تَستعيدُ القواتُ العراقية زمام المبادرة في محاربة المسلّحين بإسنادٍ عسكري أميركي أكدهُ الرئيس باراك أوباما مجدداً بالقول إنه سينتهج استراتيجية طويلة الأجل لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
أوباما حذر في أحدث تصريحاته عن الشأن العراقي الاثنين من أن الجهاديين الذين يسيطرون على أراضٍ في سوريا والعراق يشكّلون خطراً "على العراقيين وعلى المنطقة بأسرها".
التصريحاتُ التي أدلى بها أوباما في واشنطن بعد أن قطع إجازته الصيفية في "مارثاس فينيارد" بولاية ماساتشوستس جاءت بعد بضع ساعاتٍ فقط من إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الجيش الأميركي شنّ 35 غارة جوية ضد مسلحي تنظيم الدولة في شمال العراق خلال الأيام الثلاثة الماضية، ليدمّر بذلك أكثر من 90 هدفاً.
وتُـــعتبر تلك الغارات الأخيرة الأعنف منذ بدء القصف الأميركي في الثامن من آب على أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية الذي كان يُعرف بـ(داعش، أي "الدولة الإسلامية في العراق والشام") قبل تغيير اسمه وإعلانه إقامة الخلافة بعد استيلائه على محافظة نينوى في حزيران.
وذكر الناطق باسم البنتاغون جون كيربي أن المقاتلات والقاذفات والطائرات بدون طيار "قضت" على مواقع المسلحين في المنطقة المحيطة بسد الموصل، قائلاً "بالإجمالي دمّرنا أكثر من 90 هدفاً من بينها مجموعة من الآليات والمعدات ومواقع القتال". وأضاف أن القوات العراقية سيطرت على سد الموصل "ونعمل على توسيع منطقة انتشارها".
وأوضح كيربي أن وزير الدفاع تشاك هيغل والقوات الأميركية على استعداد لتنفيذ مهمات أخرى على طول هذه الخطوط القتالية. وصرّح بأن "هيغل أشاد أيضاً بطريقة عمل القوات العراقية معاً في هذه العملية، ما يعكس العزم المتزايد لدى العراقيين للقتال".
وفي عرضها للتصريحات، أشارت وكالة فرانس برس للأنباء إلى أن سلسلة الغارات الجوية الأميركية في شمال العراق كانت بدأت بهدف حماية النازحين من الأقلية الأيزيدية والمنشآت والمسؤولين الأميركيين ومنع تقدم تنظيم الدولة الإسلامية باتجاه مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.
أوباما أكد أن هذه الغارات سمحت "للقوات العراقية والكردية بتحقيق خطوة كبيرة إلى الأمام عبر استعادة السيطرة" على سد الموصل. ولكنه حذر بغداد من أن الخطر "على الأبواب"، وعليها أن تعمل سريعاً لتشكيل حكومة شاملة لكل الأطياف.
وفي تطورٍ يعكسُ التقييمَ الأميركي الجديد لمعنويات الحليف العراقي في أعقاب الإسناد الجوي الأخير، أُعلن في بغداد أن القوات العراقية شنّت فجر الثلاثاء عملية واسعة لاستعادة السيطرة على مدينة تكريت التي وقعت تحت سيطرة المسلحين في منتصف حزيران.
ونقلت فرانس برس عن مصدر عسكري رفيع القول إن القوات العراقية "التي تقاتل بمساندة مسلحين موالين للحكومة ومروحيات الجيش تمكنت من السيطرة على مبنى مستشفى تكريت" الواقع في الجهة الشرقية من المدينة.
وكانت القوات العراقية أخفقت مرتين سابقاً في استعادة المدينة بعد التقدم من عدة محاور، لكنها تراجعت إثر تفخيخ المباني والشوارع المؤدية الى مركزها.
وفي نبأ بثته بعد ظهر الثلاثاء، نقلت وكالة رويترز للأنباء عن ضباط في غرفة العمليات أن القوات العراقية أوقفت تقدمها من أجل استعادة تكريت في مواجهة مقاومة شرسة من مقاتلي تنظيم الدولة. وأضافوا أن القوات تعرضت لنيران كثيفة بالمدافع الرشاشة وقذائف الهاون جنوبي تكريت في حين أن الألغام المزروعة على الطريق في الغرب ونيران القناصة قوّضت جهود الاقتراب من المدينة.
فيما قال سكان في وسط تكريت عبر الهاتف إن المسلّحين يسيطرون بثبات على مواقعهم وينظّمون دوريات في الشوارع الرئيسية.
