أضاف سقوط ُ مدنٍ عراقية أخرى بيد مسلحي الدولة الاسلامية "داعش" وسيطرتهم الاحد على سد الموصل المائي، مزيدا من الأعباء على الواقع العراقي المحتدم بمشاكله ومفارقاته ومآسيه. فقد احتل خبرُ سيطرة المسلحين المتشددين على مدن سنجار وزُمار ووانه فضلا عن سد الموصل، أكبر سدود بلاد الرافدين، صدارة أخبار الوكالات العالمية في عطلة نهاية الأسبوع، رافقتها تساؤلاتٌ عراقية محبَطة عن أسرار عجز قوات البيشمركه الكردية عن مواجهة مسلحي "داعش"، وانسحابها من تلك المواقع، ما أثار استغرابَ وتساؤل العديد من العراقيين ومنهم إبراهيم خالد من بغداد، الذي انتقد في لقاء مع إذاعة العراق الحر مبالغة البيانات العسكرية العراقية في تحقيق انتصارات على "داعش"، في الوقت الذي يكتسح الأخير مناطق ومدنا جديدة.
محلل: تراجع البيشمركه سيدفع الى تنسيق أفضل مع الجيش
وفي تقييمٍ عسكري لخسارة البيشمركه مدناً ومناطق مهمة خلال الأيام الأخيرة، اشار المتحدث الأسبق باسم وزارة الداخلية اللواء عبد الكريم خلف الى محدودية قدرات البيشمركه بغياب دعم جوي من الجبش العراقي الذي هو ذاته بحاجة الى معالجة اكثر من خلل في قدرات العديد من وحداته. وأخذاً بنظر الاعتبار التركيبة السياسية والفكرية والاجتماعية في مناطق نينوى وتأثيرها على ظروف احتلال الموصل وما تلاها من المناطق في حزيران المنصرم، شخص اللواء خلف أيضا مساوئ اقحام الجيش في المدن وانفتاحه لتولي مهام الشرطة المحلية فضلا عن ضعف برامج التدريب لعناصره.
وليس بعيدا عن هذا الرأي، لا يُلقي الخبيرُ العسكري أحمد الشريفي باللائمة على المؤسسة العسكرية والأمنية لانهما تُداران بإرادة سياسية واحدة بحسب رأيه، وبالتالي فأن فشلهما في الأداء مرتبط بفشل تلك الإدارة السياسية. ويرى الشريفي خلال حديثه لإذاعة العراق الحر أن انهيار قوات البشمركة كقوات كفوءة ومدرّبة أمام مقاتلي داعش، مثلَ ناقوسَ خطر لجميع الاطراف والقوى العراقية، مما يحثها الى العمل المشترك لمواجهة المخاطر المحدقة، ومن ذلك إعادة تقييم واعداد للقدرات العسكرية الوطنية.
في غضون ذلك وردت اخبار موجزة ساعة اعداد هذا الملف عصر الاثنين عن أن القائد العام للقوات المسلحة أصدر أوامر الى قيادتي القوة الجوية وطيران الجيش بتقديم الاسناد الجوي الى قوات البيشمركه.
الفشل العسكري قد ينقلب تحسناً سياسياً
من جانبه يعترف الخبير الأمني سعيد الجياشي بان العلاقة بين القوات العسكرية العراقية وقوات البيشمركه لم تكن جيدة كما ينبغي، متوقعا أن يدفع تعرّضُ كلا الطرفين الى ذات المخاطر، بقياداتهما الى التنسيق المشترك مستقبلا. واذا ما كان هذا رأياً عسكريا، فان رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي يثني عليه سياسيا، لكنه يبدي خشيته من عدم بلوغ اغلب السياسيين العراقيين درجة الوعي المطلوب والمسؤول بخطورة الموقف والمرحلة على المستويات العسكرية والأمنية والإنسانية.
وكانت الامم المتحدة أعلنت يوم الأحد، عن فرار حوالي 200 ألف شخص من قضاء سنجار غربي الموصل بعد سيطرة تنظيم "داعش" عليه ، واصفة ما يحدث بـ"المأساة الإنسانية". وقال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ميلادنوف في بيان، إن مأساة ً انسانية تحدث في مدينة سنجار، كاشفا عن مخاوف كبيرة على سلامة هؤلاء المدنيين المحاصرين من قبل مقاتلي الدولة الاسلامية في جبال سنجار، معتبراً الوضع الانساني لهؤلاء المدنيين وخيماً، فهم بحاجة الى مواد اساسية كالطعام والمياه والدواء.
