يتعرض النازحون من مختلف اطيافهم الى جريمة وكارثة انسانية، بعد ان تركوا مناطق سكناهم وممتلكاتهم وراءهم وهربوا طلبا للنجاة من بطش مسلحي تنظيم (داعش) الذين عاثوا فساداً وقتلا في عدد من المناطق، لكن الجرائم الاكثر بشاعة حصلت في الموصل عندما استهدفوا الشبك والتركمان وهددوا المسيحيين واقليات اخرى، فهرب الجميع الى اقليم كردستان ومحافظات الوسط والجنوب، في اكبر عملية نزوح يشهدها العراق في تاريخه.
جميع النازحين يحملون قصصا مرعبة وذكريات مؤلمة عما حصل لهم وهم في طريق الخروج من الموصل وقطعوا المسافة على مدى ايام ذاقوا خلالها القلق والالم والجوع والمرض والخوف. واستقبلت العاصمة بغداد مئات العائلات، بعضها وجد ملاذا عند اقاربه، والعدد الاكبر منها تم إسكانهم في الحسينيات والجوامع والمدارس. وهبَّ المواطنون لتقديم يد العون لهم الى جانب منظمات المجتمع المدني، فوفروا لهم الملابس والطعام والشراب والمستلزمات الاخرى التي تعينهم على حياة اقل من بسيطة.
في متوسطة غرناطة للبنين بحي الطالبية شرق بغداد سكنت نحو 12 عائلة بعد ان اخلت ادراة المدرسة صفوف الدراسة وهيأتها لهم. ويقول مدير المدرسة عادل خشن كريم انه قام متطوعا مع عدد من المدرسين بتهيئة الصفوف وامداد النازحين بالافرشة والملابس من قبل المواطنين الذين قال انهم لم يتوانوا يومياً من تقديم كل اشكال المساعدة لهم، وان المدرسة على استعداد لاستقبال عائلات اضافية.
قصص مؤلمة
واخلت ادارة المدرسة احدى الغرف لتكون مخزناً للطعام والشراب الذي يتبرع به المواطنون بالاضافة الى الافرشة وادوات الطبخ ومبردات الهواء ومولدات الكهرباء وثلاجات. اما العائلات النازحة التي وجدت من المدرسة مكانا آمنا لها فتجد نفسها محظوظة بعد ان قطعوا طرقا صعبة جدا وخطرة وكان الخوف والمعاناة والالم يرافقهم اينما حلوا. ويتحدث ابو ضياء عن رحلة الخوف هذه عندما هرب مع افراد اسرته المكونة من ثلاث عائلات وتوجه صوب سنجار وقضى فيها ليلة ثم توجه الى دهوك ومن ثم الى اربيل فكركوك وديالى وبغداد، فكانت رحلة شاقة جدا له ولاسرته.
وتحدثت نساء تركمانيات عن معاناتهن وكيف خرجن ليلا من تلعفر وتركن بيوتاً عامرة بالاثاث استولت عليها (داعش). النسوة طالبن الحكومة بحسم القتال في الموصل للعودة الى منازلهم، كما دعوا رئيس الحكومة الى صرف رواتب ازواجهن المموظفين.
ام محمد هي الاخرى عانت مع اسرتها من مشقة الطريق لاسيما وان ابنتها الشابة بتول كانت حاملاً في الشهر الاخير، ولحسن حظها ولدت في المدرسة قبل ايام. تتحدث ام محمد عن اطفال وكبار بالسن توفوا اثناء رحلة الهرب في سنجار بعد اصابتهم بالاسهال نتيجة تلوث الماء.
وتحدثت سكينة سعد الياس (60 عاما) بالم عن نزوحهم وترك منازلهم في تلعفر التي تقول انها لن تعود اليها الا بعد تحرير الموصل، وهي تعاني من امراض عديدة.
