يتميز الكاتب، الاعلامي، الشاعر، الدبلوماسي جميل الجبوري بتنوع اهتماماته وبحثه، فقد عُرف على مدى عقود مُعداً ومقدماً لبرامج ثقافية تلفزيونية واذاعية، ونجماً اجتماعياً، ومحاوراً لبقاً ولماحا، في الحوار معه ذهبنا الى واحة الشعر الشعبي وأسراره وبدائعه، فحدثنا الجبوري عن الشعراء المجهولين الذين أهدونا بدائع الشعر، وابيات دارمي، وابوذيات أصبحت جواهر في ذاكرة العراقيين.
يتوقف الجبوري عند المزاوجة بين الشعر القريض والشعبي في العراق، مستحضرا نماذج من الدارمي، التي تقترب على مستوى المفردة والمعنى من ابيات لشاعرٍ عربي قديم ومنها:
ياولفي مانساكيش لمكركع الخام
عالكَبر لو مرّيت أتحرّك عظام
فكأنه صدى لقول توبة بن الحُمير صاحب ليلى الاخيلية، وهو من عشاق العرب، وصعاليكها:
ولو أن ليلى الأخيليـة سلّمتْ
عليَّ ودوني تربـةٌ وصفائحُ
لسلمتُ تسليم البشاشةِ أو رقا
إليها صدًى من جانب القبر صائحُ
ويطلق شاعرٌ شعبي عراقي غير معروف هذا الدارمي الذي إستقر في ذاكرة العراقيين:
رضرض جميع إعضاي امرخّص عليهه
بس لا تدش بالروح...جيف انته بيهه
وهي مجاراة لقول الشاعر مجير الدين بن تميم، من شعراء العصر المملوكي:
يا مُحرقاً بالنار وجهَ مُحبـهِ
مهـلاً فـإن مـدامعـي تطفيـهِ
أحرق بها جسدي وكلَ جوارحي
واحـذر على قلبي فإنك فيـهِ
ويفتن الشاعر الموصلي عبد الكريم العلاف بالصورة الشعرية البليغة في قول ابو العلاء المعري:
خفف الوطءَ ما أظن أديم الأرض
إلا من هذه الأجســــادِ
رُب لحدٍ قد صار لحداً مراراً
ضاحكٍ من تزاحم الأضداد
فيقول العلاف:
الأرض كلها أرواح خَفِّفْ مشيتك
حتى على الميتين عمَّـتْ أذيتك
شعرنا معتق بالحزن والتوجع والفراق، أما شعرُهم..
يعتقد الجبوري أن حرارة ووجع الصورة الشعرية في العراق مرتبط بالبيئة الاجتماعية المحدودة المعنى والخيال، والقامعة للعشق والحب، فتجد الشاعر العراقي يطلق العنان لخيالاته وهيامه حد الموت، حباً أو خوفاً.
ويستحضر الجبوري موقفا شهده خلال سنوات خدمته في السفارة العراقية في اسبانيا، عندما حضر حفلا أحياه الغجرُ الاسبان، زاخرا بالموسيقى الحيوية الدافقة بالجمال والعذوبة، حيث اشتعلت أجساد الراقصات الغجريات الميادة بحركات تعبر عن الفرح والبهجة والتغزل بالمعشوق، بينما تغلب على شعرنا الشعبي، وحتى حفلات الغجر العراقيين، ملامحُ الحزن والتوجع والتأسّي على حبيب بعيد أو غيبه الموت قهرا.
يرى الاديب الجبوري ان الامر مرتبط بالفرق الشاسع بين الحضارتين، فواحدة تطلق عناصر حب الحياة والبحث عن الأمل والتطلع للمستقبل، بينما الاخرى تنكفئ على حزنها وتوجعها، وتقمع عشاقها ومحبيها.
مظفر النواب وراية الشعر الشعبي الحديث
وإذ يدور الحديث عن الشعر الشعبي، فلا يمكن ان يمر دون التوقف عند القيمة المؤثرة للشاعر الكبير مظفر النواب، الذي يعتبره جميل الجبوري رافعَ راية الشعر الشعبي الحديث، حيث مزج مظفر، برأيه، الفكر الوطني الجديد بأصالة الشعر القديم، لينتج قصيدة رائعة، بصورها ولغتها وافكارها، ولنقرأ هذين النموذجين:
يلـّي..ماجاسك فكر بالليل ومجاسك سهر
يلـّي بين حواجبك ..غـفـوة
نـهــر
يلـّي جـرّة سمـا بعـينـك
خاف أفـززهـا من أكَـلّك
آنـا احـبـّك
***
ويقول النواب في قصيدة أخرى:
مَيلن لا تنكطن كحل
فوق الدم
مَيلن
وردة الخزامة تنكط دم
يشير الاديب جميل الجبوري الى ان مظفر النواب الذي ابدعَ وجوّدَ وخلقَ وأضاف للشعر الشعبي العراقي الكثير، صعُبَ عليه الفكاك من أحزان وأوجاع مجتمعه العراقي، وهذا ما طبع اغلب قصائده.
