يستعيد كثيرون صورةَ بلاد ما بين النهرين التي عُرفت على مدى العصور بانها أرض السواد وارض الزراعة، وسلة الغذاء التي أطعمت ملايين من أهلها وشعوب المنطقة، فضلا عن ما وفره نهرا دجلة والفرات من عوامل أساسية في نشأة أولى المراكز الحضارية في العالم.
وبرغم اقتران اسم العراق بالزراعة وبإنسانه المزارع الأول، فقد تباينت مواسمُ الوفرة والجدب من عصر الى اخر، وقد شهدت الزراعة تدهورا مقلقا وعزوفا من المزارعين والفلاحين عقب احداث تغيير النظام السابق عام2003. بسبب تداعيات الأحداث، وارتباك أداء مؤسسات الدولة والمجتمع.
لكن السنوات القليلة الماضية كشفت عن انتعاش ملموس في مختلف جوانب العملية الزراعية، خصوصا على صعيد انتاج المحاصيل الاستراتيجية ترادف مع المبادرة الزراعية التي أطلقتها الحكومة عام 2008
مؤشرات تسويق الحنطة مشجعة
اكدت وزارة الزراعة الاسبوع الماضي، المباشرة بحصاد وتسويق كميات كبيرة من محصول الحنطة متفائلة بأن يكون الموسم الحالي موسم َ الاكتفاء الذاتي منها.
وقد أعاد وكيل الوزارة الفني مهدي ضمد القيسي الى الاذهان خطة وزارته بالتركيز على المحاصيل الثلاثة الرئيسية التي تمثل مفتاح الامن الغذائي، بحسب تعبيره، الحنطة والشعير والذرة
وتوقعت وزارة الزراعة في بيان الوصول الى الاكتفاء الذاتي من الحنطة مقدرة ً حاجة العراق بأربعة ملايين وخمسمائة الف طن، وأن العمل متواصل لاستلام المزيد من محصول الحنطة، وأشار بيان عن الوكيل الإداري غازي راضي الى وجود تنسيق كبير مع وزارة التجارة بهذا الخصوص.
وفي تشخيص للعوامل المؤثرة بين وكيل الوزارة مهدي القيسي في حديث لإذاعة العراق الحر انهم اعتمدوا محورين في تطوير زراعة الحنطة، أحدهما ركز على استنباط أصناف وسلالات جيدة من البذور ذات النوعية الجيدة، والأخر تطبيقي في مجال تحسين العملية الزراعية بمراحلها المختلفة، من تهيئة التربة والتسميد والري والحصاد والخ
وقد ساهم دخول منظومات الري الحديثة في النهوض بزراعة المحاصيل الاستراتيجية خلال السنوات الأخيرة في العراق بشكل كبير، وضمن التسهيلات التي وفرتها الوزارة: بيع منظومة الري بنصف سعرها الاستيرادي للمزارع، على ان يسدد المبلغ-بدون فوائد-خلال عشر سنوات.
وبهذا الشأن أشاد عضو اللجنة الاقتصادية النيابية عبد العباس شياع بنتائج دعم العملية الزراعية للوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الحبوب الاستراتيجية، متوقفا في حديث لإذاعة العراق الحر أمام قيام الدولة بدفع مبالغ للمزارعين عن الحنطة المسوقة بأسعار اعلى من كلفتها في حال استيرادها، كجزء من عملية التشجيع على الزراعة
لا تكتمل العملية الزراعية بدون استكمال نقل المحصول وخزنه في صوامع الحبوب(السايلوات) التابعة للشركة العامة لتجارة الحبوب، حيث اكدت وزارة التجارة تواصل استلامها محصول الحنطة المحلية من الفلاحين والمسوّقين في عموم محافظات البلاد عدا اقليم كردستان، مشيرة في بيان الى ان محافظتي اربيل ودهوك باشرتا باستلام محصول الحنطة لهذا العام
صلاح الدين تتصدر انتاج الحنطة، والنجف تشكو
من جانبها توقعت محافظة صلاح الدين زيادة الكميات المسوقة من الحنطة والشعير والذرة بنسبة 30 بالمئة مقارنة بالعام المنصرم، في سعيها للحفاظ على تصدرها قائمة المحافظات المنتجة للمحاصيل الاستراتيجية في الموسم الحالي،
نائب المحافظ إسماعيل خضير الهلوب، اكد في تصريحات لجريدة المدى، أن "السايلوات السبعة الموجودة في المحافظة باشرت بتسلم محصولي الحنطة والشعير منذ 15 يوماً وسط مؤشرات تدل على أن صلاح الدين ستبقى في صدارة المحافظات بإنتاج الحبوب هذا الموسم". معترفاً بان أن استقرار اسعار شراء المحاصيل من الفلاحين والمزارعين حفزهم على زيادة المساحات المزروعة.
لكن مزارعين في محافظات اخرى أبدوا عدم الرضا من مؤشرات الموسم الحالي بسبب ظروف واجهتها حقولهم فضلا عن تحملهم تكاليف مضافة تتعلق بالوقود والمعدات الزراعية فضلا عن الأسمدة التي اشتروها من الأسواق التجارية. كما بين ذلك حاتم صالح أحد مزارعي المشخاب بمحافظة النجف
وردا على التفاؤل المفرط الذي أعلنته وزارة الزراعة بقرب اكتفاء العراق من محصول الحنطة اشار عضو اللجنة الزراعية في مجلس محافظة النجف هاشم الكرعاوي الى وجود خلل في تنفيذ إجراءات دعم المزارعين ومن ذلك تأخر تسليم الأسمدة أحيانا الى ما بعد موسم الحصاد للمنتج.
بينما انتقد المزارع علي البطيخ ان توقيتات تجهيز الأسمدة والبذور والمعدات للفلاحين من قبل الدولة ليست منتظمة على الاغلب، متمنياً تقليل الإجراءات البيروقراطية وفي الوقت الذي تتواصل فيه حملة تسليم محصولي الحنطة والشعير الى مخازن وزارة التجارة في مختلف المحافظات، أكد مزارعون خشيتهم من بطء إجراءات الاستلام واحتمال تعرض المحصول الى الحرائق كما حدث في العام المنصرم فضلا عما يتسببه تأخر تفريغ الشاحنات من مضاعفة كلفة المنتوج على الفلاحين كما تحدث عنهم من دهوك عارف عبد الله.
وماذا عن آفتَي الفساد والبيروقراطية؟
يبدو أن الروتين والفساد من أشد الآفات فتكاً وإضرارا في جسد الدولة العراقية، فمع تقدير عضو اللجنة الزراعية البرلمانية كاظم علي لمؤشرات التحسن العام في انتاج الحبوب الا انه توقف عند الروتين والبيروقراطية في التسبب بتأخر صرف القروض التي يحتاجها الفلاحون.
لكن وكيل وزارة الزراعة مهدي القيسي أكد، في حديث لإذاعة العراق الحر، ان الوزارة ساعية في تقديم أشكال الدعم والعون المختلفة للمزارعين الذي يدركون أهميتها، مستدلاً على ذلك بتنافس الكثيرين للتعاقد على الأراضي الزراعية كمشاريع مجدية.
ويعترف رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية محمد عسكر بان البعض من المزارعين لم يستثمر قروضه التي وفرتها المبادرة الزراعية في مشاريع ذات جدوى في القطاع الزراعي او الحيواني، بل اتجه بعضهم الى صرفها في غير مواضعها. وشدد عسكر على أهمية إزالة الحلقات الروتينية الزائدة في عملية الإقراض والتجهيز. لتلافي خسائر جانبية تتقاطع مع اهداف المبادرة الزراعية.
بين هذا الرأي وذاك يواصل المزارعون العراقيون تسليم منتوجهم من المحاصيل الاستراتيجية: الحنطة والشعير والذرة الصفراء لهذا الموسم، ويرى الوكيل الفني لوزارة الزراعة مهدي القيسي ان المؤشرات الإيجابية الأولى لموسم الحصاد تمثل نتيجة طبيعية للدعم الذي قدمته الوزارة للمزارعين، كاشفاً عن ان انتاج الذرة الصفراء -الذي يمثل بعد تجفيفه عنصرا أساسيا في اعلاف الدواجن - سيسجل هذا العام رقما غير مسبوق في العراق، بينما ستسد الحنطة نسبة كبيرة من احتياج المائدة العراقية، ويوفر الشعير علفا للماشية والاغنام التي تسجل اعدادها مؤشرات إيجابية هي الأخرى.
وبرغم المعوقات والانتقادات يتساءل البعض هل سيستعيد العراق بعضاً من هويته التاريخية كبلد زراعي من الطراز الأول؟ خبير السواق توفيق محمد لاحظ ان السنتين الأخيرتين شهدتا مواسم زراعية جيدة، وليس ادل على ذلك من ارتفاع إنتاجية الحبوب الاستراتيجية، فضلا عن إيقاف استيراد خمس عشرة مادة من الخضروات والفواكه حماية للمنتج المحلي.