وتقول الشابة ام عبدالله انها جاءت مع عائلة زوجها المكونة من تسعة افراد. لديها طفلة صغيرة بعمر تسعة اشهر لا تمتلك هوية احوال مدنية لها لان الاوضاع الامنية حال دون استخراج الهوية لطفلتها. تقول ام عبد الله انهم عندما سمعوا بقرب وصول مسلحي (داعش) الى تلعفر هربوا للنفاد بجلدهم وتركوا اموالهم والمصوغات الذهبية في البيت، وتتحدث شبه متأكدة بان (داعش) استولت على الاموال والذهب والحاجات الثمينة.
النازحون والعيد
اغلب العائلات النازحة من الموصل سيمر عليها العيد كبقية الايام، فلسان حالهم يقول (عيد باي حال عدت يا عيد)، فلا بيوت عامرة ولا احياء امنة، وتشتت الاهل والاحبة وتفرقوا في انحاء شتى لايمكن للعيد ان يجمعهم كما السابق. يؤكد النازح التركماني اثير محمد ياسين انه يعمل شرطيا ومنذ شهرين لم يستلم راتبا لتمشية امور عائلته المهجرة والمتكونة من تسعة افراد. يقول ان عيد هذا العام يشعرهم بالالم والحزن معا.
وشكت العائلات النازحة التي تسكن مدرسة غرناطة من عدم وجود حمامات ومغاسل فالرجال يستحمون في الجامع والنساء عند زوجة حارس المدرسة. ويؤكد مدير المدرسة عادل خشن كريم ان حمامات المدرسة مصممة للطلبة وليس لعائلات تسكن فيها، لافتا الى ان بعض المسؤولين وعدوهم بتزويدهم بحمامات جاهزة وهم بانتظار الوفاء بالوعد.
تبرعات متواصلة
وخلال تواجد إذاعة العراق الحر في المدرسة لم تتوقف المساعدات العينية والغذائية ، فالمواطن ابو حسين من اهالي منطقة الطالبية فضّل التبرع بالمال لكل عائلة مهجّرة، لمساعدتها في تسيير امورها، مبينا انه سيواصل تقديم المساعدة لهم. اما ابو محمد فقد تبرع بالمال والبقوليات مؤكدا ان مساعدة العائلات النازحة واجب انساني وقد مر مواطنون آخرون في حقبة التسعينات وبعد عام 2003 بالظروف نفسها.
وتطوع عدد من شباب المنطقة لتقديم المساعدة للعائلات النازحة. ويؤكد الشاب مالك رحمة ناهي انهم يقفون عند احتياجات تلك العائلات ويرافقوهم الى المستشفى. ولم يتوقف الامر على تقديم المساعدة فقد احضر مالك حلاقين شباب لحلاقة الاطفال استعداداً للعيد. واثناء تواجد إذاعة العراق الحر في المدرسة كانت هناك رئيسة منظمة الودق لرعاية المراة والطفل انعام الخفاجي التي اكدت ان نحو 150 منظمة مجتمع مدني شكلت تجمعا لتقديم الخدمات للنازحين، وهي تقوم بتدوين المعلومات عنهم وتسليمها الى محافظة بغداد لاتخاذ الاجراءات الازمة وتقديم المساعدات. وبينت الخفاجي ان منظمتها قدمت مساعدات للنازحين عن طريق تجار في سوق الشورجة.
العائلات النازحة المتواجدة في مدرسة غرناطة بالطالبية تشعر بالقلق لاسيما وانه لم يتبق للموسم الدراسي الا القليل، غير ان احد المسؤولين وعدوهم بان هناك مجمّعين في منطقتي النهروان والحسينية سيتم الانتهاء منهما قريبا، ويحوى على مئات الكرفانات الصالحة لسكن العائلات النازحة وستوفر لهم كل الخدمات، وسيكون سكنا مؤقتا لهم لحين استقرار الامن في مناطقهم والعودة الى منازلهم.