يرى مراقبون أن ما يعرف بـ"الدولة الاسلامية" او (داعش) أصبح أحد أغنى التنظيمات المسلحة الإرهابية في العالم، خاصة بعد سيطرته على مدينة الموصل ومناطق أخرى في العراق. وبرغم عدم وجود بيانات محددة عما يتوفر عليه التنظيم من مبالغ ومصادر مالية، الا أن الآراء تتجه الى أنها خليط من أموال إقليمية ودولية فضلا عن موارد ذاتية استطاع التنظيم ان يوفرها لنفسه.
وكانت مصادر رسمية كشفت الشهر الماضي أن مقاتلي (داعش) استولوا على نحو 500 مليار دينار عراقي من البنك المركزي في مدينة الموصل، فضلا عما جَنوه من مصادر أخرى بما يمكّن الجماعة من إدارة عملياتها العسكرية وتوفير معاشات لألاف المقاتلين الوافدين من مختلف الدول، خصوصا وأن ما غنمته من أسلحة الجيش العراقي عند دخولها الموصل، خفّف من حاجتها للتسليح وشراء آليات وعجلات عسكرية.
عند البحث عن مصادر التمويل التي وقفت وراء انشاء ودعم تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام يحيلنا أستاذ العلوم السياسية خالد عبد الاله الى ما نسب الى المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية ادورد سنودن أن الأخيرة، وبالتعاون مع نظيرتها البريطانية ومخابرات إقليمية خططت لتشكيل مجاميع مسلحة تسعى لتفكيك المنطقة واثارة نزاعات طائفية، وهذا ما يبرر الدعم الخليجي المالي لداعش وامثاله من التنظيمات بعد عام 2003 بحسب عبد الاله.
التنظيم يطور مصادر تمويله
يعود اعلان تشكيل مايعرف بالدولة الإسلامية في العراق الى 15 تشرين الأول 2006 إثر اجتماعٍ لمجموعة من الفصائل المسلحة في العراق، وأختير حينها أبو عمر البغدادي زعيما له، وقد تبنى التنظيم العديدَ من العمليات النوعية داخل العراق آنذاك، وبعد مقتل أبو عمر البغدادي في 19/4/2010، أصبح "أبو بكر البغدادي" زعيما للتنظيم، إذ دفع به لواجهة الاحداث خصوصا بعد سيطرته المباغتة على مدينة الموصل ومساحاتٍ شاسعة من العراق خلال الشهر المنصرم.
لاحظ الخبير بالقانون الدولي محمد الشيخلي أن تنظيم داعش "الإرهابي" طور مصادرَ تمويله الإقليمية مضيفا لها موارده من الضرائب والاتاوات التي فرضها في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق، فضلا عما تعود عليه عمليات بيعه للنفط في تلك المناطق. وبين الشيخلي ان داعش عمل تحقيق الأهداف التي رسمت له عند تأسيسه، متوجها لاستقطاب المزيد من الشباب وضمهم الى صفوفه من خلال عمليات غسل الادمغة.
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي اتهم يوم السابع عشر من شهر حزيران المملكة العربية السعودية بشأن تمويل داعش، وقوبلت تلك التصريحات حينها برفض من الولايات المتحدة، إذ وصفتها المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين بساكي، بـ”العدائية وغير الدقيقة”.
يعترف الباحث الزائر بمركزBrookings institute بروكينغز- الدوحة،تشارلز ليستر بعدم توفر سجل حسابي متاح يكشف عن مشاركة حكومة إحدى الدول في انشاء وتمويل "داعش" كمنظمة، بحسب ما نقلت عنه وكالة دوتشيه فيلله الألمانية مؤخرا، لكن غونتر ماير مديرَ مركز أبحاث العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية لا يشكك مطلقا في مصدر أموال داعش، وقال لـلوكالة الألمانية إن دعمها قادم من دول خليجية "وفي مقدمتهم السعودية وأيضا قطر والكويت والإمارات”.
واوضح ماير أن سبب تمويل دول خليجية سُنية لداعش كان أصلا ً لدعم مقاتلي الحركة ضد نظام بشار الأسد في سوريا. لافتا إلى وعي السعودية بالمخاطر التي قد تنتج عن عودة مقاتلي داعش السعوديين وإمكانية انقلابهم على النظام السعودي نفسه. ويستدرك ماير حول طبيعة التمويل، مشيرا الى أن مصدر التمويل الأكبر لداعش ليس الحكومة نفسها وإنما “شخصيات سعودية ثرية”. بحسب دوتشه فيلله.
من يدير أموال التنظيم؟
وردا على تساؤل حول قدرات تنظيم داعش على إدارة موارده المالية، والمناورة في تسلم الدعم المالي من دول ومنظمات وشخصيات، دون الوقوع في مصائد غسيل الأموال أو ودعم الجماعات الإرهابية، قال الكاتب السياسي سالم مشكور إن عمليات تحويل مثل تلك الأموال غالبا ما تشرف عليها أجهزة مخابرات على مقدرة في المناورة في إيصال الدعم لتلك التنظيمات، وتوقع مشكور، خلال اتصال مع إذاعة العراق الحر، ان تقدم شخصيات وقيادات بعثية عراقية حاليا الى "تنظيم الدولة الإسلامية"، الخبرة الإدارية والمالية فضلا عن الخبرات العسكرية واللوجستية المتراكمة خلال سنوات الخدمة في مؤسسات الدولة العراقية.
تسنى لتنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على حقول ومنشئات نفطية مهمة في سوريا والعراق خلال الأشهر الأخيرة جعلها تتحكم بأهم مصدر لتمويل نشاطها وعملياتها، ويمكنها من شراء الأسلحة بشكل مستقل.
ويكشف رئيس مركز القدس للدراسات الاستراتيجية في الأردن عريب الرنتاوي عن ان "داعش" تبيع النفط حاليا بطرق غير مشروعة الى بعض الجهات في الداخل والخارج وتقوم بنقله عبر الحدود إلى تركيا.
يضاف الى ذلك ما جنته وتجنيه من مبالغ ابتزاز واتاوات، تتضمن قائمة ضحاياها رجالَ اعمال وشركاتٍ كبيرة وشركاتِ بناء وبعضَ رجال من الحكومة المحلية، وقد اشيع انها تفرض ضرائب في المناطق الخاضعة لسيطرتها مثل محافظة الرقة في سوريا وعند المعابر، بحسب ما ذكره الرنتاوي في مقابلة مع إذاعة العراق الحر.
خبير: أموال عربية وتركية دعمت تأسيس داعش
يرى رئيسُ مركز القدس للدراسات الاستراتيجية، الرنتاوي، خلال المقابلة الهاتفية التي يمكن الاستماع اليها في الملف الصوتي المرفق، أن الجهات التي عملت على انشاء ودعم "داعش" من دول خليجية مثل السعودية وقطر والامارات والكويت وإقليمية وخصوصا تركيا، أرادت ان يكون التنظيم سيفا مسلطا على رقبة النظام السوري حينها، فضلا عن غايات تركية في مواجهة مسلحين كرد في مناطق جنوب تركيا، الا أن "السحر انقلب على الساحر" عندما تضخمّت قوة داعش، وانظم اليه الجهاديون من دول إسلامية وغربية، وأصبحت له اجندته الخاصة تمثلت بإعلان رئيسه أبو بكر البغدادي انشاء دولة الخلافة الاسلامية، التي قد تهدد الاطراف التي وقفت وراء انشاء التنظيم في البدء.