من جانبها حذرت مفوضية حقوق الانسان في بيان من ان الأيزيديين والتركمان العالقين في جبل سنجار معرضين للإبادة الجماعية، داعية الى اغاثتهم بشكل عاجل.
برغم مأساوية المشهد الأمني والعسكري والإنساني في مناطق عديدة من العراق وما نجم عن تمدد تنظيم "داعش" على مساحات شاسعة، يغيب عن المشهد حتى الان الفعلُ السياسي والإداري الحازم والسريع المنتظر في مثل هذه الظروف.
مراقبون يحذرون من نتائج "استمراء" الساسة لعبة التزاحم والتنافس والصراع على المناصب وتعريف الكتلة الأكبر وولاية رئاسة الوزراء في وقت يتحرك الداعشيون في وضح النهار لتحقيق أهدافهم في تغيير خارطة المنطقة. وتعليقا على ذلك ابدى الكاتب والإعلامي حميد عبد الله خشيته من أن "الداعشيين" قد يجدون الساسة وقد أمسك بعضُهم بتلابيب بعض، ووصل عراكهم على المناصب الى حد يجعلهم يبيعون كل شيء، ويستسهلون كل شيء، وخلف ظهورهم لافتة كتب عليها: إذا مت ضمآنا فلا نزل القطرُ!!
كاتب: هيكل تنبأ بعجز البيشمركة؟
وفي تقييمه لظروف سيطرة مسلحي "داعش" على مزيد من المدن والمناطق وازاحتهم لقوات البيشمركه الكردية خلال اليومين الأخيرين، قال عبد الله في مقابلة هاتفية مع إذاعة العراق الحر (يمكن الاستماع اليها في الملف الصوتي)، ان قوات البيشمركه لا تختلف كثيرا عن الجيش العراقي في مواجهة ذات العلل. فقد تحولت تلك القوات أيضا برأيه الى مؤسسة يعتاش عناصرها من مراتب يحوزون عليها من المؤسسة. ويشير عبد الله الى أن أربعة عناصر تجعل أي جيش مقتدر الكفاءة، وهي: المهارة، والعقيدة القتالية، والقضية، والقيادة، وهذه العناصر غير متوفرة بنحو كامل لا في الجيش العراقي ولا البشمركه، بحسب رايه
واشار الكاتب عبد الله خلال المقابلة الى تقييم للكاتب والصحفي المصري محمد حسنين هيكل قبل حوالي عشرين يوما، لقوات البيشمركه الكردية جاء فيه "انها قوات ضعيفة وقيادات عائلية فاسدة وسوف تشاهدون انهيارها في اول معركة". وأن "دخول رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني كركوك يذكر بدخول صدام للكويت"، بحسب ما نقل عن هيكل.
كاتب: السياسيون سكارى وما هم بسكارى!
وحول ما يُتوقع من المسؤولين والسياسيين العراقيين إزاء تطورات الاحداث وتحقيق داعش المزيد من المكاسب، قال الاعلامي حميد عبد الله عنهم انهم سكارى وما هم بسكارى، منشغلون بالنزاع على السلطة وبتحديد "الكتلة الأكبر"، والكتلة الأصغر، والصراع على منصب رئيس الوزراء، ووجود الولاية الثالثة من عدمها، والمكاسب والمغانم.. بعيدا عن تداعيات زحف "داعش" وهو يقضم و ينخر جسد العراق، ليشيع الخراب حيثما حل. وبهذا الشأن اعتبر عبد الله ان مأساة النازحين المتزايدين في العراق نتاج لما يسميه خلال المقابلة بـ"الطاعون السياسي" التي تسبب في مشاكل عديدة في البلاد ليس آخرها النزوح المأساوي لمئات الالف من العراقيين الذي لا يجد اهتماما مناسبا من الدولة والسياسيين. ويخاطب الكاتب عبد الله الساسة العراقيين قائلا: اذا كان الشعب لا يعنيكم، والوطن لا يعني لكم سوى محفظة نقود.. الا تستحق هذه المحفظة ان تذودوا عنها؟ ان تعلقوا خلافاتكم بعض الوقت لتصدوا الغزو؟، مستعيدا قول الامام علي بن ابي طالب (ما غُزيَ قوم في عقر دارهم إلا ذُلّوا) ؟
شارك في الملف الصوتي للملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد