حديث يتجدد عن جنيف 3 لمفاوضات سلام سوريا

يتجدد الحديث عن جولة ثالثة من مؤتمر جنيف لسلام سوريا رغم إخفاق جولات سابقة من هذه المفاوضات وتأزم العلاقات الدولية على خلفية الأزمة الأوكرانية.
لكن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قال في أحدث تصريحاته عن محادثات السلام السورية المتوقفة خلال مؤتمر صحفي في بروكسل الثلاثاء (1 نيسان) إن "العملية التي أُطلقت أثناء مؤتمر جنيف 2 لم تأتِ بالنتائج المرجوة، ونحن بحاجة إلى حثّ الإرادة السياسية للمجتمع الدولي، ونبذل قصارى جهودنا على عقد مؤتمر جنيف 3."

جَــــــــولَــــــــتا جنيف 2 خلال كانون الثاني وشباط الماضييْن لم تتوصلا إلى أي نتيجة ملموسة مع إصرار الحكومة السورية على تضمين مكافحة الإرهاب في رأس جدول الأعمال فيما يتمسّك وفد المعارضة بضرورة البحث أولاً في تشكيل هيئة حكم انتقالي وفقاً لما دعا إليه بيان مؤتمر جنيف الأول في حزيران 2012.
هذا فيما شهدت الأيام الأخيرة قتالاً ضارياً على محاور عدة مع تجاوز عدد قتلى الحرب المتواصلة منذ أكثر من ثلاث سنوات 150 ألفاً، وفقاً للأرقام التي أعلنها المرصد السوري لحقوق الإنسان في الأول من نيسان. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى وجود نحو ثلاثة ملايين لاجئ في دول الجوار بالإضافة إلى ستة ملايين نازح داخل سوريا. وأعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الخميس (3 نيسان) أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان تجاوز رقم المليون.

في الأثناء، يستمرُ امتداد الصراع السوري إلى دول الجوار لا سيما العراق ولبنان. وتُخاضُ منذ مطلع العام الحالي في محافظة الأنبار العراقية بشكل خاص معارك شبه يومية بين القوات الحكومية التي يؤازرها مسلحون من عشائر محلية في مواجهة عناصر جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

يُــــشار إلى استمرار الاقتتال داخل مناطق في سوريا بين مسلحي هذه الجماعة المنشقة عن القاعدة ضد مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة من جهة وفصائل متنافسة لا سيما جبهة النصرة. وفي تسجيلٍ بُــــــثّ على الإنترنت الجمعة، دعا أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة إلى وقف الاقتتال بين الفصائل المتشددة.
وأشارت رويترز في عرضها لمضمون التسجيل إلى ما أعلنته القاعدة في شباط بأنها ستنفصل عن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام بعد نزاعاتٍ بسبب رفض (داعش) قصر نشاطها على القتال في العراق بدلاً من سوريا حيث جبهة النصرة هي ذراع القاعدة.
ووقعت اشتباكات متفرقة بين جبهة النصرة وداعش منذ اندلاع الصراع بينهما في كانون الثاني. لكن الجماعتين حاربتا جنباً إلى جنب في بعض المناطق وحاولت جبهة النصرة التوسط بين داعش وفصائل منافسة أخرى.

وفيما يتعلق بتنامي الإرهاب في سوريا وما أشارَ إليه مسؤولون غربيون إلى مسؤولية الرئيس بشار الأسد عن هذا التنامي، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجمعة (4 نيسان) إن تفشي الإرهاب في سوريا بلغ "حجماً لا يسمح لشركائنا الغربيين بالتمسك بذريعة تقول إن الأسد نفسه بسياسته يساهم في تنامي الإرهاب". وأضاف أن "هذا الموقف غير مقبول إطلاقاً نظراً لجميع القرارات التي تم اتخاذها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتي تطالب بعدم تبرير الإرهاب تحت أية ذريعة"، بحسب ما نقلت عنه وكالة نوفوستي الروسية للأنباء.

من جهته، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفتيش الجمعة إن موقف موسكو الثابت "هو أن الصراع الدموي المسلح في سوريا لا يمكن حلّه عسكرياً وإنما بالوسائل الدبلوماسية." وأضاف أن روسيا مع استئناف عملية التفاوض في جنيف على اعتبار "أن المفاوضات السورية -السورية لم تستنفد إطلاقاً إمكانياتها ويجب استئنافها في أسرع وقت ممكن"، بحسب ما نقلت عنه وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء.

