يُـــــهيمنُ الهاجسُ الأمني على المشهد السياسي المنشغل بتشكيل الحكومة المقبلة وسط دعوات بأن تكون شاملة وممثّلة لجميع الأطياف بحيث يمكنها الحفاظ على وحدة العراق في مواجهة مسلحين متشددين أثار تقدمهم الميداني الأخير قلقاً متزايداً من احتمالات التقسيم.
وفي بيانٍ نَشرته الثلاثاء بالتزامن مع التئام البرلمان الجديد، ذكرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) أن أعمال العنف والإرهاب تسببت بمقتل 2417 عراقياً على الأقل وإصابة 2287 آخرين خلال حزيران.
البيانُ الذي أوضح أن حصيلة الشهر المنصرم لا تشمل ضحايا العمليات الجارية في محافظة الأنبار نقل عن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف قوله إن "العدد الكبير للضحايا المدنيين خلال شهر واحد يشير إلى ضرورة أن يعمل الجميع على ضمان حماية المدنيين."
وأضاف أنه "يتوجب على القادة الوطنيين العمل سوية لإحباط المحاولات التي ترمي إلى تدمير اللحمة الاجتماعية في المجتمع العراقي. وإن ما يمكن إنجازه من خلال العملية السياسية الدستورية لا يمكن تحقيقه من خلال الاستجابة العسكرية فقط. يجب استعادة الأمن ولكن يجب معالجة الأسباب الجذرية للعنف"، بحسب تعبير ملادينوف.
في هذ الإطار جاءت دعوة الرئيس المؤقت للبرلمان الجديد مهدي الحافظ خلال الجلسة الافتتاحية الثلاثاء إلى وقف ما وصفها بالانتكاسة الأمنية كي يتواصل التقدم في المسار الصحيح على طريق بناء المستقبل.
وفي ختام الجلسة التي رأسها بصفته النائب الأكبر سنّاً، ذكر الحافظ أنه لم يُـجرَ الاتفاق على مرشح لرئاسة مجلس النواب وأن البرلمان أصبح الآن بلا نصاب قانوني.
الولاياتُ المتحدة الأميركية المرتبطة رسمياً باتفاقية إطار إستراتيجي للتعاون بعيد المدى مع العراق والتي تعتبر الدولة الحليفة الراعية للعملية السياسية أعلنت عشية التئام البرلمان الجديد أنها تحضّ جميع الزعماء العراقيين على التحرك نحو تشكيل الحكومة المقبلة بالسرعة الممكنة.
وفي تصريحاتٍ أدلى بها للصحافيين في واشنطن الاثنين، قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جوش إرنست Josh Earnest "ما خيّب آمالنا هي حقيقة أن رئيس الوزراء نوري المالكي لم ينتهج نوعاً لبرنامح الحكومة الشاملة التي نعتقد أنها ستكون مطلوبة لضمان النجاح على المدى الطويل للعراق." وأوضح إرنست أن كبار المسؤولين الأميركيين "على اتصال وثيق مع حكومة المالكي ومع كل الزعماء السياسيين في العراق"، مشيراً إلى العديد من المكالمات الهاتفية التي أجراها كل من نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري سعياً لتشجيعهم على أن تنتهج الحكومة العراقية برنامجاً أكثر شمولاً "وهو الأمر الذي تُــركّز عليه" الإدارة الأميركية، بحسب تعبيره.
وأضاف السكرتير الصحفي للبيت الأبيض قائلاً:
"نحضّ زعماء العراق على التوصل إلى اتفاق على المناصب الثلاثة الحاسمة لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة وهي رئاسات البرلمان والجمهورية والوزراء. ويحدونا الأمل بأن يتحركوا بسرعة لكي تتقدم عملية تشكيل الحكومة إلى الأمام بعد الجلسة البرلمانية الأولى في الأول من تموز. ونحضّ جميع الزعماء من كل الأطياف على معالجة الوضع بالسرعة القصوى."
وفيما بدا أنها إشارة إلى تصريحات رسمية صدرت عن بغداد أخيراً حول تباطؤ واشنطن في تسليم أسلحة ومعدات عسكرية جرى التعاقد على شرائها، ومن بينها مقاتلات متطورة من طراز أف-16، قال إرنست:
"هناك قطعة واحدة من المعدات العسكرية التي اجتذبت اهتماماً كبيراً فيما يتعلق بتسليمها، وهي المقاتلات من طراز أف-16 المقرر تسليمها في وقت لاحق من العام الحالي. وأستطيع القول إن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتسليم هذه المقاتلات إلى العراق في أسرع وقت ممكن. وقد كان مقرراً منذ فترة طويلة تسليم الطائرتين الأوليين هذا الخريف أي حين استكمال الاستعدادات لإيوائها وتأمينها، والانتهاء من تدريب الطيارين فضلاً عن إنجاز التفاصيل المالية والإدارية المطلوبة والتي كانت الحكومة العراقية بطيئة في إكمالها."
وفي تعليقه على التصريحات الإيرانية الرسمية الأخيرة حول تطورات الوضع في العراق، قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض:
"ليس في مصلحة إيران أن يكون هناك صراع طائفي، وعدم استقرار، وهذه الأفعال البشعة من العنف والإرهاب التي تُرتكب على حدودها. بالنسبة لهم، من مصلحة إيران أن يكون لها جارة مستقرة."
من جهته، قال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في تصريحاتٍ للصحافيين في موسكو الثلاثاء إن الأحداث الأخيرة تسير وفق ما وصفها بخطة أميركية ترمي لتحويل العراق إلى "أوكرانيا ثانية":
"ما حدث في العراق هو بالطبع نتيجة التدخل الخارجي والتخطيط المحدد للولايات المتحدة. الأميركيون يريدون خلق أوكرانيا جديدة في العراق"، بحسب تعبيره.
وأضاف المسؤول الإيراني قائلاً:
"العراق لم يطلب رسمياً أسلحة من بلادنا. ولكن أذا تقدم بمثل هذا الطلب فإننا، وفي إطار المعايير والقواعد الدولية أو ضمن إطار العقود الثنائية، سوف نزوّد العراق بكل الأسلحة اللازمة لمعركة ناجحة ضد الإرهاب."
وفي تعليقٍ لإذاعة العراق الحر على تصريحاتٍ إيرانية متزايدة في شأن استعداد طهران لإمداد العراق بمساعدات عسكرية، أعرب أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور علي الجبوري عن اعتقاده بأن "أي تدخل إيراني سيُعقّد الأمر على صانع القرار السياسي في العراق." وأضاف أن هذه التصريحات عكست في الواقع "موقفاً عقلانياً" عندما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل بضعة أيام استعداد بلاده لتقديم المساعدة "إذا ما طلب العراق ذلك"، وهو الموقف ذاته الذي تكرر في سياق التصريحات التي أدلى بها نائب وزير الخارجية الإيراني في أعقاب محادثاته مع مسؤولين روس الثلاثاء.
وفي مقابلة أجريت عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أجاب الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي عن سؤال آخر يتعلق بالإجراءات الأميركية العسكرية التي تعُلن تباعاً لمساعدة الحليف العراقي في مواجهة التهديدات الإرهابية.
يُشار في هذا الصدد إلى ما أعلنته واشنطن الاثنين من خطوات إضافية لتكثيف الوجود العسكري في العراق بإرسال نحو 300 جندي أميركي آخرين إلى هناك بالإضافة إلى مجموعة من طائرات الهليكوبتر وأخرى بلا طيار.
ويضع قرار وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عسكريين أميركيين في دور أمني في مطار بغداد بالإضافة إلى تأمين سفارة الولايات المتحدة في العراق.
وقال الناطق باسم البنتاغون الأميرال جون كيربي إن نحو 200 جندي وصلوا يوم الأحد إلى العراق لتعزيز الأمن عند السفارة الأميركية ومنشآتها المساندة ومطار بغداد الدولي. ومن المقرر أن يتوجه 100 جندي إلى بغداد "لتقديم الدعم الأمني واللوجستي"، بحسب ما نقلت عنه وكالة رويترز للأنباء.
المسؤول الأميركي أعرب عن اعتقاده بأن "هناك قدراً مناسباً من الاهتمام بشأن المطار"، مشيراً إلى أن المطار مركز حيوي للنقل.
وتأتي هذه القوات بالإضافة إلى 300 مستشار عسكري أمَـر الرئيس باراك أوباما بإرسالهم إلى العراق لتولي إنشاء مركزين للعمليات المشتركة. وسيقومون أيضاً بتقييم كيف يمكن للولايات المتحدة تقديم دعم إضافي.
تقرير رويترز وصَــف التحركات الجديدة للقوات الأميركية بأنها "جزء من محاولة إدارة أوباما مساعدة الحكومة العراقية في إحباط المكاسب المذهلة التي حققها المتشددون من الدولة الإسلامية في العراق والشام خلال الأسابيع القليلة الماضية". ونقل عن مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه أن الولايات المتحدة تدرس أيضاً إقامة مركز جديد للعمليات العسكرية المشتركة في شمال غرب إقليم كردستان العراق. وصرح المسؤول بأنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن لكن مركز العمليات الجديد الذي سيكون الثاني من نوعه الذي تقيمه الولايات المتحدة منذ تدهور الأوضاع الأمنية في العراق في وقت سابق من هذا الشهر قد يكون مقره في محافظة دهوك.
ويقوم جنود أميركيون في مركز عمليات مشتركة مماثل في بغداد بحمع المعلومات عن الوضع على الأرض ويشرفون على الجنود الأميركيين الذين يقومون بتقييم القدرات الميدانية للجيش العراقي.
وفي تعليقه على الإجراءات العسكرية الأميركية الجديدة لمساعدة الحليف العراقي، قال المحلل الأمني أمير جبار الساعدي لإذاعة العراق الحر "من الملاحظ أن الولايات المتحدة الأميركية تريد أن تعطي إشارة للعالم بأنها لن تتخلى عن العراق ولهذا أرسلت بعض التعزيزات، وهذا أمر مهم جداً للجانبين العراقي والأميركي خاصةً بعد أن اتخذ العراق خطوة جريئة باستقدامه طائرات سوخوي من روسيا الاتحادية."
وأضاف الساعدي "أن الأمر الثاني والأهم هو إعلان السيد أوباما بأن أولوية إدارته في هذه الأزمة هي الحفاظ على أرواح الأميركيين الموجودين في سفارة بلادهم والتي يبدو أنها تحتاج إلى تعزيزات أمنية أكثر"، بحسب تعبيره.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقتطفات من تصريحات السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جوش إرنست ونائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بالإضافة إلى مقابلتين مع أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. علي الجبوري والمحلل الأمني العراقي أمير جبار الساعدي.