وضعت الاحداثُ الأخيرة والتمدد المتسارع لتنظيم (داعش) في مناطق شاسعة من غرب العراق وشماله، قوات البيشمركه الكردية مع الجيش العراقي في مواجهة واحدة للمخاطر التي يمثلها التنظيم المتشدد، وتهديده المتزايد للسيطرة على مناطق وبلدات واهداف استراتيجية عراقية أخرى.
لقد ساهم الدعمُ العسكري الأمريكي من خلال الضربات الجوية الأسبوع الحالي، والتعاون والتضامن الدولي في تعزيز قدرات قوات اليبشمركه والجيش العراقي في استرداد سد الموصل من مسلحي داعش، بما يمهد لإنجازات لاحقة يُتوقع ان يُحققها التعاون والتنسيق بين قوات الجانبين.
رب ضارة نافعة
أكد المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع الفريق محمد العسكري ان الاحداث الأخيرة جددت التأكيد على ان قوات البيشمركة جزء مكمل للقوات العسكرية العراقية، مستعيداً القول المأثور "رُبّ ضارة نافعة"، معتبرا وقفتهما المشتركة ضد الاخطار تأكيداً لتوأمة لم تلغها بعض الخلافات السياسية
وأوضح المستشار الاعلامي لرئيس إقليم كردستان كفاح محمود ان المواجهات الأخيرة مع مسلحي الدولة الإسلامية المتشددين، وصمود البيشمركه ومساهمتهم الأساسية في تحرير سد الموصل، رسّخت حقيقة ًحاول البعض اغفالها: أن البيشمركه جزء من منظومة الدفاع العراقية، مبدياً تفاؤله بان التعاون بين المنظومة العسكرية الكردية والاتحادية سيجنب وقوع البلاد بيد الإرهابيين.
وكشف كفاح محمود، في تصريحه لإذاعة العراق الحر، عن ان حكومة الإقليم كانت أبدت استعدادها المبكر للتعاون مع الحكومة الاتحادية في بغداد لمواجهة مخاطر توسع الإرهابيين في المنطقة، الا ان مواقف القائد العام للقوات المسلحة المنتهية ولايته نوري المالكي لم تكن مشجعة حسب قوله.
الى ذلك حذر مراقبون من مغبة سحب الازمات السياسية على أداء المؤسسة العسكرية، ما يمثل تقاطعا مع النظام الديمقراطي والدستور العراقي الذي أكد استقلالية المؤسسة العسكرية والمحافظة على مهنيتها وتوازنها، وهذا ما اشار اليه الخبير الامني احمد الشريفي، في باب تأثير التوترات السياسية التي طبعت العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم خلال السنوات الاخيرة.
ولفت الشريفي في تصريحهرلإذاعة العراق الحر الى ان التنسيقَ والتعاون والتكامل في المؤسسات العسكرية والأمنية سمةٌ من سمات دولة المؤسسات التي ينبغي ان يُحافظ عليها في عراق اليوم.
وفي اتصال أجرته إذاعة العراق الحر مع أحد قادة الجيش العراقي السابق الفريق محمد عبد القادر، أكد أهمية التعاون والتنسيق بين الجيش العراقي والبيشمركه لمواجهة التهديد الذي يواجه العراق، مشددا على ان مصلحة البلاد تستوجب تفعيل عمل لجان عمليات وإدارة مشتركة وتنسيق بين الطرفين لتطوير أدائهما العسكري.
هل ستدوم التوأمة وما الذي يعيقها؟
يقرأ مراقبون ما حدث من تعاون وتنسيق بين صنوف الجيش العراقي وقوات البيشمركه، بانه ناجم عن ظروفٍ ضاغطة مؤقتة دفعت الفريقين للعمل سوية لمواجهة خطر واحد يستهدف الجميع، واذا ما بالغ البعض باعتبار الموقف "توأمة"، فان المحلل السياسي جاسم الموسوي استبعد تقبّلَ الاكراد فكرة دوام تلك "التوأمة"، لأنها تتقاطع ومشروعهم في دولة مستقلة، مستحضرا في تصريحه لإذاعة العراق الحر مواقف تشي بذلك ومنها رفضهم تمثيل السلطة الاتحادية في المطارات ونقاط الحدود، وخشيتهم من انصهار البيت الكردي في البيت العراقي حسب تعبيره، ملاحظا أن تلقي الإقليم الدعمَ والسلاح من الغرب مؤخرا، قد يعزز توجهات الإقليم الى الانفصال.
وفي قراءة عسكرية للمشهد أقر المدير السابق لعمليات الداخلية اللواء عبد الكريم خلف بوجود تهديد مشترك للجميع، كاشفا في تصريحه لإذاعة العراق الحر عن ان حماية سد الموصل كانت من واجبات البيشمركه قبل ان يسيطر عليها مسلحو داعش، ونبه خلف الى أنه في حال لم تتوفر قناعات مشتركة لدى الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم حول التنسيق العسكري والأمني والتعاون البناء وطويل الأمد لمصالح متشاركة، فان ما يسمى بالـ"توأمة" هذه الأيام، مهدد بالانفصال.
تعني كلمة "البيشمركه" باللغة العربية الفدائي أو الذي يواجه الموت، وقد بدأت تتشكل ملامحها كمجاميع مقاتلة خلال النصف الأول من القرن العشرين.
ويعيد امين عام وزارة البيشمركه في حكومة اقليم كردستان، الفريق جبار ياور، الى الاذهان الدور الوطني المبكر للمقاتلين الاكراد من خلال مشاركتهم بقيادة الشيخ محمود الحفيد، المجاهدين العراقيين في مواجهة قوات الاحتلال البريطاني جنوب العراق قبل قيام الدولة العراقية.
ولفت ياور الى دور البيشمركه في الحركة الوطنية العراقية حين خاضت معارك ضد الأنظمة العراقية المتعاقبة من أجل نيل الحقوق القومية للكرد مقترنا بالحرية للعراق، مشيرا الى ان الحركة التحررية الكردية رفعت منذ عقود شعار "الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان العراق"، فضلا عن احتضان الاكراد أغلب القوى المعارضة لنظام صدام حسين السابق وفصائلها المسلحة، بحسب جبار ياور الذي شدد على ان قوات البيشمرك التي يصفها البعض بالمليشيات هي قوات منظمة تديرها وزارة حكومية متخصصة منذ عام 1991 حين انتخب اول برلمان للإقليم وشكلت اول حكومة للاقليم.