في غضون ذلك، وفي واشنطن، صرّح مسؤولان أميركيان لوكالة رويترز للأنباء الجمعة بأن الولايات المتحدة تضع اللمسات الأخيرة على خطة لزيادة تدريب مقاتلي المعارضة السورية وإرسال شحنات من الأسلحة الخفيفة لهم.
وأضاف المسؤولان المطلعان على الخطة أن الولايات المتحدة ستزيد المساعدات وسترسل هذه الشحنات لجماعات المقاتلين المعتدلة والتي تتواجد معظمها في الأردن بالإضافة إلى الحدود الجنوبية السورية.
كما نُقل عنهما القول إن من المرجح أن تكون تلك الإمدادات الإضافية متواضعة ولن تشمل صواريخ أرض جو.

ولــمزيدٍ من المتابعة والتحليل، أجريت مقابلة مع مديرة (مركز آسيا والشرق الأوسط) في معهد الدراسات الإستراتيجية في موسكو الدكتورة ييلينا سوبونينا التي أجابت عن سؤال لإذاعة العراق الحر في شأن الحديث المتجدد حول اتصالاتٍ تجريها الولايات المتحدة وروسيا الدولتان الراعيتان لجنيف 2 في شأن عقد جولة ثالثة من المفاوضات بالقول "إن هناك اتصالات دائمة على مستوى نواب وزراء الخارجية في روسيا والولايات المتحدة بالإضافة إلى اتصالات هاتفية مستمرة ما بين دبلوماسيين روس وأميركيين رفيعي المستوى مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي بهدف محاولة عقد اجتماع جنيف 3. وحتى في اللقاء الأخير بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأميركي جون كيري الذي تركّـــــز على الأزمة الأوكرانية فإنهما تطرّقا أيضاً إلى موضوع استئناف المفاوضات في جنيف"، بحسب تعبيرها.

وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، تحدثت سوبونينا عن موضوعات أخرى ذات صلة ومن بينها جدوى عقد جولة ثالثة من المفاوضات في جنيف بالنظر إلى الأخفاقات السابقة وتمسك المعارضة السورية بالبحث في تشكيل هيئة حكم انتقالي في أية محادثات أخرى مع دمشق التي تصرّ على البحث أولاً في موضوع مكافحة الإرهاب. كما أجابت عن سؤاليْن يتعلق أحدهما بما نقلته رويترز عن مصادر أميركية مطلعة بأن واشنطن في صدد تقديم مساعدات عسكرية إلى المعارضة السورية المعتدلة، والثاني عما إذا حانَ الوقت لإحالة ملف الحرب السورية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بدلاً من الحديث المتجدد عن جولة ثالثة من المفاوضات في جنيف.

من جهته، اعتبَـــــــرَ أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور حميد فاضل أن "الحديث عن تفاؤل بخصوص جنيف 3 هو ربما غير منطقي ولا يتطابق مع معطيات ما يجري من ظروف وأحداث سواء على الساحة السورية أو على الصعيد الدولي فيما يتعلق تحديداً بالعلاقات المتوترة بين الدولتين الراعيتين للمؤتمر اللتين تمكنتا من رعاية جنيف 2 في ظل تقارب سابق بين وجهات النظر الأميركية الروسية. ولكن رغم هذا التقارب فقد خرج جنيف 2 ومَن اجتمع فيه خالي الوفاض"، بحسب تعبيره.

وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أعرب الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي عن اعتقاده "بعدم وجود مساحة للتفاؤل بأن جنيف 3 سيفضي إلى نتائج إيجابية لعدة اعتبارات أبرزها ما يجري ميدانياً من معارك تشتد ضراوتها في اللاذقية وحلب ودمشق مع غياب الأمل والرغبة والإرادة لطرفيْ الصراع في الجلوس على مائدة المفاوضات فيما على الصعيد الخارجي تمر العلاقات الروسية الأميركية بأصعب مراحلها منذ انتهاء الحرب الباردة على خلفية التطورات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية."

مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلتين مع أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. حميد فاضل، ومديرة (مركز آسيا والشرق الأوسط) في معهد الدراسات الإستراتيجية في موسكو د. ييلينا سوبونينا.