في الوقت الذي تتواتر فيه الاخبار عن تقدم مسلحي "داعش" للسيطرة على بلدات ومناطق أخرى في شمال ووسط العراق مما يهدد حياة عشرات الالاف من المدنيين بمختلف طوائفهم ودفعهم الى نزوح جماعي عن بيوتهم، دعت بعثة الامم المتحدة في العراق، الخميس،قادةَ الكتل السياسية الى الالتزام بالتوقيتات الدستورية لتكليف المرشح بتشكيل الحكومة، وحثت رئيس الجمهورية فؤاد معصوم على "اداء مسؤولياته الدستورية بـ"تكليف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة"، موكدة أن العراق لا يتحمل في هذا الوقت الحرج أي تأخير دستوري في هذا الشأن.
وقال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف في بيان إن "هذا الامر أساسي لجمع شمل البلاد وتأمين حلول ناجعة ومستدامة للتحديات الخطيرة التي تواجه البلاد"، مبينا أن الالتزام بالدستور فقط والحفاظ على العملية الديمقراطية يمكن من خلاله معالجة الأزمة الراهنة التي تهدد الحياة وضمان سيادة واستقلال العراق.
نواب: صفقات "عدم المساءلة" موجودة لكنها مستورة
يقترن الحديث عن العملية السياسية لدى العديد من العراقيين، بما سمعوه عن اتفاقات وصفقات تمهد للقرارات السياسية المهمة والترشيحات للمناصب الرئاسية، ومن ذلك ضمانات بعدم ملاحقة قضائية كما حصل في حالات سابقة، والقول للمحلل السياسي جاسم الموسوي الذي نوه الى ان البعد السياسي غالبا ما انتصر على البعد القانوني، ما اضر بالعملية السياسية في العراق، وبرغم عدم وجود بوادر تشير الى طلب المالكي لعدم المقاضاة فان مبدا الصفقات مارسها البعض مثل رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، ورئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني عندما فرضا شروطا لتنحيهما عن المنصب او التنافس.
ولا ينفي برلمانيون وجود هكذا تفاهمات او صفقات برغم أنها غير متداولة رسميا في مجلس النواب، لكنها قد تحضر في مفاوضات قادة الكتل او داخل نفس الكتلة المعنية، والرأي لعضو التحالف الكردستاني النائب بيستون زنكنه.
ولا يستبعد ذلك أيضا عضو كتلة متحدون للإصلاح، جاسم الفلاحي الذي ذكر في حديثه لإذاعة العراق الحر أن كل شيء وارد وقابل للمساومات والاتفاقات وراء كواليس السياسة العراقية، ومن ذلك ضمانات قد يطلبها المتنافسون الكبار كجزء من صفقات سياسية.
وفي الوقت الذي يناقش فيه رئيسا الجمهورية ومجلس النواب فؤاد معصوم وسليم الجبوري عصر الخميس ملف الكتلة النيابية الأكبر تمهيدا لترشيح رئيس للوزراء، اعتبر عضو ائتلاف دولة القانون بهاء جمال الدين الحديثَ عن هكذا صفقات غير قانوني او دستوري، بله مسيئ للعملية السياسية، وشدد جمال الدين على ضرورة خضوع الكل للقانون دون تمييز او استثناء.
لا ينص الدستور العراقي على أي استثناء او معصومية عن المساءلة القانونية الا لأعضاء مجلس النواب خلال فترة توليهم المسؤولية فحسب، والقول للخبير القانوني طارق حرب، الذي عزز كلامه بالإشارة الى أن عددا من أعضاء مجلس النواب السابق يواجهون حاليا المساءلة القضائية حول أمور مختلفة. ويشير حرب في حديثه الى إذاعة العراق الحر الى ان الامتيازات المادية والحماية الشخصية التي حضي بها البعضُ من أصحاب الدرجات الرفيعة بعد مغادرتهم مناصبهم، لا تمثل حماية قضائية لهم ابداً.
العطية: درء المصائب الكبرى بمصاعب صغرى
الى ذلك يرى القيادي في حزب العمل الديمقراطي شاكر كتاب، أن جميع أطراف العملية السياسية في العراق ربما بحاجة الى ضمانات بعدم مقاضاتهم من قبل مواطنيهم بسبب ما تتعرض اليه البلاد على الصعيد الأمني والعسكري والاقتصادي والإنساني، كاشفا في مقابلة هاتفية مع إذاعة العراق الحر عن ان نهج "المعلن والمخفي" في السياسية العراقية غالبا ما اعتمده سياسيونا. عندما لا يفصحون عن كل اوراقهم في مختلف المناسبات.
وفي مقابلة مع مدير المعهد العراقي للتنمية والدمقراطية في لندن (يمكن الاستماع اليها في الملف الصوتي المرفق)، كشف الدكتور غسان العطية عن أن تمادي قادة الكتل السياسية في إطالة الوقت والتباطؤ في حسم القرارات والاتفاق على الترشيحات يعود لأنهم حَرموا نوابَهم من ممارسة دورهم الدستوري تحت قبة البرلمان.
وأشار العطية الى أن مفهوم ضمان الحماية من المقاضاة عند التخلي عن المنصب او سحب الترشح، تكرر عراقيا في بعض الحالات، مشيرا الى ان الامر له نماذج على المستوى الدولي، ومن ذلك اضطرار الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون بالتنحي في بداية فترة رئاسته الثانية بسبب فضيحة ووترغيت تحت وطأة تهديد الكونغرس بإدانته.
وعرج غسان العطية في حديثه الى أسلوب المناورة التي يعتمدها البعض من السياسيين في تفسير الدستور والقانون وقرارات المحكمة بحسب مصالح الكتل وقادتها، والموسم السياسي.
تحدث العطية عن محاولة انطوت على فكرة الضمان بعدم المساءلة القانونية، عندما قدم عدد من الشخصيات العراقية (وبضمنهم العطية نفسه) مطلع عام 2013 مذكرة الى رئيس الوزراء نوري المالكي تضمنت مقترحا بتنحيه عن المنصب، والتوجه لإجراء انتخابات مبكرة مع ضمان حصانة للرئاسات الثلاث بعدم ملاحقتهم قانونيا كمقترح حينها "لدرء المصائب الكبرى بمصاعب صغرى"، بحسب العطية، وللتخفيف من التوتر السياسي الذي رافق تلك الفترة ومازالت تأثيراته وتداعياته واضحة على الأوضاع الحالية في العراق.
شارك في الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد