كل من الدولتين الجارتين إيران والسعودية "هناك رؤية جديدة في المنطقة بهذا الاتجاه تُــرجــِمت من خلال خطوات دبلوماسية واضحة كجولة ظريف في المنطقة ومن بينها زيارته الحالية إلى العراق ومن ثم الإشارات الواضحة من المملكة العربية السعودية على رغبتها في التقارب مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية."
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، لاحظَ الجبوري "أن اللهجة الإعلامية في دول المنطقة هي أيضاً بدأت تتجه نحو مسألة الوفاق ومحاولة الوصول إلى تفاهمات إقليمية من أجل تطويق الخطر الإرهابي"، بحسب تعبيره.
من جهته، قال الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي الدكتور فهد المكراد لإذاعة العراق الحر "ليس غريباً بعد تولّـــي رئيس وزراء جديد السلطة في العراق أن يكون هناك تبادل وجهات نظر ورؤى جديدة خصوصاً وأن العدو واحد لكل الأطراف."
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أجاب المكراد عن سؤالين آخرين يتعلق أحدهما بردود الفعل الإقليمية والغربية المتوقَعة على إعلان دمشق استعدادها للتعاون مع الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب والثاني حول دور التقارب السعودي الإيراني في معالجة مشكلات المنطقة ولا سيما الأزمة العراقية.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقاطع صوتية من تصريحات رئيس الوزراء العراقي المكلّف حيدر العبادي ووزير الخارجية السوري وليد المعلم والسكرتير الصحفي للبيت الأبيض جوش إرنست، إضافةً إلى مقابلتين مع الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي د. فهد المكراد وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. علي الجبوري.