تسلط هذه الحلقة من برنامج (المجلة الثقافية) الضوء على حالة الضعف التي تمر بها الصناعات الشعبية التراثية والحاجة الى تقديم دعم منتظم لها، كما تتوقف عند موضوع العلاقة بين المثقف والسياسي عبر مقال منشور في جريدة الاتحاد العراقية، فضلاً عن لقاء مع فنان تشكيلي تعود ان يستلهم مواضيعه من الشارع.
الصناعات الشعبية وازمة الطلب
الصناعات الشعبية التراثية ثروة ثقافية كامنة في البلاد. فمن الصناعات المادية، من نحاسيات وفضيات وصناعات الخيزران والقصب والبردي والنسيج والحياكات المختلفة، وصولا الى النتاجات غير المادية في التراث كالغناء والموسيقى التراثية والطقوس المختلفة المرافقة للمناسبات الدينية وغيرها، كلها تعبير عن روح شعب تكونت وتطورت مع الاعوام والقرون. المتابع لواقع هذه الصناعات يرى تراجعا من ناحية تواجدها في الشوارع والاسواق، ولا يخفى ان سببا رئيسا لكساد سوقها هو انها تعتمد بشكل كبير على السواح الاجانب، الذين تراجع تواجدهم في العراق كثيرا مع اضطراب الاوضاع الامنية في الاعوام الاخيرة. لكن هذا لا يمنع من الحاجة الى تقديم الدعم لهذه الصناعات والنتاجات الثقافية بانواعها من قبل المسؤولين على الموضوع، لاحياء بعض الصناعات التي كادت تنقرض من الاسواق مثل الصناعات النحاسية والقصبية والنسيجية، او الانتباه الى ما يتهدد النتاجات غير المادية ايضا من ضعف وفتور.
استلهام الفن من الشارع
ضيف هذه الحلقة هو الفنان التشكيلي احمد نصيف الذي بدأ اهتمامه الجاد بالفن التشكيلي بعد دخوله اكاديمية الفنون الجميلة. وفي اجواء الدراسة التقليدية ظهرت من بين الطلبة مجموعة تسعى الى الخروج عن الطرق والاساليب الفنية المألوفة. بالنسبة له لا يمكن فصل اللوحة عن ظروف الحياة الفعلية، ولهذا فانه يستلهم مواضيعه بصورة عامة من الشارع. وهو يرى ان هناك "ارادة متبادلة" بين الفنان والعمل الفني الذي ينجزه.
المثقف والسياسي والدولة
نعرج في هذه الحلقة على مقال منشور في جريدة الاتحاد العراقية بعنوان (المثقف والسياسي والدولة) للكاتب علي الفواز الذي يبتديء بالحديث عن التصورات العامة عن صورة المثقف في الخيال الشعبي والعام فيقول:
"ان يعمل المثقف في السياسة لا يعني بالضرورة ان يكون من لبيسة (سدارة) الافندي كما يقول في توصيفه عالم الاجتماع علي الوردي، وان لا يكون بالضرورة من(سكان المدن) كما تقتضي توصيفات السياسة القريبة من صناعة الاحداث، اذ لايستدعي هذا اللبس والسكنى المفارقان النزوع الى حيازة القوة والمعرفة، والاستحواذ على موجهات التسيس الكامل وتحويل المكان الى تكية لاصحاب الاصوات العالية والحفاوة البهية والانافة المكسوة بالعلو، والتغافل عن ممارسة الاشكال السرية لطقوس (البطولة الشعبية) الحافلة بالرقة والحميمية والتسامح"...
بعدها يتحول الكاتب الى نوع من المقارنة بين صورة المثقف وصوررة السياسي فيقول:
"هذا التوصيف السسيوسياسي للمثقف يضعنا امام مساءلة ظاهرة السياسي اساسا، فهل ان هذا السياسي هو النقيض الاخلاقي للمثقف العضوي الذي اقترح توصيفه غرامشي؟ وهل ان هذا المثقف هو فقط الوارث القديم لمزاج الصعلكة والافراط والخروج عن سياق المألوف، وان زي الافندي في اطار هذا التوصيف سيكون هو زي سياسي وليس ثقافيا؟ وهل ان السياسي-صاحب الامتياز- سيكون هو الوحيد المؤهل لممارسة صناعة الامتيازات والاحكام، ام هو السليل غير الطبيعي للبيئة الاجتماعية والتجارية والعسكرية والدينية التقليدية بمزاجها الطبقي او مزاج احتياز القوة، وربما هو ذاته المسلسل الاكثر رعبا للانقلابات والايديولوجيات والمصالح"؟
يتحول بعد ذلك الكاتب الى بعض سمات العلاقة بين المثقف والدولة فيقول:
"تحت شعار ان الدولة الديمقراطية لاتطمئن الاّ للمثقف الديمقراطي، وانها لاتضع في أجندتها المثقف الانتهازي الوصولي الذي يركض خلف مصالحه وحساباته الخاصة، تتسع الكثير من المسافات، وتتوه الكثير من الاقدام، لان هذا الشعار سيظل عموميا، وستظل الدولة تبحث عن هويتها، وسيظل المثقف باحثا عن لحظة تطهير كبرى، والسياسي عن سياق مهني وتاريخي يكشف قدرة او هشاشة هذا السياسي في التعاطي مع سيرورات الواقع، والاجابة عن اسئلته التي تفترض وجود سياسي يعرف الطريق الى الحداثة، ولايكتفي بمعرفته بالطريق الى غابة الكراسي، فضلا عن قدرة هذا السياسي على ان يكون فاعلا في صناعة الدولة القوية، وليس الطائفة والقومية القوية"..