تُـــتّــخَـــذ في دولٍ غربية مختلفة إجراءاتٌ لضمانِ عدم امتداد خطر الجماعات المسلحة الناشطة في العراق وسوريا إليها مع عودة مقاتلين يحملون جنسياتها.
وفي أحدث بيانٍ تبنّى فيه تنظيم (الدولة الإسلامية) سلسلة التفجيرات التي نُفذت بسيارات ملغومة في بغداد السبت وأسفرت عن مقتل 27 شخصاً على الأقل، أُعلن أن أحد الانتحاريين كان ألماني الجنسية.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن التنظيم الذي قاد هجوماً في شمال العراق وغربه إن انتحارييْن نفذا اثنين من التفجيرات، معلناً أنهما أبو القعقاع الألماني وأبو عبد الرحمن الشامي. ويشير الإسمان الحركيان إلى أنهما من ألمانيا وسوريا.
تفجيرات السبت (19 تموز) كانت الأعنف في بغداد منذ بدء الهجوم في مدينة الموصل الشهر الماضي ثم امتداده عبر مناطق مختلفة باتجاه العاصمة العراقية.
ونُقل عن التنظيم في بيانٍ على الإنترنت توعّد فيه بشن هجمات أكبر "كانت حصيلة العمليات المباركة مقتل وجرح أكثر من مائة وخمسين"، بحسب تعبيره.
التفجيرات التي ضربت أحياء أبو دشير والبياع والجهاد والكاظمية وقعت في الوقت الذي تواصل القوات الحكومية عمليات عسكرية لطرد مسلحي (الدولة الإسلامية) من مناطق سيطروا عليها في محافظة ديالى إلى الشمال من بغداد.
وفي تصريحاتٍ أدلى بها الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة الفريق قاسم عطا خلال مؤتمر صحفي بثته قناة (العراقية) التلفزيونية الرسمية السبت، أُعلن أن القوات الأمنية تمكنت من تطهير منطقة الهارونية في أطراف المقدادية شمال شرقي بعقوبة مركز محافظة ديالى "بشكل كامل".
وأضاف عطا "أن المنطقة الآن هي تحت سيطرة القوات الأمنية التي قامت بعمليات تعرّضية خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية وطهّرت هذه المنطقة وقتلت ما يقارب التسعة وخمسين إرهابياً ودمّرت خمس عجلات مختلفة الأنواع"، بحسب تعبيره.
وكان مصدر في شرطة محافظة ديالى صرح الجمعة بأن عناصر تنظيم (داعش) فجّروا بعبوات ناسفة جسر الهارونية الواقع شمال المقدادية، مشيراً إلى أن هذا الجسر الذي يربط بعقوبة وقضاء المقدادية بخانقين يعد من أهم الجسور الحيوية إضافةً إلى أهميته من الناحية العسكرية.
في الأثناء، ذكر مسؤول أمني رفيع في حكومة إقليم كردستان العراق أن الدول الغربية ستقاتل المتشددين المسلحين الذين اجتاحوا مساحات كبيرة في العراق على أعتابها في نهاية المطاف ما لم تتدخل للتصدي لهذا الخطر في المنبع.
وأعرب مسرور بارزاني مستشار مجلس الأمن الوطني في الإقليم خلال مقابلة مع رويترز عن شكّه في قدرة الجيش العراقي على دحر ما حققه المتشددون من مكاسب دون مساعدة من الخارج. وأضاف أن إقليم كردستان الذي نجح حتى الآن في تحصين نفسه في مواجهة العنف في باقي العراق وسوريا المجاورة هو "خط المواجهة مع الإرهاب" في الشرق الأوسط، معتبراً أن تقاعس الدول الغربية سيعرّضها للخطر.