وفي تحليله لهذا التطور، قال الدكتور معتز محيي مدير (المركز الجمهوري للدراسات الأمنية) في بغداد لإذاعة العراق الحر ظهر الثلاثاء قبل ورود نبأ وقف تقدم القوات العراقية "إن معلومات أشارت قبل يومين إلى انسحابات لداعش من مناطق معينة في تكريت ومدن قريبة منها...فكانت محاولة الدخول إلى تلك المناطق استعداداً لمعركة فاصلة باعتقادي سوف تُخاض في الموصل."
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أشار محيي إلى قيام القوات العراقية قبل بضعة أسابيع "باحتلال مدينة أخرى مهمة في تلك المنطقة هي العوجة وبقيت فيها بانتظار ساعة الصفر لبدء عملية التقدم نحو تكريت."
وكان الرئيس باراك أوباما أشار في مؤتمره الصحفي في البيت الأبيض الاثنين إلى التقدم الذي تراه واشنطن في جهودها الداعمة للعراق على الصعيديْن السياسي والعسكري، قائلاً:
"نواصلُ رؤيةَ تقدمٍ هائل عبرَ أجزاء مختلفة من إستراتيجيــتِــنا لدعم الحكومة العراقية ومكافحة التهديد الذي تشكّلهُ جماعة داعش الإرهابية."
وقال أوباما:
"خلال الأيام الماضية، أوقَفت الغاراتُ الجوية الأميركية تقدمَ داعش حول مدينة أربيل وصدّت الإرهابيين. وفي الوقت نفسه قدّمنا بشكل عاجل أسلحة ومساعدات إضافية إلى القوات العراقية بما في ذلك قوات الأمن الكردية والعراقية التي تقاتل في الخطوط الأمامية."
وفي تأكيده استعادة السيطرة على سد الموصل، قال الرئيس الأميركي:
"اليوم، وبإسنادِنا، اتخذت القوات العراقية والكردية خطوة كبيرة إلى الأمام من خلال إستعادة أكبر سد في العراق قرب مدينة الموصل. وكان هذا السد سقط تحت سيطرة الإرهابيين في وقت سابق من الشهر الحالي، وهو يرتبط مباشرةً بهدفنا المتمثل في حماية الأميركيين في العراق."
وأضاف أوباما:
"سوف نواصل انتهاج استراتيجية طويلة الأجل لتحويل التيار ضد داعش من خلال دعم الحكومة العراقية الجديدة والعمل مع الشركاء الرئيسيين في المنطقة وخارجها."
وفي حديثه عن الخطر الذي يشكّله تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية، قال الرئيس الأميركي:
"تُشكّل داعش خطراً على كل العراقيين والمنطقة بأسرها. إنهم يـَدّعون تمثيل المظالم السنّــية ولكنهم يذبحون الرجال والنساء والأطفال الســـنّـة. وهم يزعمون معارضة القوات الأجنبية ولكنهم يجنّدون بنشاط مقاتلين أجانب لدفع أيديولوجيتهم البغيضة إلى الأمام. لذلك فإن الشعب العراقي بحاجةٍ إلى رفضهم والتوحّد من أجل البدء بإخراجهم من الأراضي التي احتلوها مثلما نرى في سد الموصل."
أوباما دعا أيضاً رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي الى تشكيل "حكومة وحدة لديها برنامج وطني يمثل مصالح جميع العراقيين". وجدد دعمه للعبادي، قائلاً "لقد أُعجبت خلال حديثي معه برؤيتــِه لتشكيلِ حكومةٍ جامعة ولكن عليهم القيام بهذا الأمر لأن الذئب عند الباب"، بحسب تعبيره.
وأضاف "هدفنا هو أن يكون لنا شركاء حقيقيون على أرض الواقع. وإذا كان لدينا شركاء حقيقيون على أرض الواقع يصبح خروج المهمة عن مسارها أقل احتمالا"، متعهداً بانتهاج "إستراتيجية لمكافحة الإرهاب" مشتركة بين العراق وحلفاء الولايات المتحدة.
يُشار إلى إجراءات الدعم المتزايدة التي يتخذها الحلفاء الغربيون تجاه العراق وخاصةً في مجال الإغاثة الإنسانية لمساعدة عشرات آلاف الأيزيديين الذين نزحوا إلى جبل سنجار فراراً من بطش الجهاديين الذين استهدفوا في مرحلة سابقة أيضاً المسيحيين العراقيين في الموصل.
