أشاع تكليف حيدر العبادي بتشكيل الوزارة الجديدة شعورا بالتفاؤل والايجابية على الصعيد المحلي، مردّه بحسب مراقبين، نفسيٌ ارتبط بالتباسات سياسية وأمنية شابت علاقة الحكومة المنتهية ولايتها مع عدد من أطراف العملية السياسية. لكن الواقع يؤكد أنه برغم شحنة التفاؤل التي طبعت مواقفَ اغلب القوى العراقية فضلا عن القوى الدولية والإقليمية، فان حيدر العبادي لن يمكنه كشخص التوصل الى حلول سحرية للازمات المتعددة والمعقدة ومنها الوضع الأمني في عدد من محافظات العراق ومناطقه.
الى ذلك يرى الخبير العسكري أنور الحيدري ان التغيير المقبل، يواجه صعوباتٍ تتطلب دعمَ الأطراف المختلفة لرئيس الوزراء المكلف، وقدرتها على التنازل عن مطالبها وشروطها المتصاعدة، والمساهمة في تقديم البرامج.
هل العلة بالمالكي ام بالعبادي، أم بالبرامج والمواقف؟
وكان رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي، عبّر عن عزمه على تقليص الحكومة التي شرع بمفاوضات تشكيلها من أجل ترشيد النفقات في الموازنة وإدارة مؤسسات الدولة باستراتيجية جديدة تلائم المرحلة الجديدة. وأوضح العبادي في بيان يوم الجمعة إن ملفات عديدة تحتل أهمية قصوى في برنامجه الحكومي ومنها القضاء على الفساد الإداري والمالي بمؤسسات الدولة ومعالجة ملفات الأمن والسياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية، معلنا التزامه "بـاستيعاب أطياف الشعب العراقي وتوحيد العراقيين للقضاء على الارهاب وبناء وطنهم".
ترى ألم يكن نوري المالكي يطرح نفس الشعارات والاهداف والتعهدات في خطابه السياسي خلال سنوات تسنّمه رئاسة الوزراء؟
لاحظ النائب عن محافظة الانبار حامد المطلك خلال حديثه لإذاعة العراق الحر أن الرغبة في التغيير لدى اغلب العراقيين اليوم تعود لعدة أسبابٍ منها أخطاء يتحملها القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع. تسببت بتداعيات أمنية في مناطق مختلفة ومنها الانبار.
في غضون ذلك استقبل رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الأحد، رئيس مؤتمر صحوة العراق أحمد أبو ريشة، ومحافظ الأنبار أحمد خلف الدليمي وبحث معهما الاوضاع الامنية والخدمية في الانبار.
وجرى خلال اللقاء الحديثُ عن "الوضع الأمني الراهن وتقديم الخدمات في محافظة الأنبار والعمليات الإجرامية التي يمارسها تنظيم داعش الإرهابي ضد سكان المحافظة وسعيه للسيطرة على بعض المناطق فيها وصمود المواطنين ومواجهتهم هذه المحاولات الفاشلة" بحسب بيان رئاسي.
وكان نحو 25 من شيوخ عشائر الانبار اتفقوا يوم السبت على التعاون مع القوات الأمنية في المحافظة لاستعادة عدد من المناطق من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية". ونقلت وكالة "فرانس برس" عن قائد شرطة الأنبار اللواء الركن أحمد صداك الدليمي أن المئات من مقاتلي العشائر احتشدوا الى جانب قوات الجيش والشرطة، وانقسموا الى مجموعات وتوزعوا لمسك الأرض في مناطق محددة.
الى ذلك يرى عضو مجلس الانبار راجع العيساوي ان الحكومة الجديدة مطالبة بإجراءات تعيد الثقة الى أهالي المحافظة، وتعزيز التنسيق بين الحكومة الاتحادية والحكومة المحلية. لكن هذا أحد وجوه المشكلة، فالواقع يشير الى ان بعض السياسيين والشخصيات المحلية لا يريدون استقرار للمحافظة ويقفون بالضد من رغبات أهلها بحسب العيساوي.
