رفع اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" مناطق واسعة من غرب العراق وشماله الغطاء عن مواطن خلل خطيرة في العملية السياسية والعلاقات الوطنية عموما. وفي غمرة الأزمة التي فجرها سقوط مدن كبيرة مثل الموصل وتكريت بيد داعش كان من الطبيعي ان تعج وسائل الاعلام والقنوات الفضائية بالتعليقات والتحليلات لتشخيص اسباب الأزمة واقتراح الحلول.
في هذه الأثناء نشات أزمة انسانية خطيرة سببها جرائم داعش وارهابه ضد المواطنين عموما والمواطنين من مكونات اصيلة مثل المسيحيين والايزيديين بصفة خاصة. إذ هُجر ونزح مئات الآلاف هربا من ارهاب داعش. وتدفق غالبية النازحين على اقليم كردستان الذي يستضيف اصلا لاجئين من سوريا.
وتتمثل المفارقة في ان العراق البلد النفطي الذي تزيد موازنته العامة على 100 مليار دولار يقف اليوم عاجزا عن إغاثة مواطنيه رغم الجهود التي تبذلها وزارة الهجرة والمهجرين ووكالات الاغاثة الدولية والمنظمات الانسانية العراقية ومواطنون اعتياديون فتحوا بيوتهم لنازحين.
في مواجهة هذا الوضع المأساوي اعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة اطلاق عملية إغاثة كبرى لايصال الامدادات الى أكثر من نصف مليون نازح في شمال العراق.
وقال المتحدث باسم المفوضية ادريان ادوردز ان عملية جوية لنقل الخيام ومواد أخرى بدأت الأربعاء وتستمر لمدة اربعة أيام الى اربيل من ميناء العقبة الاردني تعقبها قوافل برية من تركيا والاردن وشحنات بحرية من دبي عن طريق ايران خلال الأيام العشرة المقبلة.
واضاف ادوردز في مؤتمر صحفي في جنيف "ان هذه دفعة اغاثة مهمة للغاية وهي بالتأكيد من أكبر العمليات" واصفا الوضع بأنه "أزمة انسانية وكارثة كبيرة".
وتقدر الأمم المتحدة ان 1.2 مليون عراقي هُجروا منذ العاشر من حزيران الماضي. وقالت المنظمة الدولية ان كثيرا من هؤلاء المهجرين يعيشون ظروفا صعبة بسبب عدم توفر الماء والغذاء. وتعمل وكالات الأمم المتحدة مع السلطات في اقليم كردستان الذي استقبل أكثر من هؤلاء نصف النازحين والمهجرين.
المتحدث باسم وزارة حقوق الانسان كامل امين في الوقت الذي رحب بحملة الأمم المتحدة اعرب عن الأمل بأن تصل مساعداتها الى نازحين في مناطق اخرى خارج اقليم كردستان ايضا وخاصة في منطقة الفرات الأوسط بما فيها كربلاء وحتى البصرة في اقصى جنوب العراق.
ولكن عضو مفوضية حقوق الانسان العراقية فلاح الياسري لفت الى ان لدى الأمم المتحدة اسباباً وجيهة لاطلاق جهود الإغاثة من اقليم كردستان بسبب الوضع الأمني وسهولة الحركة لفرق الاغاثة وزيادة موظفيها في حين ان غالبية وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها أفرغت مكاتبها في بغداد وانتقلت الى عمان.
وأكد الياسري ان اعداد النازحين والمهجرين في العراق تزيد على ارقام الأمم المتحدة التي قدرت عددهم بـ 1.2 مليون قائلا ان العدد يربو على 1.6 مليون نازح وبالتالي فان الأمم المتحدة وحدها ليست قادرة على النهوض بمثل هذا العمل الانساني الضخم بمفردها بل يتطلب مساهمات الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الانسانية في سائر انحاء العالم.
وناشد مدير المركز العراقي لحقوق الانسان مصطفى سعدون مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ان تركز جهودها على الأطفال وكبار السن بتوفير الغذاء والدواء لا سيما الحليب والحفاظات للأطفال والعلاج للشيوخ الذين كثير منهم يعانون من امراض مزمنة.
واشار سعدون الى الظروف التي تتيح تقديم مساعدات الى النازحين في اقليم كردستان باستقراره واستتباب الأمن وتمكن المنظمات الدولية من الحركة بين محافظاته بخلاف المناطق الأخرى من العراق.
مدير المكتب الاعلامي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في اقليم كردستان يوسف محمود أوضح ان عمل المفوضية يعتمد على تبرعات الدول المانحة وان الأمم المتحدة تلقت نحو نصف مليار دولار من العربية السعودية منها ثمانية وثمانون مليون دولار لجهود المفوضية في اقليم كردستان حيث انفقت المفوضية 40 في المئة منها حتى الآن لمساعدة حكومة الاقليم على اقامة مخيمات وتوفير معونات طارئة للنازحين مؤكدا شمول جميع النازحين العراقيين من حيث المبدأ وإن كان غالبيتهم في الاقليم.
وقال محمود ان جسرا جويا بدأ بالفعل لنقل المساعدات بغية ايصالها الى النازحين على ان تبدأ عملية النقل برا وبحرا في وقت لاحق.
واعلن محمود ان المفوضية ستواصل عملها في مساعدة النازحين الذين يزيد عددهم على نصف مليون في اقليم كردستان وحده من اجل ايصال هذه المساعدات الى جميع النازحين بلا استثناء ولكنه أبدى أسفه لأن ظروف العراق في بعض المناطق تضع عقبات في طريق هذه الجهود.
واشار مدير المكتب الاعلامي لمفوضية اللاجئين يوسف محمود الى ان الوضع الأمني في محافظات مثل نينوى وكركوك وديالى لا يسمح بشمول هذه المناطق بحملة الاغاثة معربا عن الأمل بأن تتغير الظروف قريبا ليتسنى ايصال المساعدات الى المحتاجين في هذه المناطق ايضا.
واعترف محمود بأن هناك نازحين يعيشون ظروفا بائسة في سنجار مثلا لكن مساعدات المفوضية لا تصلهم بسبب الأوضاع الأمنية منوها بتعاون الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان مع المفوضية وتوفير كل ما من شأنه تسهيل عملها.
قال المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ادريان ادوردز ان مساعدات أكبر بكثير ستكون مطلوبة خلال الاسابيع المقبلة مشيرا الى اقامة ثمانية مخيمات أو على وشك اقامتها في محافظتي دهوك واربيل والتخطيط لاقامة ستة مخيمات أخرى في المنطقة لايواء 140 الف نازح.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في اعداده مراسل اذاعة العراق الحر احمد الزبيدي.