وفي ردّه على سؤال بشأن الغارات الجوية الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق، قال بابا الفاتيكان:
"في هذه الحالات حيثُ هناك اعتداءٌ جائـِر بوسعي أن أقول إن من المشروع صَــــدّ المعتدي الظالم"، بحسب تعبيره.
وأكد البابا فرنسيس في تصريحاتٍ للصحافيين لدى عودته من رحلة إلى كوريا الجنوبية الاثنين أن الأمم المتحدة هي المنتدى المناسب للنظر فيما إن كان عدوان جائر قد وقع وكيفية وقف مثل هذا العدوان.
وأضاف أنه أوفد كاردينالاً كبيراً إلى العراق لزيارة اللاجئين وتوزيع مساعدات مالية من الفاتيكان ووجّه رسالة إلى الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون بشأن الحاجة الى وقف إراقة الدماء.
في الأثناء، أعلنت الإدارة الأميركية الاثنين أن أوباما سوف يرأس نهاية الشهر المقبل جلسة خاصة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تُــــخـصّص للبحث في كيفية مواجهة خطر الجهاديين الأجانب الذين يلتحقون بصفوف التنظيمات المتطرفة في كلٍ من سوريا والعراق.
الولايات المتحدة تتولى الرئاسة الدورية الشهرية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال أيلول. وأُفيد بأن أوباما دعا زعماء الدول الأربع عشرة الأخرى الأعضاء في المجلس لحضور قمةٍ خلال الأسبوع الذي يبدأ في الثاني والعشرين من أيلول، أي خلال وجودهم في نيويورك للمشاركة في الاجتماع الوزاري السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأعربت واشنطن عن أملها في أن يتبنى مجلس الأمن الدولي قراراً يعالج ظاهرة الأجانب الذين يتم تجنيدهم في الخارج لكي يقاتلوا في صفوف الجماعات الإرهابية. وقال مسؤلون أميركيون إن القرار ينبغي أن يؤكد أيضاً ضرورة أن تقوم جميع الدول بتعبئة أدواتها ومواردها لمنع هذه الظاهرة.
وفي هذا الصدد، قال أحد الدبلوماسيين من أعضاء البعثة الأميركية في الأمم المتحدة لوكالة أسوشييتد برس للأنباء طالباً عدم ذكر اسمه "إن الصراعات في سوريا والعراق سلّطت الأضواء على هذا التهديد مع انضمام نحو 12 ألف مقاتل أجنبي إلى القتال في هاتين الدولتين".
وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أصدر الجمعة قراراً هو الأول من نوعه لإضعاف جماعة الدولة الإسلامية وجبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا. ونَـــــــصّ القرار الذي صدر بإجماع الدول الأعضاء الـ15 على إدراج ستة من المتشددين في القائمة السوداء فضلاً عن تهديده بفرض عقوبات ضد من يموّل أو يجنّد أو يزوّد الجهاديين بالسلاح.
ولمزيدٍ من المتابعة والتحليل، أجريت مقابلة مع أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور علي الجبوري الذي علّق أولاً على خطاب الرئيس الأميركي بالقول إن الرأي السائد لدى العراقيين بصورة عامة كما يبدو "هو أن الولايات المتحدة الأميركية أدارَت ظهرها للعراق خصوصاً في الأزمة الأخيرة بعد احتلال الموصل...بالإضافة إلى رسالة أخرى فُهِمت وكأن الولايات المتحدة تكيل بمكياليْن حيال العراقيين، مكيال برؤية جانب الأقليات وبالنسبة لإقليم كردستان ومكيال آخر بالنسبة للعراقيين ككل بدليل أنها لم تتدخل بهذا الحجم وبهذا التأثير قبل أن يتعرض مثلاً المسيحيون والأيزيديون وإقليم كردستان لمثل هذه الأعمال التي يدينها العراقيون جميعاً"، بحسب تعبيره.
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، تحدث الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي عن موضوعات أخرى ذات صلة. كما أجاب عن سؤال آخر يتعلق تحديداً بالقمة التي دعا إليها الرئيس الأميركي لأعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر المقبل للبحث خاصةً في التهديدات التي تُشكّــلها مشاركة مسلّحين أجانب في القتال في سوريا والعراق.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقاطع صوتية من تصريحات الرئيس باراك أوباما والبابا فرنسيس، إضافةً إلى مقابلتين مع مدير (المركز الجمهوري للدراسات الأمنية) في بغداد د. معتز محيي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. علي الجبوري.