بدأت الموصل تفقد تنوعها الذي طالما تميزت به عن بقية المحافظات، وذلك بعد سيطرة مسلحي تنظيم (داعش) على المدينة، وعاثوا فسادا فيها وانتهكوا حقوقها واستقرارها، فاعلنوا دولتهم (الخلافة الاسلامية)، ومن خلالها اصدروا العديد من الفتاوى التي تؤكد لا انسانيتهم وسعيهم لانتهاك حقوق مواطني الموصل، وتحديدا اقلياتها من التركمان والشبك والايزيديين والمسيحيين.
واصدر عناصر تنظيم "داعش" الجمعة (19 تموز) تهديداً للمسيحيين العراقيين في مدينة الموصل، فإما أن يدخلوا في الإسلام، أو ان يدفعوا الجزية وفق أحكام الشريعة، او يواجهون الموت بحد السيف. وقال بيان لـ"داعش" ان "زعيم الدولة الإسلامية ابو بكر البغدادي، وافق على السماح للذين لا يريدون الدخول في الإسلام، او دفع الجزية، بأن يخرجوا من المدينة بأنفسهم فقط، خارج دولة الخلافة، وامهلهم 24 ساعة فقط، وبعدها فان (السيف هو الخيار الوحيد)". وقام مسلحو (داعش) بكتابة حرف (ن) على جدران بيوت المسيحيين أي (نصرانيين).
وبمجرد صدور بيان التهديد هذا فرت اكثر من 200 عائلة مسيحية من الموصل تاركة وراءها منازلها ومصالحها التي ستستولي عليها عناصر (داعش)، الذين قاموا ايضا بسرقة كل ما حملته العائلات المسيحية معها من اموال ومصوغات ذهبية وغيرها.
ويؤكد النائب السابق عن الحزب الاشوري لويس كارو ان العائلات المسيحية التي هربت تمت ملاحقتها من قبل المسلحين وعوملوا بوحشية وسلبوا كل مقتنياتهم، فضلا عن الاستيلاء على ممتلكاتهم التي تركوها في مدينة الموصل.
ويقول عضو كتلة الرافدين المسيحية يونادم كنا انه بعد تهديد المسيحيين الموصليين واجبارهم على مغادرة مناطقهم وترك منازلهم، فان سكان الاقليات المتبقين في الموصل معرضون للخطر، وبخاصة الايزيديون والشبك وغيرهما. ودعا كنا الى جعل المناطق التي تسكنها الاقليات منطقة آمنة بعد ان عجزت القوات العراقية المركزية وقوات البيشمركة عن توفير الحماية للاقليات. وطالب يونادم كنا الامم المتحدة في العراق الى لعب دور اكبر لحماية الاقليات وهو يأتي من صميم واجبها، مشيرا الى ان اقليات الموصل من التركمان الشبك والمسيحيين والايزيديين جميعهم غادروا الموصل ومن بقى فيعيش ذليلا ومهانا.
استنكار دولي
وكانت منظمة العفو الدولية حذرت من نية عناصر تنظيم (داعش) القضاء على أي اثر للأقليات التي تسكن مدينة الموصل شمال العراق، وقالت ان "على ما يسمى (الدولة الإسلامية) أن توقف فورا حملتها الاجرامية ضد الأقليات في الموصل ومحيطها". وأكدت المنظمة أن "أقليات أخرى مثل الايزيدية والتركمان والشبك في نفس محافظة نينوى تعرضوا للتنكيل من جانب الدولة الإسلامية أكثر مما تعرض له المسيحيون". واضافت ان "التنظيم يريد على ما يبدو القضاء على اي اثر للأقليات في المناطق التي يسيطر عليها في العراق"، مبينة أن "قادة مسلحي "داعش" برروا أعمالهم الشنيعة بإخلاصهم الديني، وهذا غير مقبول".
