تظهر دراسة لبيانات مبيعات الغاز الروسي الى دول اوروبية تفاوتا كبيرا في سعر بيعه، فثمة دول ثرية في اوروبا الغربية تشتري الغاز من شركة غازبروم العملاقة التي تديرها الدولة الروسية بسعر اقل مما تدفعه دول اقل ثراء في أوروبا الوسطى والشرقية.
فلماذا تدفع بولندا وجمهورية التشيك مثلا أكثر من 500 دولار مقابل كل طن متري من الغاز، بينما تدفع ألمانيا أقل من 400 دولار للكمية ذاتها؟
يقول جيمس هندرسون، من معهد أكسفورد لابحاث الطاقة، الخبير في صناعة الغاز والنفط في روسيا، إن غازبروم تحدد سعر الطن المتري للغاز انطلاقا من البدائل المتاحة في هذه الدولة او تلك. فهي تتصرف كاحتكاري متميِز، إذ انها تحدد سعر الغاز انطلاقا من المبدأين التاليين: في حال وجدت ان حصتها كبيرة من سوق بلد ما، أو اكتشفت أن الخيارات المتاحة في بلد ما محدودة. ومن هنا نجد ان بعض الدول الأفقر في أوروبا تدفع اكثر مقابل الغاز الروسي.فمن بين الدول الخمس الأفقر في أوروبا، تنفرد مولدوفا بأنها تدفع أقل من المعدل مقابل الغاز الروسي.
وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن مقدونيا وهي خامس أفقر دولة في أوروبا تدفع سعرا يزيد عن الذي تدفعه أي دولة أخرى (أي 564 دولارا مقابل كل ألف متر مكعب). أما البوسنة والهرتسغ التي يقل معدل الأجر الشهري فيها عما هو عليه في ألمانيا بخمس مرات فتدفع 515 دولارا مقابل كل ألف متر مكعب.
ان الدول الأوروبية ألاغنى التي تدفع أسعارا أقل مقابل الغاز الروسي متهمة أيضا بالتساهل مع روسيا.
ففي أعقاب ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية، والقتال اللاحق في شرق أوكرانيا، حيث تتهم روسيا بدعم المقاتلين الانفصاليين، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات محدودة على موسكو.
كما إن ألمانيا والنمسا وفرنسا، التي تدفع كل منها سعرا يقل عن 400 دولار مقابل الطن المتري للغاز الروسي، متهمة بمعارضة فرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا.
فألمانيا وهي أكبر زبائن غازبروم، اشترت 40 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا حتى الان، أي ما يعادل حجم 40 ألف ناطحة سحاب عملاقة، تتعرض إلى ضغوط من قبل قادة الصناعات الألمان لكي تتفادى فرض المزيد من العقوبات على روسيا. اما فرنسا فرفضت التراجع عن صفقة بمليارات الدولارات لبيع سفينتين حربيتين إلى روسيا. وابرمت النمسا، التي تدفع 397 دولارا مقابل كل ألف متر مكعب من الغاز، ابرمت صفقة في حزيران المنصرم مع روسيا لبناء الجزء النمساوي من أنبوب الغاز الذي لا يمر عبر أوكرانيا. وقد نجح الاتحاد الأوروبي، قبل أسبوع واحد من الاتفاق بين روسيا والنمسا، في الضغط على بلغاريا، التي يزيد ما تدفعه عما تدفع النمسا بمائة دولار، لكي تؤجل اتفاقها مع روسيا بشأن خط الأنابيب ذاته.
ويستغل الكرملين الغاز الرخيص وسيلة مغرية لضم المزيد من الدول الى اتحادها الجمركي.
ففي الوقت الذي تراجع فيه الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانيكوفيتش عن توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني الماضي، سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى إقناع كييف بالانضمام إلى الاتحاد الجمركي الذي يضم حاليا اضافة الى روسيا بيلاروس وكازاخستان.
فبالإضافة إلى إعفاء اوكرانيا من 15 مليار دولار من الديون عرض بوتن على يانيكوفيتش تخفيضا كبيرا لسعر الغاز التي كانت أوكرانيا ستشتريه من روسيا. ولكن إذا كان الغاز عاملا حقيقيا في قرار أوكرانيا بالانضمام إلى الاتحاد الجمركي أو عدم الانضمام اليه، فكان عليها فقط أن تلقي نظرة على بيلاروس التي لا تدفع سوى 166 دولارا مقابل كل طن متري من الغاز وهو السعر الأقل الذي تدفعه أي دولة أخرى. وأرمينيا التي أعلنت فجأة العام الماضي عن نيتها الانضمام إلى الاتحاد الجمركي تأتي في المرتبة التالية لبيلاروس، إذ لاتدفع سوى 189 دولارا للطن المتري الواحد. ويحصل البلدان على مجمل ما يستوردانه من الغاز من روسيا. كما ان دولا سوفيتية سابقة أخرى تحصل على معظم احتياجاتها من الغاز من روسيا، لكنها تدفع اكثر مقابل ذلك.
بعض الدول الأكثر اعتمادا على روسيا في مجال الغاز توجه هي الأخرى انتقادات شديدة إلى روسيا. فدول البلطيق الثلاث - لاتفيا وليتوانيا واستونيا - التي ظلت تؤيد أوكرانيا بشدة خلال الأزمة الحالية، تحصل على 100% مما تحتاجه من الغاز الطبيعي من روسيا، بينما تحصل أوكرانيا على 72% فقد من حاجتها من الغاز من روسيا، ولكن الاخيرة ودول البلطيق تدفع 416 دولارا مقابل كل ألف متر مكعب من الغاز.
اما صربيا الحليف الاقرب لروسيا في أوروبا، فتدفع 457 دولارا مقابل كل ألف متر مكعب وتحتل بذلك مرتبة عالية في قائمة الأسعار المدفوعة لروسيا. وإيطاليا التي كونت علاقة حميمة مع روسيا إبان عهد رئيس وزرائها السابق سيلفيو برلسكوني تدفع 440 دولارا مقابل كل ألف متر مكعب من الغاز الروسي.