وفي عرضها للتصريحات التي نُشرت الأحد (20 تموز)، ذكرت رويترز أن المتشددين المسلحين ينشغلون حتى الآن بقتال ما تبقى من الجيش العراقي المدعوم من ميليشيات "لكنهم قد يتحولون في النهاية إلى الشمال حيث وسّع الأكراد أراضيهم بنسبة وصلت إلى 40 في المائة"، بحسب تعبيرها. وأضافت أن قوات البشمركة الكردية اشتبكت بالفعل مع المسلحين بما استولوا عليه من أسلحة الجيش العراقي.
وقال بارزاني "تمتلك الدولة الإسلامية الآن الكثير من المعدات العسكرية الحديثة ولقتالهم أعتقد أنه يجب أن يكون لدى البشمركة معدات أفضل بكثير منهم." وأضاف "ولهذا يجب أن تشعر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأكمله بالمسؤولية."
كما نُقل عنه القول إن عدد مقاتلي (الدولة الإسلامية) الذين سيطروا على الموصل في العاشر من حزيران كان أقلّ من ألفيْ شخص لكن مجنّدين جدداً ومقاتلين من سوريا واستسلام جماعات مسلحة أخرى أدى إلى زيادة العدد لما يصل إلى 12 ألف مسلح.
وكان مسؤول أمني في بغداد قدّر عدد مقاتلي التنظيم الذي أعلن إقامة الخلافة الإسلامية بأكثر من 20 ألفاً بعد سقوط الموصل. فيما أوضحت رويترز أنه لا توجد وسيلة للتحقق من الأرقام بطريقة مستقلة.
يشار إلى سيطرة هذا التنظيم أخيراً على محافظة دير الزور السورية المنتجة للنفط والمتاخمة للعراق بعد أن طرد مقاتلي جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة منها.
وفي تحليله للاقتتال المتواصل بين هذين الفصيلين ومجموعات إسلامية متشددة أخرى، قال مدير (مركز الاستشارية للدراسات الإستراتيجية) في لبنان الدكتور عماد رزق لإذاعة العراق الحر "إذا نظرنا اليوم إلى الصراع الدائر بين الفصائل الإرهابية التي تقاتل في سوريا والعراق نرى أن بداخلها أفكاراً وأهدافاً تختلف عن بعضها بعضاً، وحتى التمويل الذي يأتي لهذه الجماعات يدلل ربما على أن هناك بعض الدول الإقليمية التي تتصارع فيما بينها عبر هذه الفصائل"، بحسب رأيه.
وكان الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي الدكتور فهد المكراد قال لإذاعة العراق الحر في مقابلة سابقة تعليقاً على امتداد الجماعات المسلحة المتشددة إن "ثقافة الدمار والقتل التي لا رؤية لها ولا رسالة ولا هدف انتشرت فيما الحقيقة هي أن هؤلاء الذين ادّعوا الإسلام هم بعيدون عن الإسلام"، على حد تعبيره.
وفيما يتواصل الاقتتال بين فصائل إسلامية متشددة على الساحة السورية، أعلن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي جناح القاعدة في شمال إفريقيا رفضه الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية في أجزاء من العراق وسوريا وأكد مبايعته لزعيم القاعدة أيمن الظواهري.
وأفادت مجموعة (سايت) المتخصصة في متابعة مواقع الإسلاميين المتشددين على الإنترنت بأن بياناً لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الاثنين الماضي (14 تموز) انتقد تنظيم (الدولة الإسلامية) بزعامة أبو بكر البغدادي لأنه لم يتشاور مع القيادات الجهادية.
وقال البيان "نؤكد أننا لا زلنا على بيعتنا لشيخنا وأميرنا أيمن الظواهري فهي بيعة شرعية ثبتت في أعناقنا ولم نرَ ما يوجب علينا نقضها وهي بيعة على الجهاد من أجل تحرير بلاد المسلمين وتحكيم الشريعة الإسلامية فيها واسترجاع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة"، بحسب تعبيره.
وفي إعادة نشر مقتطفات من البيان، ذكرت رويترز أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي كان يتخذ من الجزائر قاعدة له في البداية لكنه توسّع في منطقة الساحل بشمال إفريقيا. ويوالي زعيمه عبد الملك دروكدال القيادة المركزية لتنظيم القاعدة الى جانب عدد من الجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى في المنطقة.
وبعد بضعة أيام من نشر هذا البيان، أُعلن في تونس أن دوريتين للجيش في جبل الشعانبي قرب حدود الجزائر تعرّضتا مساء الأربعاء الماضي لهجوم إرهابي مسلح ما أدى إلى مقتل خمسة عشر جندياً.
وأفيد السبت (19 تموز) بأنه نتيجةً لذلك الهجوم شنّت السلطات التونسية حملةً على مساجد ومحطات إذاعية مرتبطة بإسلاميين متشددين.
وتؤكد هذه الخطوة الصعوبة التي تواجهها تونس في معالجة صعود الحركات الإسلامية المحافظة والمتشددين منذ ثورة 2011 التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن علي وفتحت الطريق أمام الديمقراطية مُلـــــــهِمـةً انتفاضات ما عُرف بـ"الربيع العربي".
مكتب رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة قال في بيان إنه تقرر "الغلق الفوري للمساجد الخارجة عن إشراف وزارة الشؤون الدينية إلى حين تعيين القائمين عليها من قبل سلطة الإشراف وكذلك المساجد التي ثبت الإحتفاء بداخلها باستشهاد جنودنا البواسل بجبل الشعانبي ."وأضاف أنه تقرر كذلك "الغلق الفوري للإذاعات والتلفزات غير المرخّص لها والتي تحوّلت منابرها الإعلامية إلى فضاءات للتكفير والدعوة إلى الجهاد"، معلناً أيضاً اعتقال أكثر من 60 إسلامياً مرتبطين بالمتشددين منذ الهجمات على نقطتيْ تفتيش الجيش.
وفي إعادة نشرِ مقتطفاتٍ من البيان، أشارت رويترز إلى تونس كونها أحد المصادر الرئيسية للإسلاميين المتشددين الذين يسافرون من شمال إفريقيا للقتال إلى جانب الجماعات المتطرفة في العراق وسوريا.
من جهته، قال الخبير الأميركي في شؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط جيري سوركين Jerry Sorkin وهو مؤسس ورئيس شركة "تونس يو أس أيه" TunisUSA المختصة ببرامج التبادل الثقافي والسياحي بين تونس والولايات المتحدة في تصريحاتٍ لإذاعة العراق الحر عبر الهاتف من العاصمة التونسية السبت إن "أحد مصادر القلق هو أن الأشخاص الذين يتسللون إلى مناطق في تونس تلقوا تدريبات في ليبيا وسوريا.. هذا خطر حقيقي. وفي الواقع، هناك أكثر من ثلاثة آلاف تونسي ذهبوا للقتال في سوريا. لذلك يوجد قلق كبير من أن هؤلاء قد يكونون الجهاديين المحليين الجدد الذين يعودون إلى تونس."
وأضاف سوركين قائلاً "ثمة مخاوف بالتأكيد من أن الجهاديين سيواصلون هجماتهم إذ بالنسبة للجيش التونسي تُعتبر مثل هذه الهجمات ظاهرة جديدة عليه خاصةً وأنه لم يتلقّ في الواقع تدريبات على ملاحقة الإرهابيين بلا هوادة. ولكنه بدأ يتلقى بمساعدة عدة دول مختلفة وبوتيرةٍ متسارعة تدريباً على أساليب محاربة الإرهاب ذلك أن خسارة 14 أو 15 جندياً هي بمثابة كارثة كبيرة بالنسبة لتونس التي تأمل على امتلاك قدرات محاربة الإرهاب"، بحسب تعبيره.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقطعاً من تصريحات الناطق العسكري العراقي الفريق قاسم عطا بالإضافة إلى مقابلات مع مدير (مركز الاستشارية للدراسات الإستراتيجية) د. عماد رزق متحدثاً من بيروت، والأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي د. فهد المكراد متحدثاً من الكويت، والخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جيري سوركين متحدثاً من تونس.