يتوقف الجبوري عند المزاوجة بين الشعر القريض والشعبي في العراق، مستحضرا نماذج من الدارمي، التي تقترب على مستوى المفردة والمعنى من ابيات لشاعرٍ عربي قديم ومنها:
ياولفي مانساكيش لمكركع الخام
عالكَبر لو مرّيت أتحرّك عظام
فكأنه صدى لقول توبة بن الحُمير صاحب ليلى الاخيلية، وهو من عشاق العرب، وصعاليكها:
ولو أن ليلى الأخيليـة سلّمتْ
عليَّ ودوني تربـةٌ وصفائحُ
لسلمتُ تسليم البشاشةِ أو رقا
إليها صدًى من جانب القبر صائحُ
ويطلق شاعرٌ شعبي عراقي غير معروف هذا الدارمي الذي إستقر في ذاكرة العراقيين:
رضرض جميع إعضاي امرخّص عليهه
بس لا تدش بالروح...جيف انته بيهه
وهي مجاراة لقول الشاعر مجير الدين بن تميم، من شعراء العصر المملوكي:
يا مُحرقاً بالنار وجهَ مُحبـهِ
مهـلاً فـإن مـدامعـي تطفيـهِ
أحرق بها جسدي وكلَ جوارحي
واحـذر على قلبي فإنك فيـهِ
ويفتن الشاعر الموصلي عبد الكريم العلاف بالصورة الشعرية البليغة في قول ابو العلاء المعري:
خفف الوطءَ ما أظن أديم الأرض
إلا من هذه الأجســــادِ
رُب لحدٍ قد صار لحداً مراراً
ضاحكٍ من تزاحم الأضداد
فيقول العلاف:
الأرض كلها أرواح خَفِّفْ مشيتك
حتى على الميتين عمَّـتْ أذيتك
شعرنا معتق بالحزن والتوجع والفراق، أما شعرُهم..
يعتقد الجبوري أن حرارة ووجع الصورة الشعرية في العراق مرتبط بالبيئة الاجتماعية المحدودة المعنى والخيال، والقامعة للعشق والحب، فتجد الشاعر العراقي يطلق العنان لخيالاته وهيامه حد الموت، حباً أو خوفاً.
ويستحضر الجبوري موقفا شهده خلال سنوات خدمته في السفارة العراقية في اسبانيا، عندما حضر حفلا أحياه الغجرُ الاسبان، زاخرا بالموسيقى الحيوية الدافقة بالجمال والعذوبة، حيث اشتعلت أجساد الراقصات الغجريات الميادة بحركات تعبر عن الفرح والبهجة والتغزل بالمعشوق، بينما تغلب على شعرنا الشعبي، وحتى حفلات الغجر العراقيين، ملامحُ الحزن والتوجع والتأسّي على حبيب بعيد أو غيبه الموت قهرا.
يرى الاديب الجبوري ان الامر مرتبط بالفرق الشاسع بين الحضارتين، فواحدة تطلق عناصر حب الحياة والبحث عن الأمل والتطلع للمستقبل، بينما الاخرى تنكفئ على حزنها وتوجعها، وتقمع عشاقها ومحبيها.
مظفر النواب وراية الشعر الشعبي الحديث
وإذ يدور الحديث عن الشعر الشعبي، فلا يمكن ان يمر دون التوقف عند القيمة المؤثرة للشاعر الكبير مظفر النواب، الذي يعتبره جميل الجبوري رافعَ راية الشعر الشعبي الحديث، حيث مزج مظفر، برأيه، الفكر الوطني الجديد بأصالة الشعر القديم، لينتج قصيدة رائعة، بصورها ولغتها وافكارها، ولنقرأ هذين النموذجين:
يلـّي..ماجاسك فكر بالليل ومجاسك سهر
يلـّي بين حواجبك ..غـفـوة
نـهــر
يلـّي جـرّة سمـا بعـينـك
خاف أفـززهـا من أكَـلّك
آنـا احـبـّك
***
ويقول النواب في قصيدة أخرى:
مَيلن لا تنكطن كحل
فوق الدم
مَيلن
وردة الخزامة تنكط دم
يشير الاديب جميل الجبوري الى ان مظفر النواب الذي ابدعَ وجوّدَ وخلقَ وأضاف للشعر الشعبي العراقي الكثير، صعُبَ عليه الفكاك من أحزان وأوجاع مجتمعه العراقي، وهذا ما طبع اغلب قصائده.