تــَــــــتبـــَلــــْــــــوَرُ مَــــــلامحُ إستراتيجيةٍ يَـــــــنتهجُها المجتمعُ الدولي لمحاربة الإرهاب على خلفية المكاسب الميدانية التي أحرزتها الجماعات المسلحة في العراق وسوريا وما رافقها من تدميرٍ لمعالم تاريخية وقتلٍ لأفراد الأقليات الدينية فضلاً عن تهديدٍ للأمن والسلم الإقليمي والعالمي.
وفيما يتواصلُ تدفقُ مساعداتٍ إنسانية في إطارِ جهودٍ متعددة الأطراف لإغاثةِ وإنقاذِ عشرات آلاف الأيزيديين المحاصَرين في جبل سنجار بشمال العراق بعد فرارهم من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية أعلنت القيادة الوسطى الأميركية السبت أن الولايات المتحدة شنّت غاراتٍ جويةً ضد هؤلاء المقاتلين قرب مدينة أربيل وسد الموصل الذي كان سقط في أيديهم في السابع من آب.
السيطرة على هذا السد الذي يبعد نحو خمسين كيلومتراً عن ثاني أكبر مدن العراق كان من شأنها أن تمنح المسلحين القدرة على إغراق المدن وقطع إمدادات المياه والكهرباء الحيوية.
وبعد استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان يُعرف بـ(داعش، أي "الدولة الإسلامية في العراق والشام") قبل تغيير اسمه وإعلانه إقامة الخلافة بعد استيلائه على محافظة نينوى في حزيران أثار تقدمه السريع نحو حدود إقليم كردستان العراق قلق بغداد وأدى في الأسبوع الماضي إلى تنفيذ الولايات المتحدة أول هجمات جوية داخل العراق منذ انسحابها العسكري في 2011.
وقالت القيادة الوسطى في بيان إن "الغارات الجوية التسع التي شُــــنت حتى الآن دمّرت أو ألحقت أضراراً بأربع حاملات أفراد مدرعة وسبع مركبات مدرعة ومركبتيْ همفي ومركبة مدرعة." وأضافت أن طائرات مقاتلة وأخرى مسيّرة بلا طيار شاركت في الهجمات موضحةً أن "كل الطائرات غادرت المناطق التي قُصفت بسلام."
كما أكدت القيادة الوسطى أن كل الهجمات استهدفت دعم الجهود الإنسانية في العراق وحماية الأفراد والمنشآت الأميركية هناك، بحسب ما نقلت رويترز عن البيان.
جاء هذا التطور بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على صدور القرار الأول من نوعه لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باستهداف جماعة الدولة الإسلامية التي سيطرت على أراضٍ في العراق وسوريا وجبهة النصرة الذراع السوري لتنظيم القاعدة.
القرار الذي صدر الجمعة (15 آب) بإجماع الدول الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يُـــدرج ستة من المتشددين في القائمة السوداء ويهدد بفرض عقوبات ضد من يموّل أو يجنّد أو يزوّد الجهاديين بالسلاح.
وجاء في نصّ القرار الذي اتُخذ ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أن مجلس الأمن "يدين بأقوى العبارات الأعمال الإرهابية للدولة الإسلامية وفكرها المتطرف العنيف وانتهاكاتها المستمرة الجسيمة الممنهجة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني."
وتضمن القرار الــمُلــزِم للدول الأعضاء في الأمم المتحدة إدانة تجنيد مقاتلين أجانب والاستعداد لإدراج أي أشخاص يقومون بتمويل أو تسهيل سفر المقاتلين الأجانب على القائمة السوداء. كما عبّر عن القلق لاستخدام عائدات النفط من الحقول التي تسيطر عليها الجماعتان في تنظيم هجمات.
وكانت بريطانيا أعدّت مسودة القرار مستهدفةً في بادئ الأمر أن يتم إقرارها بحلول نهاية آب ولكنها عجّلت خطتها بسبب التقدم الميداني المتواصل لتنظيم الدولة الإسلامية الذي اقترب عناصره الأسبوع الماضي من أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.