الهايس: كثير من أبناء الانبار منخرطون مع القوات الامنية
وبرغم المؤشرات الإيجابية على مواقف بعض عشائرها، لا يجد رئيس مجلس انقاد الانبار حميد الهايس تبدلاً في موقف ابناء العشائر، فالعديد منهم يواجه مسلحي داعش من خلال انتسابه لقوات الامن والشرطة او التنسيق معها، لافتا في حديثه لإذاعة العراق الحر الى أن ما ينقص مقاتلي العشائر الدعم والاسناد القيادة والسيطرة، متهماً بعض الشيوخ بعدم الاهتمام بشؤون مواطنيهم وترك المحافظة الى خارج البلاد.
في هذه الاثناء شدد اللواء الركن أحمد صداك الدليمي، قائد شرطة الأنبار، على ضرورة تسليح العشائر لتمكينهم من مقاتلة مسلحي تنظيم داعش في المنطقة، ونقلت رويترز عن المحافظ، أحمد خلف الدليمي، تأكيده طلب المساعدة من الولايات المتحدة، لتتضمن دعما جويا ضد المتشددين الذين يسيطرون على جزء كبير من الأنبار وشمال البلاد.
يذكر أن هجوم مقاتلين من أبناء عشائر الانبار على مواقع تابعة لمقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية، تزامن مع استعادة القوات الكردية السيطرة على سد الموصل، مدعومة بالطيران الحربي الأميركي.
يتفق مراقبون على أن الاحتقان الأمني يعود في بعض أسبابه الى ازمة سياسية لم يُحسن التعامل معها وتخفيف تأثيرها على الواقع العراقي، ومن هنا يبرز السؤال اليوم: هل أن انسحاب المالكي من التشبث بالبقاء على رأس الحكومة لدورة ثالثة وتكليف العبادي بتشكيلها، يمثل استرخاء نفسيا للبعض، أم ان العبادي بشخصه هو عامل تغيير حاسم في المشهد السياسي والأمني؟
يعتقد الخبير الأمني احمد الشريفي أن هوة كبيرة بين القوى العراقية نجمت عن سياسة فرض الارادات المتبادل بين الحكومة واطراف سياسية، ويُبدي الشريفي تفاؤله من ان تشكيل قيادة عامة للقوات المسلحة، وتسمية وزارات كفوءة، وتفعيل الإدارة اللامركزية سيغير الواقع الأمني الذي تضرر كثيرا من الازمات السياسية
رضا الناس غاية ٌلا تدرك!
وريثما تنجلي الأيام والمناقشات واللقاءات عن صيغة لحكومة وطنية تقترب من رضى جميع الأطراف، لا ينبغي أن يغفل المرء عن ما القول المأثور "رضا الناس غاية لا تدرك"، وبذلك يؤشر الخبير العسكري أنور الحيدري الى ان التغير في الوجوه ليس كافيا مع بقاء المشاكل ذاتها، فالأمر بحاجة الى تغيير العقليات والمواقف والرؤى وطريقة التعامل مع الازمات، هذا يعني ان الجميع ضالعون برسم ملامح مستقبل مستقر بنسبة وبأخرى، وانهم جميعا يتحملون مسؤولية امن واستقرار العراق وسلامة مكوناته بحسب الحيدري.
وفي مقابلة مع إذاعة العراق الحر بيّن الصحفي ورئيس تحرير وكالة "واي نيوز" عمر الشاهر، أن رجال العشائر في الانبار منقسمون أصلاً حول الموقف من حكومة المالكي، ويتطلع بعضهم اليوم لشكل وخارطة الحكومة الجديدة ليحدد موقفه، الشاهر بين أن هناك ثلاثة مستويات من المواقف في المحافظات السنية إزاء تكليف العبادي بتشكيل الحكومة الجديدة، بعضهم يرحب بأي تغيير في بغداد لظنه أنه سينعكس على أوضاع تلك المحافظات، والاخر من المتشددين يعد التغييرَ شكليا، ومازال رافضا لمجمل العملية السياسية، بينما راقب الاخر تغيرات مثيرة على الارض مؤخرا، ومن ذلك انسحاب مقاتلي داعش من ابرز مقراتهم في الانبار وهي بناية رئاسة جامعة الانبار قبل بضعة أيام، وتركوها لسيطرة القوات الأمنية ومسلحي العشائر.
شارك في اعداد الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد.