مازال سقوط مدينة الموصل بيد مسلحي (داعش) يثير الجدل والتساؤل بين العراقيين، في حين يعدها بعضهم القشة التي قصمت ظهر بعير الواقع السياسي والعسكري والاداري الذي هو بحاجة الى الكثير من التصحيح والتغيير.
وبرغم استمرار التوترات السياسية الناجمة عن سيطرة (داعش) على عدد من المدن والمناطق في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى، تغلب على تصريحات معظم السياسيين العراقيين سمة الانتقاد والاتهام المتبادل.
فوزير الخارجية هوشيار زيباري حمّل يوم الخميس رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي والقوات الأمنية التي تأتمر بأمره مسؤوليةَ صعود الجماعات الاسلامية المتطرفة وسيطرتها على مناطق واسعة من العراق.
وقال زيباري في مقابلة مع فضائية "العربية" إنه توجد أطراف سياسية أخرى تتحمل المسؤولية، لكن أكبر مسؤولية تقع على عاتق الشخص المسؤول عن السياسات العامة،مؤكدا أن القائد العام للقوات المسلحة ووزيري الدفاع والداخلية يتحملون أيضا هذه المسؤوليات.
الشلاه: لماذا الآن؟
جاءت تصريحات زيباري في فترة تشهد توترا بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان، برغم الجهود الجارية لإتمام مخرجات البرلمان الجديد في تسمية الرئاسات الثلاث، التي حَسمت لحد الآن منصبي رئاسة البرلمان والجمهورية، وبانتظار تسمية رئيس الوزراء للحكومة المنتظرة المثير للجدل.
يذكر أن الكتلة السياسية الكردية جمَّدت في تموز الماضي مشاركة وزرائها في جلسات مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية، احتجاجا على قول المالكي ان الاكراد يسمحون ببقاء "الإرهابيين" في أربيل عاصمة إقليم كردستان.
في هذا الشأن توقف عضو ائتلاف دولة القانون علي الشلاه عند تزامن تصريحات زيباري مع فشل كردي في تصدير نفط الإقليم اثر القرار القضائي الأمريكي بوقف تسويق شحنات النفط من الاقليم، إضافة الى "يأس" زيباري من تجديد تسنمه وزارة الخارجية العراقية بحسب تعبير الشلاه، الذي وجه انتقادا الى أداء زيباري كوزير للخارجية محملا إياه جانبا من اخفاق العراق على الصعيد الدبلوماسي، مستحضرا بهذا الشأن حادثة تظاهر عدد من الدبلوماسيين والموظفين الكرد في السفارة العراقية في لندن مطالبين بانفصال الإقليم عن العراق.
لكن مستشار رئيس إقليم كردستان الإعلامي كفاح محمود شدد في حديثه لإذاعة العراق الحر، على ان تصريحات زيباري الأخيرة تنطلق من تعبيرها عن رأي عام عراقي فضلا عن رأي كردي، مقابل أداء اعلامي تضليلي لحكومة المالكي يتجنب الحديث عن حقيقة الاحداث.
الإقليم: حذرنا المالكي مبكراً من "داعش" لكنه لم يحتط
واكد كفاح محمود على موضوعية التساؤل وتشخيص عن المتسبب بسقوط الموصل وتدفق الداعشيين على الانبار ونينوى وصلاح الدين، فهذا برأيه تساؤل عراقي مشروع وليس تصعيدا للازمة كما يحاول للبعض وصفه، وكشف محمود عن ان قيادة الإقليم نبهت مبكرا رئيس الوزراء المالكي عن مخاطر نمو الجماعات الإرهابية المسلحة في تلك المحافظات، لكن الأخير لم يستجب لتلك التحذيرات.
وفي اطار تحليل المواقف يتساءل مدير مركز الدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي عن عدم إطلاق زيباري تصريحات انتقادية مشابهة قبل ان يجمد وزملاؤه الكرد مشاركتهم في اجتماعات مجلس الوزراء، وبرغم إقرار الهاشمي بمهنية وموضوعية أدارة زيباري للدبلوماسية العراقية ، الا انه يجد ان التصريحات الأخيرة جاءت بدفع من رئيس الإقليم مسعود بارزاني ضمن سعيه المتصاعد لتحقيق مكاسب سمحت بها الظروف التي تلت سقوط الموصل.