وبعد صدور القرار، قال مارك ليال غرانت سفير بريطانيا في الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن للشهر الحالي "لا يمكنهم البقاء بشكل مستقل عن العالم الخارجي وإذا تسنى وقف هذا الدعم من العالم الخارجي فلن يملك هذا التنظيم الموارد لمواصلة أنشطتة". وأضاف في تصريحاتٍ للصحافيين في مقر المنظمة الدولية في نيويورك:
"يــــوفّــــــر هذا القرار إطاراً إضافياً للاستجابة الإستراتيجية والدولية على المدى الطويل للتهديد. وهو يرسل على وجه الخصوص رسالة سياسية واضحة بأن المجتمع الدولي يدين بشدة أعمال داعش الإرهابية الوحشية والطائشة، ويرفض فكرها المتطرف العنيف، فضلاً عن أنه متّحد في عزمه على معارضة ومواجهة هذه الجماعة."
كما أوضح غرانت أن "هذا القرار لا يجيز العمل العسكري. لا توجد حاجة لقرارٍ يجيز العمل العسكري. والإجراء الذي يتم اتخاذه حتى الآن هو بناءً على طلبٍ من الحكومة العراقية"، بحسب تعبيره.
وكان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أدلى بتصريحاتٍ في بروكسل بعد الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة وقبل بضع ساعاتٍ فقط من صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، قال فيها:
"لقد أجرينا نقاشاً مطولاً عن الوضع في العراق، واستنتاجاتُ مجلس الأمن اليوم تُظهر التزام الدول الأوروبية في دحر التهديد الذي تشكّله داعش على الحضارة وعلى المنطقة وعلينا هنا في أوروبا أيضاً."
وأضاف هاموند:
"المملكة المتحدة باعتبارهها الرئيس الحالي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اتخذت دوراً قيادياً في صوغِ قرارٍ يدين داعش ويسعى لتجميد مصادر تمويلها. وهو قرار يتخذ للمرة الأولى خطواتٍ ضد أفراد إرهابيين ومّن يمّولونهم ويزوّدونهم بالتسهيلات."
يُشار إلى بيان صحفي نُشر على الموقع الإلكتروني للحكومة البريطانية الجمعة قبل حضور هاموند الاجتماع الأوروبي الطارئ وقال فيه "لابد وأن يشهد العراق عملية انتقال سلسلة للسلطة" معرباً عن أمله في أن يساهم قرار رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي بتأييد رئيس الوزراء المكلّف حيدر العبادي "بتعجيل تشكيل حكومة موحدة وممثلة للجميع كي تتمكن من معالجة التحديات الأمنية والإنسانية والسياسية الكبيرة التي يواجهها العراق"، بحسب تعبيره.
وأضاف هاموند "أن بريطانيا ملتزمة تماماً بالعمل مع حكومة عراقية ممثلة للجميع تضم الكتل الشيعية والسنية والكردية الأساسية بينما يتفقون على اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لإرهابيي داعش، واتخاذ تدابير لحماية كافة المواطنين العراقيين، ويحظون بتأييد دائم من المجتمع الدولي"، بحسب ما ورَد في نصّ البيان الصحفي المنشور على موقع الحكومة البريطانية.
وفي أقوى تعبيرٍ يصدر عن إحدى القوى الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي عن العزم على مواجهة الإرهاب، أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الأحد (17 آب) أن على بلاده استخدام كل "قدراتها العسكرية" للتصدي للدولة الإسلامية، محذراً من أن هذا التنظيم المتطرف "قد يستهدفنا في شوارعنا" اذا لم يتم وقف تقدمه.
صدَر تأكيدُ كاميرون في سياق مقالٍ نشره في صحيفة (صنداي تلغراف) Sunday Telegraph تحت عنوان "داعش تشكل تهديداً مباشراً ومميتاً لبريطانيا"، وقال فيه إنه في حال عدم التحرك "لوقف هجوم هذه الجماعة الإرهابية بالغة الخطورة فهي ستواصل بناء قوتها إلى أن تتمكن من استهدافنا في شوارع المملكة المتحدة".
وأضاف "أوافق على أنه يتعين علينا أن نتجنب إرسال جيوش للقتال أو للاحتلال، ولكن علينا أن نعترف بأن المستقبل الأكثر إشراقا الذي ننشده يتطلب وضع خطة طويلة الأجل".
رئيس الوزراء البريطاني ذكر أن "الردّ الإنساني" لوحدِه على الأزمة في العراق ليس كافياً ذلك "أننا نحتاج أيضاً إلى رد سياسي ودبلوماسي أوسع. ولهذا الغرض، ينبغي أن ندرك الطبيعة الحقيقية للتهديد الذي يواجهنا. يجب أن نكون واضحين بأن هذه ليست هي (الحرب على الإرهاب) كما أنها ليست حرب الأديان. فهي نضال من أجل اللياقة والتسامح والاعتدال في عالمنا المعاصر. إنها معركة ضد إيديولوجية سامّة نددت بها جميع الأديان وكل رجال الدين سواء كان مسيحياً أو يهودياً أو مسلماً"، بحسب تعبيره. وأضاف كاميرون "أن متشددي داعش استغلوا عدم وجود حكومة موحدة وتمثيلية في بغداد. لذلك نحن نرحب بقوة بفرصة بداية جديدة مع رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي. لقد تحدثت معه في وقت سابق من هذا الأسبوع مؤكداً له أننا سندعم أي محاولات لتشكيل حكومة شاملة بحق يمكنها أن توحّد جميع الأطياف العراقية ضد داعش العدو المشترك" للجميع.
وجاء في المقال أيضاً أن الأمن لا يمكن أن يستـــتبَ إلا "اذا استخدمنا كل مواردنا: المساعدات، الدبلوماسية، قدراتنا العسكرية"، مؤكداً أنه ينبغي على بريطانيا أن تتعاون مع دول مثل السعودية وقطر ومصر وتركيا و"ربما حتى مع إيران" من أجل التصدي للتنظيم المتطرف، بحسب تعبير كاميرون.
ولمزيدٍ من المتابعة والتحليل، أجريتُ مقابلة مع الكاتب البريطاني من أصل مصري عادل درويش الذي أجاب أولاً عن سؤال لإذاعة العراق الحر بشأن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قائلاً "إنه قرار في غاية الأهمية رغم صدوره متأخراً لأن داعش الآن لديها من الإمكانيات البترولية والمادية بعد الحصول على ما كان موجوداً في البنك المركزي في الموصل ودخل البترول وما إلى ذلك ما يُــمكّنها من الاستقلال بنفسها كما حصل مع إمارة أفغانستان".
وفي تعليقه على مقال كاميرون والأسباب التي دفعت رئيس الوزراء البريطاني إلى نشرِه الأحد، قال درويش إنه "بعد تجربة حربيْ العراق وأفغانستان ووجود رأي عام يندد باستراتيجية توني بلير معتبراً أنه كان مخطئاً في دخول العراق.......فإن كاميرون حذّر من التورط في هذا الأمر. وفي هذا الإطار، جاء التصويت في مجلس العموم البريطاني العام الماضي ضد ضربات جوية على سوريا...ولكن كاميرون تعرّض في الأسبوعين الأخيرين لضغوطٍ كان آخرها ما كتبتُه في صحيفة (إيفننغ ستاندرد) يوم الأربعاء الماضي وقلتُ فيه إن الوقت حان لأن يتبنى نوعاً من القيادة ويتحرك بزعامة لاتخاذ قرار خاصةً وأن حديثي مع مسؤولين عرب من بينهم رؤساء حكومات أشاروا إلى أهمية عدم ترك أميركا وحدها تتولى هذا الأمر في العراق ولا بد من وجود بريطاني لكون بريطانيا تفهم هذه المنطقة جيداً..."، بحسب تعبيره.
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، تحدث الكاتب البريطاني من أصل مصري درويش عن موضوعات أخرى ذات صلة ومن بينها ما أوردَه كاميرون في مقاله من إشارةٍ إلى المكالمة الهاتفية التي أجراها مع العبادي وأكد فيها دعم بريطانيا لتشكيل حكومة عراقية شاملة.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقاطع صوتية من تصريحات وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند والرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي سفير بريطانيا في الأمم المتحدة مارك ليال غرانت، إضافةً إلى مقابلة مع الكاتب البريطاني من أصل مصري عادل درويش.