شارك في الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد
وبرغم اقتران اسم العراق بالزراعة وبإنسانه المزارع الأول، فقد تباينت مواسمُ الوفرة والجدب من عصر الى اخر، وقد شهدت الزراعة تدهورا مقلقا وعزوفا من المزارعين والفلاحين عقب احداث تغيير النظام السابق عام2003. بسبب تداعيات الأحداث، وارتباك أداء مؤسسات الدولة والمجتمع.
لكن السنوات القليلة الماضية كشفت عن انتعاش ملموس في مختلف جوانب العملية الزراعية، خصوصا على صعيد انتاج المحاصيل الاستراتيجية ترادف مع المبادرة الزراعية التي أطلقتها الحكومة عام 2008
مؤشرات تسويق الحنطة مشجعة
اكدت وزارة الزراعة الاسبوع الماضي، المباشرة بحصاد وتسويق كميات كبيرة من محصول الحنطة متفائلة بأن يكون الموسم الحالي موسم َ الاكتفاء الذاتي منها.
وقد أعاد وكيل الوزارة الفني مهدي ضمد القيسي الى الاذهان خطة وزارته بالتركيز على المحاصيل الثلاثة الرئيسية التي تمثل مفتاح الامن الغذائي، بحسب تعبيره، الحنطة والشعير والذرة
وتوقعت وزارة الزراعة في بيان الوصول الى الاكتفاء الذاتي من الحنطة مقدرة ً حاجة العراق بأربعة ملايين وخمسمائة الف طن، وأن العمل متواصل لاستلام المزيد من محصول الحنطة، وأشار بيان عن الوكيل الإداري غازي راضي الى وجود تنسيق كبير مع وزارة التجارة بهذا الخصوص.
وفي تشخيص للعوامل المؤثرة بين وكيل الوزارة مهدي القيسي في حديث لإذاعة العراق الحر انهم اعتمدوا محورين في تطوير زراعة الحنطة، أحدهما ركز على استنباط أصناف وسلالات جيدة من البذور ذات النوعية الجيدة، والأخر تطبيقي في مجال تحسين العملية الزراعية بمراحلها المختلفة، من تهيئة التربة والتسميد والري والحصاد والخ
وقد ساهم دخول منظومات الري الحديثة في النهوض بزراعة المحاصيل الاستراتيجية خلال السنوات الأخيرة في العراق بشكل كبير، وضمن التسهيلات التي وفرتها الوزارة: بيع منظومة الري بنصف سعرها الاستيرادي للمزارع، على ان يسدد المبلغ-بدون فوائد-خلال عشر سنوات.
وبهذا الشأن أشاد عضو اللجنة الاقتصادية النيابية عبد العباس شياع بنتائج دعم العملية الزراعية للوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الحبوب الاستراتيجية، متوقفا في حديث لإذاعة العراق الحر أمام قيام الدولة بدفع مبالغ للمزارعين عن الحنطة المسوقة بأسعار اعلى من كلفتها في حال استيرادها، كجزء من عملية التشجيع على الزراعة
لا تكتمل العملية الزراعية بدون استكمال نقل المحصول وخزنه في صوامع الحبوب(السايلوات) التابعة للشركة العامة لتجارة الحبوب، حيث اكدت وزارة التجارة تواصل استلامها محصول الحنطة المحلية من الفلاحين والمسوّقين في عموم محافظات البلاد عدا اقليم كردستان، مشيرة في بيان الى ان محافظتي اربيل ودهوك باشرتا باستلام محصول الحنطة لهذا العام
صلاح الدين تتصدر انتاج الحنطة، والنجف تشكو
من جانبها توقعت محافظة صلاح الدين زيادة الكميات المسوقة من الحنطة والشعير والذرة بنسبة 30 بالمئة مقارنة بالعام المنصرم، في سعيها للحفاظ على تصدرها قائمة المحافظات المنتجة للمحاصيل الاستراتيجية في الموسم الحالي،
نائب المحافظ إسماعيل خضير الهلوب، اكد في تصريحات لجريدة المدى، أن "السايلوات السبعة الموجودة في المحافظة باشرت بتسلم محصولي الحنطة والشعير منذ 15 يوماً وسط مؤشرات تدل على أن صلاح الدين ستبقى في صدارة المحافظات بإنتاج الحبوب هذا الموسم". معترفاً بان أن استقرار اسعار شراء المحاصيل من الفلاحين والمزارعين حفزهم على زيادة المساحات المزروعة.
لكن مزارعين في محافظات اخرى أبدوا عدم الرضا من مؤشرات الموسم الحالي بسبب ظروف واجهتها حقولهم فضلا عن تحملهم تكاليف مضافة تتعلق بالوقود والمعدات الزراعية فضلا عن الأسمدة التي اشتروها من الأسواق التجارية. كما بين ذلك حاتم صالح أحد مزارعي المشخاب بمحافظة النجف
وردا على التفاؤل المفرط الذي أعلنته وزارة الزراعة بقرب اكتفاء العراق من محصول الحنطة اشار عضو اللجنة الزراعية في مجلس محافظة النجف هاشم الكرعاوي الى وجود خلل في تنفيذ إجراءات دعم المزارعين ومن ذلك تأخر تسليم الأسمدة أحيانا الى ما بعد موسم الحصاد للمنتج.
بينما انتقد المزارع علي البطيخ ان توقيتات تجهيز الأسمدة والبذور والمعدات للفلاحين من قبل الدولة ليست منتظمة على الاغلب، متمنياً تقليل الإجراءات البيروقراطية وفي الوقت الذي تتواصل فيه حملة تسليم محصولي الحنطة والشعير الى مخازن وزارة التجارة في مختلف المحافظات، أكد مزارعون خشيتهم من بطء إجراءات الاستلام واحتمال تعرض المحصول الى الحرائق كما حدث في العام المنصرم فضلا عما يتسببه تأخر تفريغ الشاحنات من مضاعفة كلفة المنتوج على الفلاحين كما تحدث عنهم من دهوك عارف عبد الله.
وماذا عن آفتَي الفساد والبيروقراطية؟
يبدو أن الروتين والفساد من أشد الآفات فتكاً وإضرارا في جسد الدولة العراقية، فمع تقدير عضو اللجنة الزراعية البرلمانية كاظم علي لمؤشرات التحسن العام في انتاج الحبوب الا انه توقف عند الروتين والبيروقراطية في التسبب بتأخر صرف القروض التي يحتاجها الفلاحون.
لكن وكيل وزارة الزراعة مهدي القيسي أكد، في حديث لإذاعة العراق الحر، ان الوزارة ساعية في تقديم أشكال الدعم والعون المختلفة للمزارعين الذي يدركون أهميتها، مستدلاً على ذلك بتنافس الكثيرين للتعاقد على الأراضي الزراعية كمشاريع مجدية.
ويعترف رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية محمد عسكر بان البعض من المزارعين لم يستثمر قروضه التي وفرتها المبادرة الزراعية في مشاريع ذات جدوى في القطاع الزراعي او الحيواني، بل اتجه بعضهم الى صرفها في غير مواضعها. وشدد عسكر على أهمية إزالة الحلقات الروتينية الزائدة في عملية الإقراض والتجهيز. لتلافي خسائر جانبية تتقاطع مع اهداف المبادرة الزراعية.
بين هذا الرأي وذاك يواصل المزارعون العراقيون تسليم منتوجهم من المحاصيل الاستراتيجية: الحنطة والشعير والذرة الصفراء لهذا الموسم، ويرى الوكيل الفني لوزارة الزراعة مهدي القيسي ان المؤشرات الإيجابية الأولى لموسم الحصاد تمثل نتيجة طبيعية للدعم الذي قدمته الوزارة للمزارعين، كاشفاً عن ان انتاج الذرة الصفراء -الذي يمثل بعد تجفيفه عنصرا أساسيا في اعلاف الدواجن - سيسجل هذا العام رقما غير مسبوق في العراق، بينما ستسد الحنطة نسبة كبيرة من احتياج المائدة العراقية، ويوفر الشعير علفا للماشية والاغنام التي تسجل اعدادها مؤشرات إيجابية هي الأخرى.
وبرغم المعوقات والانتقادات يتساءل البعض هل سيستعيد العراق بعضاً من هويته التاريخية كبلد زراعي من الطراز الأول؟ خبير السواق توفيق محمد لاحظ ان السنتين الأخيرتين شهدتا مواسم زراعية جيدة، وليس ادل على ذلك من ارتفاع إنتاجية الحبوب الاستراتيجية، فضلا عن إيقاف استيراد خمس عشرة مادة من الخضروات والفواكه حماية للمنتج المحلي.
شارك في الملف مراسل إذاعة العراق الحر في بغداد رامي احمد