ويؤكد المتحدث الرسمي لوزارة حقوق الانسان كامل امين ان الوزارة لم تستغرب ما قامت به (داعش) من تهجير للمسيحيين وقبلها للتركمان والشبك، وان اسلوب تنظيم (داعش) وحشي واقصائي وهم يكررون سيناريو ما حصل في لمسيحيية سوريا، ويعيدونه في العراق، متوقعا انتهاكات اكثر لمسلحي (داعش). وكشف امين ان ما تسمى بعقارات الدولة الاسلامية في الموصل حصرت عقارات المسيحيين هناك ووضعت حرف (نون) عليها بمعنى ( نصراني) للتصرف بها كغنيمة، وكشف عن ان الشبك والتركمان الشيعة الذين يعيشون في مركز مدينة الموصل يتعرضون الى وشايات ضدهم من قبل بعض ضعاف النفوس ويجري اختطافهم من قبل مسلحي (داعش) ويطلبون فدية كبيرة او يتم قتله. وبين امين ان المرحلة الاولى لنزوح المسيحيين الى سهل نينوى في ناحيتي الحمدانية وبرطلة، اما ميسورو الحال فتوجهوا الى مدينة عينكاوة في اربيل والمكتظة حاليا بالمسيحيين. ودعا وزارة الهجرة الى تقديم خدماتها وان تتحمل مسؤولياتها في هذا الجانب.
قلق مسيحي
حذر رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم لويس روفائيل الأول ساكو، من قيام عناصر تنظيم "داعش" في نينوى بوضع حرف "نون" على منازل المسيحيين كعلامة لوصفهم بانهم "نصارى"، واعتبروها ملك للتنظيم، مؤكداً أن العراق مقدم على "كارثة" كبرى. وقال: "لقد استبشرنا خيرا عندما اطلق (داعش) سراح راهبتين وثلاثة ايتام بعد 17 يوما على خطفهم، لكننا فوجئنا باخر المستجدات وهي توزيع (الدولة الاسلامية) بيانا تدعو فيه المسيحيين صراحة الى اعتناق الاسلام، وإما دفع الجزية من دون تحديد سقفها، أو الخروج من مدينتهم ومنازلهم بملابسهم دون أي امتعة، كما افتت أن منازلهم تعود لملكيتها من الان فصاعدا الى (الدولة الإسلامية)".
وقد عبر مسيحيون في بغداد عن قلقهم وخوفهم من وصول (داعش) الى بغداد وتقوم بمثل ما قامت به مع اخوتهم في الموصل. وبين المواطن المسيحي وضاح الياس ان قلق على اقربائه في الموصل وان عائلته بدأت تفكر بشكل جاد في الهجرة الى خارج العراق.
تضامن عراقي
ويتضامن مواطنون عراقيون مع يعانيه التركمان والشبك والايزيديين والمسيحيين من عمليات قتل وتهجير قسري. ويؤكد المواطن سعد لهد ان المسيحيين مسالمون وهم قبل كل شي عراقيون ولابد من الدولة القيام بمسؤولياتها تجاههم.
ويؤكد الناشط المدني علي العنبوري ان المسيحيين يتعرضون لاكبر حملة تهجير في تاريخ العراق وهي تفوق الهجرة الاولى لهم قبل عدة سنوات عندما غادروا بغداد والبصرة تحت ضغط التهديد وتوجهوا الى الموصل والاقليم، مشيرا الى ان تهجيرهم الحالي يعد الاكبر لهم بسبب ممارسات ما تسمى بالدولة الاسلامية في الموصل. ويعود العنبوري بالذاكرة الى فترة الخمسينات من القرن الماضي عندما تم تهجير اليهود العراقيين قسريا من العراق وأفرغ العراق منذ ذلك الحين من المكون اليهودي، واليوم السيناريو يتكرر مع المكون المسيحي الذي يعد ركيزة اساسية في تكوين هذا البلد. واكد العنبوري ان جميع منظمات المجتمع المدني والمثقفين والحقوقيين يطالبون كل المعنيين من حكومة وقوى سياسية ومجتمع دولي لايقاف ما أسماها بالمجزرة البشرية بحق الاقليات العراقية. وانتقد العنبوري الحكومة العراقية التي لم تتحرك ساكنا ازاء ما كان يتعرض له المسيحيون والاقليات الاخرى من ممارسات وحشية من قبل المسلحين، حتى تطور الامر الى تهجيرهم بالكامل من مدنهم في الموصل.