حقق العديدُ من العراقيين تميزاً وحضورا لافتا في بلدان الهجرة من خلال تحديهم لمصاعب التأقلم والاندماج مع الظروف الاجتماعية والبيئية الجديدة، بل استطاع بعضُهم تحويلَ مصاعب الاندماج الى عتبة تطور وإنجاز كما هو الحال في تجربة السيدة فائزة سلطان التي تركت مدينتها أربيل عام 1997 لترتحل مع عائلتها الى الولايات المتحدة حيث تعيش الان في ولاية واشنطن.
فائزة شخصية ضاجة بحبها لوطنها الام وأهلها وثقافتها الأولى، وعشقها وولعها باللغة العربية وجمالياتها، تكتب الشعر وتعمل كمترجمة محلفة رسميا في الولايات المتحدة.
ونجحت سلطان وهي خريجة جامعة الموصل ومدرّسة سابقة ومهتمة بشؤون التربية والتعليم والفنون في تطوير قدراتها في اللغة الانكليزية، ما أهّلها لتصبح عضواً في اتحاد المترجمين الأمريكيين وممثلة للقسم العربي في هذا الاتحاد لأول مرة.
وبين واجباتها كزوجة وام لأربعة أبناء وروح الشاعرة التي لم تفارقها حفلت ايامها باهتمامات إيجابية عديدة حرصت على ان تنجح فيها وتحقق خطوات ترضي طموحها
وتشخص فائزة سلطان أن نجاحها في التأقلم والاندماج بالمجتمع الجديد، واستثمار الفرص التي يتيحها للمهاجرين الجدد، يعود الى استقرار بيئتها العائلية الأولى في الوطن حيث نشأت في اسرة كثيرة الأولاد والبنات، فهي الطفلة رقم 9 من بين عشرة، وجدت رعاية ومحبة من الجميع وخصوصا أخيها الأكبر الشاعر الذي دفع شقيقته للاهتمام بالأدب والثقافة ووفر لها المتنوع والغني والدسم من كتب المعرفة والادب والفكر. وانعكس كل ذلك على تربيتها لأطفالها الأربعة فيما بعد.
أدركت ضيفة الحوار دور الترجمة في التعريف في المجتمعات وشخصيات الشعوب الأخرى من خلال القراءة ترجمات لا دابها قصصا ورواية وشعرا، خطت خطوة جريئة في مدينة سياتيل الامريكية بتأسيس "دار صافي" عام 2013 أول دار طبع ونشر وترجمة كتب من اللغة العربية والكردية، الى اللغة الإنكليزية، لتفتح امام الغربيين فرص الاطلاع على اعمال ادبية وفكرية مختلفة من كتاب عرب وكرد، وقد اثمرت الخطوة عن ترجمة ونشر عدد من الكتب الأدبية والفكرية، و تسنى للقاري الأمريكي لأول مرة الاطلاع و التعرف على جوانب مخفية من ثقافة العراقيين بدل اختصارها بالصورة النمطية الظالمة في الاعلام الغربي عن العربي والمسلم والشرقي التي اقترنت كثيرا بصفات الإرهاب والموت والقتل والعنف بينما انحسرت ملامح المحبة والعواطف والغنائية والوله التي عرف بها الشرقيون.
ولا يبتعد الحوار مع فائزة سلطان عن إشكالية ترجمة الشعر، ومدى صدقيتها في الحفاظ على جوهر الشعر وبلاغته وسحره، فترد على من يقول إن ترجمة الشعر، "كمن يتبادل القبلة من خلال لوح زجاج"، أن هكذا قبلة افضل من صحراء جرداء، وغياب التفاهم والحوار والاطلاع، متفقة مع صعوبة ترجمة الاعمال الأدبية اجمالا، والشعر منها على وجه الخصوص.
تشارك سلطان بحيوية وتأثير في العديد من الفعاليات الثقافية والمؤتمرات في الولايات المتحدة وهي مقتنعة بارتداء حجاب الرأس الذي اختارته عن قناعة، ووفرت لها الحياة في أمريكا أجواء الحرية والحق في التعبير عن هويتها بوضوح وتباهٍ. ولا تخفي ولعها الكبير باللغة العربية وجمالياتها وتعتبرها لغة الروح، بينما تطلق على لغتها الاصلية -الكردية-، اللغة الأم.
خلال الحوار مع فائزة سلطان نتناول محطات مختلفة من تجربتها كإنسانة وزوجة وأم وشاعرة ومُترجمة خلال نحو سبعة عشر عاما، ولا شك أن يرافقنا الشعر عبر مقاطع من قصائدها تنشرها دائما، تبث من خلالها حبها للحياة والانسان:
أزرع ُ زهرةً
في مكان
كل قسوة ٍ
اهديتهَا لي
***
لا أحقد عليك صدقني
فحينما رحلتَ
أتت الملائكة
واعادت لي روحي
***
يلوّح الخريفُ لي بمنديله الاصفر
وتتساقط وريقاتُ روحي
اتحس بها؟
ربما لا
فالربيع ما زال قائما في قلبك
***
إلهي
ما بوسعي
الا ان أبكي او اكتب
اما انت
فباستطاعتك
ان توقف
نزيف الروح هذا
***
بعثت لك بهدية زواجك
الم تصلك بعد؟
باقة ورد ٍ باكية
مع قلبٍ ذابل
***
اتأمل احشائي الممزقة
والسكين
ما يزال يبكي
في يدي
***
مكانك مظلم با ابي
وجسدك البارد
مثل عصفور ٍ شارد
لا يتدفأ
حتى بدموعي الحارة
على بيتك الجديد