الهاشمي أشار الى ان عودة الرئيس السابق جلال طالباني من مشفاه، قد تسهم في كبج جماح بارزاني للفوز بمزيد من المكاسب، خالصاً الى ان إقليم كردستان يشهد ايضا اختلافات في وجهات النظر السياسية في مسائل جوهرية ومنها موضوع انشاء دولة كردية منفصلة عن العراق.
يُرجع مراقبون أسباب سقوط الموصل إلى عدة عوامل منها عدم كفاءة ومهنية القادة الميدانيين، حيث هرب بعضهم تاركين جنودهم بمواجهة شراسة مسلحي داعش، إضافة الى سوء منظومة التنسيق والتواصل والترابط بين القيادة والجنود، اضف الى ذلك تعاطف بعض السكان المحليين في الموصل مع الجماعات الوافدة من المسلحين، ووجود فصائل داعمة وحاضنة على الأرض، وعدم اكتراث القيادة العليا بتحذيرات سابقة من عدة جهات عما يمثله المسلحون من خطر على محافظة نينوى ومحافظات اخرى.
زيباري: المالكي يتحمل المسؤولية، والجيش لم يكن محترفاً
وبهذا الشأن يرى كثيرون ان احداث العاشر من حزيران كشفت عن واقع مقلق لكفاءة المؤسسة العسكرية ومهنية الجيش العراقي وولائه وانضباطه.
وهذا ما أشار اليه وزير الخارجية هوشيار زيباري في حديثه لفضائية العربية المملوكة للسعودية، إذ قال: "ان الجيش لم يظهر بمستوى مسؤولية واجبه في حماية البلاد، فظهر جيشا لا يحمل عقيدة ومبدأ في عمله، واثبتت سرعة انهياره وجود خلل في بنيته ما يؤكد ضرورة إعادة بنائه على اسس احترافية ومهنية، وهذا ما ينبغي على الحكومة الجديدة ان تأخذه بالحسبان".
وكانت إذاعة العراق الحر اجرت اتصالا هاتفيا مع أحد الجنود المنسحبين من الموصل اثر دخول مسلحي داعش اليها في العاشر من حزيران، حينها اعترف (س. ع.) بارتباك وضبابية الموقف والاسئلة المحيرة التي ما زالت تشغله كجندي بعد هروبه متسللا مع آلاف المدنيين من أهالي الموصل النازحين الى خارج مدينتهم، واعترف الجندي بانه لم يزود بالأوامر والتوجيهات والخطط التي تنم عن تهيؤ عسكري محترف بمواجهة هجوم المسلحين على الموصل.
خبير: خلل في إدارة الازمة في العراق
يرجع الخبير الأمني احمد الشريفي سقوط الموصل واستيلاء داعش على مساحات شاسعة من العراق الى خلل بيّن في أداراه الازمة في العراق سياسيا وعسكريا، ما يفسر تراجع أداء وكفاءة المؤسسة العسكرية .
وكان وزير الخارجية زيباري أشار في تصريحاته الى فضائية "العربية" الى انه "تعرضنا الى مئات من المواقف المحرجة دولياً، عملنا على معالجتها، وهو ما يتطلب رؤية شاملة وفهما لعلاقات العراق مع محيطه والعربي والإقليمي والدولي"
ويخلص الخبير الامني الشريفي الى ان الأداء المرتبك في العملية السياسية أدى الى خسائر لاحقة منها ضعف استثمار العامل الإقليمي والدولي في دعم الملف الأمني في العراق، إذ لم يوفق العراق في بناء علاقات دبلوماسية مستقرة مع محيطه الإقليمي والعربي، ما يجعل تصريحات زيباري الأخيرة مفهومة الدلالة، وتضاف الى تساؤلات العراقيين بشأن ملفات عديدة، ومنها ما يتعلق بالسياسة الخارجية العراقية.
شارك في الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد