تحت هذا العنوان كتب المحرر في إذاعة اوربا الحرة – إذاعة الحرية جارلس ريكناجلس مقالا حاول فيه تشخيص الأسباب التي أدت الى تمكن تنظيم مسلح غير نظامي وحديث العهد مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصارا باسم تنظيم "داعش" من غزو الأراضي العراقية في المناطق الغربية والشمالية، واحتلال محافظات بأكملها او أجزاء كبيرة منها في غضون أيام، وتقهقر الجيش العراقي أمامه وانهزامه.
ويتوصل المحرر في مقاله الى ان هذا التنظيم استغل المظالم التي كان يشعر بها سكان هذه المناطق من السُّنة، ويحاول الاستمرار في استغلال تلك المظالم وتصوير نفسه على انه جاء محررا لهم لكسب التأييد الشعبي.
ويُتوقع انه في حال نجح تنظيم "داعش" في ذلك فانه سيتمكن من إطالة أمد المواجهة معه، التي تُعِدُ لها الحكومة العراقية وقوى اقليمية ودولية لطرده من تلك المناطق ومن سوريا ايضا، لما يشكله من خطر على مستقبل الأمن والاستقرار في البلدين وفي المنطقة والعالم اجمع.
ويشير جارلس الى ان من بين الإجراءات التي قام بها تنظيم "داعش" لتسويق نفسه كمحرر، ولكسب الرأي العام في الموصل هو فتحه أبواب السجن في المدينة في حركة رمزية للادعاء بأن السجناء السُّنة هم ضحايا قمع الحكومة التي يقودها الشيعة.
وتلجأ الى مثل هذه الإيماءات جميع الفصائل المسلحة وليس فقط تنظيم "داعش" ومن بين تلك الفصائل الجماعات الإسلامية، والبعثيون السابقون، والمجموعات العشائرية القبلية.
ويعدد محرر اذاعة اوربا الحرة – اذاعة الحرة المظالم الرئيسية للسُّنة والتي يقول إنها صبَّت الزيت على نار الأزمة الحالية التي تمر بالعراق، والتي أصبح دخانها يعتم على أجواء الجلسة الأولى للبرلمان الجديد الثلاثاء المقبل التي ستحدد مستقبل العراق.
ومن بين هذه المظالم التي يشعر بها السُّنة في العراق التي تسببت فيها حكومة يهيمن عليها الشيعة هو "قانون مكافحة الإرهاب" المثير للجدل المعروف شعبيا باسم "4 إرهاب"، وما جرى في ظله من حملات دهم وتفتيش واعتقال ضد السكان لاسيما في الموصل.
هذا القانون الذي مُرر عام 2005 من قبل سلطة تشريعية غير منتخبة لمواجهة ما وصف بالتمرد السُّني المتزايد من قبل أتباع النظام السابق والموالين للرئيس المخلوع صدام حسين والجماعات الإسلامية، لم يُلغ القانون الذي يرى السُّنة انه يستهدفهم بالدرجة الاولى ولم يعدل.
وقد قام السُّنة في بغداد والمناطق الغربية والشمالية والوسطى بحركة احتجاج منذ بداية عام 2013 ضد عمليات الاعتقال الكيفية واحتجازهم لسنوات دون محاكمة.
كما ان "اجتثاث البعث" الذي هو الاسم غير الرسمي لقانون آخر مثير للجدل هو "قانون المساءلة والعدالة"، يقول ريكناجلس إن السُّنة يعتبرونه من المظالم لأنه يستهدفهم بالدرجة الأولى وبشكل غير عادل.
وهو القانون الذي صدر عقب الاطاحة بالنظام السابق ويمنع الأعضاء المتقدمين في صفوف حزب البعث المخلوع من تولي مناصب حكومية بارزة وتم تضمينه في الدستور العراقي ليجعله مبدأ ثابتا لأطول فترة ممكنة، جرى تعديله عام 2008 بما يسمح للمشمولين حق الاستئناف.
ويرى السُّنة ان القانون يهدف الى استبعادهم من الوظائف الحكومية، فيما امتلأت مؤسسات الدولة بالموالين للأحزاب الشيعية كجزء من نظام المحسوبية، الامر الذي تنفيه الحكومة.
ومن المظالم الأخرى التي يشعر بها السُّنة استهداف قادتهم كما حصل مع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي سعى رئيس الحكومة نوري المالكي الى اعتقاله وذلك بعد يوم من مغادرة آخر جندي أمريكي العراق في كانون أول عام 2011 وفق المادة "4 ارهاب".
وقد اصدرت وزارة الداخلية في حينه أمرا بالقبض على الهاشمي بعد اعتقال عدد من حراسه الشخصيين وانتزاع اعترافات منهم بانه مسؤول عن اغتيالات اثناء فترة العنف الطائفي بين عامي 2006 و2007، الا ان مكتب رئيس الجمهورية جلال الطالباني (الكردي) أعرب عن دهشته لذلك، وفرَّ الهاشمي فيما بعد إلى المنطقة الكردية المتمتعة بحكم ذاتي، ومنها الى تركيا ليُدان فيما بعد وحُكم عليه بالإعدام غيابيا.
وبعد عام من هذا الحادث عمَّق الغضب السُّني اعتقال 10 من حراس سياسي سُّني آخر هو وزير المالية رافع العيساوي بتهمة الإرهاب ايضا، ما تسبب في خروج مظاهرات لمدة 70 يوما بلغت ذروتها في اعلان العيساوي استقالته من الحكومة في تجمع حاشد له خارج الرمادي.
كما أن قمع الاحتجاجات، يقول جارلس ريكناجلس، من قبل القوات الحكومية اثار غضب السُّنة فاعتصموا في الساحات العامة في مدنهم الرئيسية منددين بالفساد الحكومي وقلة الخدمات، ولقت اصداءَها في بعض المناطق الشيعية ودعمها.
ومما زاد من غضب السُّنة اقتحام القوات الأمنية لساحة اعتصام في الحويجة بكركوك في نيسان 2013 ما ادى الى مقتل 38 شخصا ورفض المتظاهرين تسليم متشددين مشتبه بهم بقتل جندي عراقي، كما داهمت قوات الأمن ساحة الاعتصام في الرمادي ليُقتل 14 شخصا ودفع متمردين سُّنة في وقت لاحق الى الاستيلاء على أجزاء من الرمادي والفلوجة.
ولنجاح تلك المجموعات السُّنية المسلحة في مسك الأرض في الفلوجة وأجزاء من الرمادي، ومقاومة القوات الحكومية لما يقرب من ستة أشهر، اكسبت المجموعات المسلحة الاخرى زخما لحملتها الشهر الجاري واجتياح شمال العراق والاستيلاء على الموصل ثاني كبريات مدن العراق بعد العاصمة والتوجه نحوها والتهديد باحتلالها.
والآن، يقول المحرر في اذاعة اوربا الحرة – اذاعة الحرية جارلس ريكناجلس، تبين أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش" هو الذي يشكل طليعة التمرد في المنطقة الغربية، لذا ظهرت الحاجة لإحياء حركة الصحوة السُّنية الجديدة التي انطلقت برعاية أميركية وتمثلت بتسليح العشائر السُّنية لهزيمة تنظيم القاعدة خلال عامي 2006-2007.
اذ بعد رحيل القوات الاميركية أوقفت حكومة المالكي تمويل رجال الصحوة السُّنة في خطوة اعتبروها مَظلمة أخرى اُضيفت الى بقية المظالم التي كان يشكونها. وأصبح السُّنة الان في موقف صعب بين عداوتهم للتنظيمات المتشددة وغضبهم على المالكي.
وفي أول بادرة أكد بعض قادة الصحوات دعمهم لحكومة بغداد، كما فعل رئيس مجلس صحوة الأنبار احمد أبو ريشة الذي قال ان رجاله يقاتلون تنظيم القاعدة في الأنبار منذ ستة أشهر، وهم على استعداد لمحاربتهم ستة أشهر أخرى، لكن هم بحاجة الى دعم أميركي.
كما ان السُّنه يرون مَظلمة في اشراك المالكي ميليشيات شِّيعية في بعض عمليات أمن الدولة، وأسوأ الأمثلة الحديثة عليها هو ما حصل في أواخر شهر آذار وبداية شهر نيسان الماضيين عندما دخلت قوات الأمن وأفراد ميليشيا "عصائب اهل الحق" بلدة بلدروز في ابريل نيسان وقتلت 23 شخصا على الاقل من سكانها من السُّنة الذين استرجعوا البلدة فيما بعد، كما يقول كيرك سويل المحلل السياسي من الأردن صاحب كتاب "داخل السياسة العراقية":
"إن رجال جيش الطريقة النقشبندية، يمكنك وصفهم بالبعثيين الجدد، بل هم بعثيون لأنهم بقيادة عزة ابراهيم الدوري الذي كان نائبا لصدام حسين، لذلك فهو السليل المباشر لحزب البعث الذي حكم العراق حتى عام 2003."
ويشير المقال الى ان كراهية أهل السُّنة للميليشيات الشِّيعية هو بسبب ما جرى من أعمال عنف طائفية بين عامي 2006 و2007، دفعت بالبلاد الى شفا حرب أهلية جراء تفجيرات، واعمال انتقامية متبادلة بين السُّنة والشِّيعة قام بها المتطرفون من الجانبين، وهدأت تلك الأعمال لكنها لم تختف تماما بل عادت خلال الأشهر الأخيرة وبلغت مستويات لم تشهدها منذ عام 2008.
وفي هذا الصدد يقول كيرك سويل المحلل السياسي من الأردن والمتخصص في الشأن العراقي:
"جزء من الدافع وراء التمرد السني هو الميليشيات الشِّيعية والقتل، هناك الكثير من الضحايا السنة، منذ بدء التمرد، حصلت مجزرة كبيرة في نيسان في بهرز بديالى من قبل الميليشيات الشيعية، هناك نشاط للمليشيات الشِّيعية، شيعة يقتلون سنة سبقت هذا التمرد السني الثاني ".
ويخلص تقرير المحرر جارلس ريكناجلس الى حقيقة ان سنة العراق ببساطة مستاؤون لفقدانهم وضعهم بسبب التغيير الذي حصل في ميزان القوى في العراق بعد الاطاحة بصدام حسين، اذ كانوا في ظل نظام صدام مهيمنين على المناصب العليا في البلاد، أما الان فان الشِّيعة هم من يهيمنون عليها. وظهر هذا الحنين للماضي في ساحات الاعتصام حيث رُفعت أعلام النظام السابق وعاد حزب البعث في تنظيم مسلح باسم جيش رجال الطريقة النقشبندية بقيادة عزة ابراهيم الدوري الذي كان نائبا لصدام حسين.
والبعثيون الجدد متحالفون اليوم مع تنظيم داعش وجماعات اسلامية مسلحة أخرى في مسعى لإعلاء شأن السنة مرة أخرى، لكن هناك اختلافا كبيرا في التوجهات والاهداف فالبعثيون يريدون اقامة دولة علمانية يهيمن عليها السُّنة فيما يهدف تنظيم "داعش" الى اقامة الخلافة الاسلامية في العراق وبلاد الشام على أساس تفسيرها الخاص المتطرف للشريعة الإسلامية، وهو ما حصل فعلا إذ أعلن التنظيم بعد اعداد هذا التقرير بساعات إقامة دولة الخلافة الإسلامية وإلغاء عبارتي العراق والشام من تسميته، واختيار زعيمه أبو بكر البغدادي خليفة، داعيا جميع الفصائل المسلحة الباقية في انحاء العالم الى مبايعته في تحدٍ مباشر لتنظيم القاعدة الذي أعلن تبرؤه منه في وقت سابق.
أعد هذا التقرير تشارلز ريكنغل لغرفة الأخبار المركزية في إذاعة أوروبا الحرة ونقله الى العربية هاشم علي مندي.