أرجأ البرلمانُ العراقي جلستَه التي كان يُنتظَر أن تحقق تقدماً الأحد أرجأها حتى الثلاثاء في ظل غياب التوافق بين القوى السياسية حتى الآن رغم المناشدات المتكررة بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة المقبلة.
وفي إعلانه إرجاء الجلسة، قال رئيس السن لمجلس النواب مهدي الحافظ إن الكتل البرلمانية لم تتوصل بعد إلى اتفاق على تسمية مرشحيها للمناصب الرئاسية الثلاثة، وهي رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة. وأضاف أن "الأزمة مقلقة ولا تحتمل التأجيل" مناشداً الكتل المختلفة تحمّل مسؤوليتها وإبداء مزيدٍ من المرونة.
وأوضح أن جلسة الأحد انعقدت بغياب نواب من التحالف الكردستاني لعدم تمكنّهم من الحضور بسبب سوء الأحوال الجوية.
تقارير أشارت في وقت سابق إلى عاصفة رملية تعرقل رحلات جوية إلى بغداد، وقال النائب عرفات كرم في تصريح لوكالة فرانس برس إن 25 نائباً كردياً "عالقون في أربيل، ونحن ننتظر تحسن الأحوال الجوية".
ونُقل عن عضو آخر في التحالف الكردستاني هو النائب عبد الباري زيباري تصريحه في مقر البرلمان في المنطقة الخضراء بوسط العاصمة بأن الجلسة البرلمانية تأجّلت "لإعطاء فرصة أكبر للقوى السياسية للتفاوض لحسم موضوع المرشح" لرئاسة مجلس النواب.
فيما قال النائب حسين المالكي المنتمي الى كتلة رئيس الوزراء "نحن نؤيد انتخاب رئيس مجلس نواب مؤقت من أجل تسيير أمور البلد وأهمها الموازنة بسبب عدم التوصل الى تسوية سياسية حول مرشح لرئاسة مجلس النواب"، بحسب ما نقلت عنه فرانس برس.
ورغم إعلان (تحالف القوى العراقية) تسمية سليم الجبوري لرئاسة البرلمان، إلا أن نواباً من كتلة (دولة القانون) برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي أكدوا أن التصويت على رئاسة مجلس النواب لن يجرى دون التوافق على رئاسة الحكومة.
الدستور العراقي ينصّ على أن يُنتخب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ انعقاد الجلسة البرلمانية الأولى وهي الجلسة التي انعقدت في الأول من تموز وأخفق خلالها النواب في انتخاب رئيس للبرلمان. ويكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، على أن يتولى رئيس الحكومة المكلف تسمية أعضاء حكومته خلال فترة أقصاها 30 يوماً من تاريخ التكليف.
تأجيلُ الجلسة البرلمانية الثانية تقررَ الأحد رغم المناشدة الأخيرة التي أطلقها المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني الجمعة بضرورة عدم تجاوز الـمُهل الدستورية المحددة لاختيار الرؤساء الثلاثة أكثر.
ومن جهتها، كررت الأمم المتحدة السبت على لسان الممثل الخاص لأمينها العام في العراق نيكولاي ملادينوف القول في بيان إن "الإخفاق في المضي قُدماً في انتخاب رئيس جديد للبرلمان ورئيس جديد للدولة وحكومة جديدة يعرّض البلد لمخاطر الانزلاق في حالة من الفوضى". وأضاف "أن مثل هكذا إخفاق سوف يخدم مصالح أولئك الذين يسعون لتقسيم الشعب العراقي وتدمير فرصهم لتحقيق السلام والازدهار".
وجاء في البيان المنشور على موقع بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) أيضاً أن "العراق بحاجة الى فريقٍ قادرٍ على جمع الناس معاً. الآن ليس وقت لتبادل الاتهامات، إنه الوقت المناسب للمضي قدماً والتوصل الى التفاهم المنشود لمصلحة الشعب العراقي. وإن وجود برلمانٍ فعال يُمكّن البلاد من العمل معاً ضد الإرهاب وتنشيط العملية السياسية التي من خلالها يمكن الاستجابة لشواغل جميع المكوّنات والتخفيف من المعاناة الإنسانية لأكثر من مليون شخص وضمان حماية حقوق الإنسان والإنجازات الديمقراطية"، بحسب تعبيره.
وفي تصريحاتٍ خاصة لإذاعة العراق الحر، قالت مديرة المكتب الإعلامي والناطق الرسمي باسم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) إليانا نبعه الأحد إن "الجلسة البرلمانية تأجّلت اليوم مرة أخرى إلى الثلاثاء...مع أن العالم كله يعرف أن العراقيين يعانون بدرجة فظيعة من الأزمة الحالية."
وأضافت نبعه في مقابلة أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي أنها تــــؤكــــــد ما وَرد "في بيان السيد ملادينوف أنه في حال إخفاق البرلمانيين العراقيين في التحرك قدُماً فإن البلاد تتعرض لمخاطر الانزلاق إلى فوضى...".
بيانُ الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق جاءَ بعد يوم واحد من تحذير آخر متجدد للسفارة الأميركية في بغداد الجمعة من أن "مزيداً من التأخير أو التصعيد من قِبل أي طرف تحت أية ذريعة لا يمكن تبريره"، مشيرةً إلى أن تأجيل تشكيل حكومة جديدة سيصبّ في صالح تنظيم (الدولة الإسلامية).
وفي إشارة أخرى إلى قلق واشنطن المتزايد حيال الأزمة العراقية، قال البيت الأبيض إن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن هاتَـــــــــــفَ مجدداً السبت كلاً من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني ورئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي للتشديد مرةً أخرى على ضرورة أن تعمل "كل القوى السياسية العراقية" من أجل تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن "وبما يتفق مع الجداول الزمنية المنصوص عليها في الدستور العراقي."
في الأثناء، أفاد تقرير إعلامي بأن الجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال العراق بَــــــدا أنها تحرز تقدماً ميدانياً مع مهاجمتها فجر الأحد منطقة الضلوعية إلى الشمال من العاصمة بغداد وسيطرت على مبان حكومية محلية هناك. وجاء في تقرير بثته وكالة رويترز للأنباء نقلاً عن الشرطة وشهود "أن مسلحين في ما بين 50 إلى 60 سيارة داهموا الضلوعية الواقعة على بعد نحو 70 كيلومتراً شمالي بغداد عند الساعة 3:30 فجراً بالتوقيت المحلي وسيطروا على مكتب مدير الناحية ومبنى مجلس الناحية وأنهم يقاتلون للسيطرة على مركز الشرطة."
وذكرت الشرطة وشهود أن الشرطة المحلية ورجال عشائر يقاتلون المتشددين في الضلوعية يوم الاحد. وأضافوا أن أربعة من رجال الشرطة قتلوا في الاشتباكات بالإضافة إلى متشدديْن اثنين ومدنييْن اثنين.
كما نُقل عن هذه المصادر القول إن المسلحين المتشددين قصفوا أيضاً جسراً يربط الضلوعية بقضاء بَـــــــــلَد.
وفي موازاةِ هذه التطورات، أشارت وكالاتُ أنباء عالمية إلى بَــــثّ ما وصفتها بأحدث رسالة صوتية منسوبة لعزت إبراهيم الدوري الذي يعد أرفع مسؤول من مساعدي صدام ما زال هارباً منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح النظام السابق في عام 2003. وأفادت رويترز وأسوشييتد برس وفرانس برس بأن هذا التسجيل الصوتي الجديد بُـــث مساء السبت على الإنترنت. وقالت رويترز إنه "على الرغم من كبر سنه وما ذكرته تقارير عن إعتلال صحته يعتقد أن الدوري يقود الجماعة البعثية المتشددة جيش النقشبندي وهي واحدة من جماعات عديدة أيدت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في هجومه المباغت عبر محافظات في شمال وغرب العراق الشهر الماضي"، بحسب تعبيرها. وأضافت في تقريرها أن الصوت الوارد في التسجيل الذي بلغت مدته 15 دقيقة أشاد بمقاتلي القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بالإضافة إلى الجماعات الأخرى التي تقاتل ما وصفه بـ"الاستعمار الفارسي الصفوي" للعراق. ولكنه لمح أيضاً إلى الانقسامات الواضحة على نحو متزايد بين الجماعات المختلفة التي تقاتل القوات الحكومية قائلاً إن من المهم تنحية خلافاتها جانباً والتوحد.
وفي تعليقه على التوقيت الذي نُشرت فيه هذه الرسالة الصوتية، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور حميد فاضل لإذاعة العراق الحر "إن توقيتها ليس ببعيد عن ذكرى انقلاب السابع عشر من تموز 1968 التي تصادف بعد بضعة أيام بما لهذا التأريخ من دلالات سياسية كبيرة بالنسبة للبعث بشكل عام." وأعرب عن اعتقاده بأن "أفضل رد على التسجيل سيكون من خلال إبراز تقدم ملموس في العملية السياسية"، بحسب تعبيره.
وفي المقابلة التي أُجريت عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أجاب فاضل عن سؤال آخر يتعلق بــــتـــباطؤ استجابة بغداد للمناشدات المتكررة من قبل الأمم المتحدة بالإضافة إلى دعوات الدول الصديقة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر الدولة الراعية للعملية السياسية للإسراع في تشكيل حكومة عراقية جديدة. وفي هذا الصدد، توقّـــع الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي أن تتسارعَ خلال الساعات والأيام المقبلة "وتيرة التغيير في ضوء تدخلات المجتمع الدولي ومناشدات المرجعية الدينية بشكل خاص."
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلتين مع مديرة المكتب الإعلامي والناطق الرسمي باسم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) إليانا نبعه، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. حميد فاضل.