إنتشرت في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير جرائم متعددة نتيجة الإنفلات الأمني، وهناك العديد من المناطق لم تشهد أحداث انفلات مماثلة لما وقع في معظم أنحاء مصر، هذه المناطق خاضعة لحكم ما يعرف بالقانون العرفي منذ عصور قبل الثورة المصرية، وحاليا.
في صعيد مصر، وشبة جزيرة سيناء تتم تسويته المشكلات عبر ما يعرف بالمجالس العرفية، وأثبتت هذه المجالس كفاءة هائلة في الحفاظ على النسيج الاجتماعي للعديد من الأسر والقبائل المصرية، وأصبحت بمثابة المرجعية، والملاذ العادل والآمن في حال وقوع خلاف أو مشكلة، وخاصة بعد أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير.
أحد كبار المجالس العرفية بمنطقة العمارى في الأقصر، محمد عبد النبي يشير إلى أن "المجلس العرفي يتكون من سبعة إلى عشرة أعضاء يتحلون بأمور عديدة منها الصبر، والخبرة، وحسن السيرة، والذكاء، واحترام الآخرين حتى يلتزم الجميع بحكمهم".
ويضيف عبد النبي أن "المجلس يستطيع تسوية أية مشكلة في ساعات قليلة بعكس القضايا والنزاعات التي تحال إلى ساحات المحاكم، وقد تستمر لسنوات طويلة دون حل"، مشيراً إلى أن "المجلس لا يلجأ إلى تأجيل المشكلة أو النزاع إلا في حالة اشتداده بين أطرافه حتى يهدأ الجميع".
وفي حال عدم رضوخ أي طرف من أطراف النزاع بحكم المجلس العرفي يتم طرده من عائلته ويعرف هذا الطرد بـ"التشميس".
يقول نجل أكبر شيوخ البر الغربي بمدينة الأقصر بجنوب مصر، الشيخ محمد أحمد الطيب في حديث خاص، وهو نفسه نجل الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، إن "المجالس العرفية تلعب دوراً مهماً في مساعدة الجهات الأمنية، وتخفيف العبء عنها في معظم المشاكل والخلافات التي تطفو على السطح في صعيد مصر نظرا لطبيعة العادات والتقاليد التي تحكم المجتمعات هناك، ويجد فيها المسؤول من خارجها صعوبة بالتوصل إلى حلول بشأنها".
ويضيف الطيب أنهما "اكتشفا بعد سنة ونصف من التردد على الجهات الأمنية والقضائية أنه لا جدوى من ذلك لأنهما لا يمتلكان دليلا على صدق روايتهما، فطلبا من المجلس العرفي بساحة الشيخ الطيب التدخل، وفي ساعات قليلة استطاع المجلس رد المبلغ ما دعا الشخص البريطاني إلى عرض مبلغا من المال على المجلس نظير إعادته لأمواله، لكنه رفض".
ويتحدث عن أن "مسيحيا تعرض لعملية نصب في مبلغ قدره 750 ألف يورو، لكن المجلس العرفي استطاع من خلال الالتزام بالأعراف، والتقاليد، تسوية المشكلة بالشكل الودي في إطار من الأخوة التي تجمع بين المسلمين والمسيحيين في مصر".
ويؤكد عبد النبي أن "خلافات الثأر عادة ما تكون بسبب خلاف علي قطعة أرض فتحدث مشادة فيسقط شخص بطلق ناري أو خلاف بين الأصدقاء بإهانة طرف للآخر، ويصر الآخر علي رد حقه وغالباً ما يكون بالدم".
ويضيف كبير أعضاء المجلس العرفي بالعماري أن "قضايا الثأر لا تموت، ولا تُنسي مهما دار الزمن، وتتعلق بقتل خيرة شباب العائلات لأنه من عادة الثأر أن يقتل أفضل وأصغر من في العائلة المراد أخذ الثأر منها، ويعترف القاتل بفعلته، ولا يقبل العزاء حتى يتم أخذ الثأر"، ولذلك لا يسمح للمجالس العرفية كثيرا بالتدخل في مثل هذه القضايا".
وشهدت مناطق مختلفة في مصر انتقال ظاهرة المجلس أو القضاء العرفي إليها، خاصة بعد أحداث الثورة، ويقول عمر عبد الله، من حي إمبابة، التابع لمحافظة الجيزة، "إن المنطقة تحتكم للمجالس العرفية منذ قيام الثورة، وعائلتنا تعرضت إلى مشكلة كبيرة، بسبب خلاف مع جيراننا التجار، واضطررنا إلى اللجوء للمجلس العرفي، واستدعينا أحد شيوخ المجالس العرفية من مدينة الإسماعيلية للفصل، خصوصا وأننا هنا لم نعرف هذا الأمر قبل الثورة، وبالفعل انتهت الأزمة رغم غياب السلطة النظامية للدولة، وحتى الآن لم يعد الأمن بشكل كامل، ونحن ننظم أمورنا بأنفسنا".
المدهش أنه بعد ساعات قليلة من إنهيار المؤسسة الأمنية في مصر يوم 28 كانون الثاني 2011 تمكن المصريون خلال ساعات قليلة من تنظيم أنفسهم، وتأسست بصورة تلقائية في كل شارع وحارة ما أطلق عليه المصريون "اللجان الشعبية"، وهذه اللجان هي التي حمت مختلف أنحاء مصر من هجوم الفارين من السجون التي فتحت عن عمد، وهي التي وفرت الحماية لأصحاب المحلات التجارية ليتمكن المواطنون من ممارسة حياتهم، ووفرت الخبز بعد تعطل الأفران بالتعاون مع قوات الجيش.
ومن المثير أن ننبه إلى أن مختلف مناطق العاصمة خاصة الشعبية منها اعتمدت طوال المرحلة الماضية على القضاء العرفي، ولكن بسبب عدم وجود سوابق كانوا يستدعون قضاة عرفيين من سيناء والصعيد والصحراء الغربية، خصوصا من البدو الذين يعيشون في كنف القانون والقضاء العرفي.
في صعيد مصر، وشبة جزيرة سيناء تتم تسويته المشكلات عبر ما يعرف بالمجالس العرفية، وأثبتت هذه المجالس كفاءة هائلة في الحفاظ على النسيج الاجتماعي للعديد من الأسر والقبائل المصرية، وأصبحت بمثابة المرجعية، والملاذ العادل والآمن في حال وقوع خلاف أو مشكلة، وخاصة بعد أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير.
تكوين المجلس العرفي
يتكون المجلس العرفي من مجموعة من الأشخاص المشهود لهم بالعدل، والورع، والتقوى، وحسن معاملة الناس، لذا يلجأ إليهم الناس لتسوية مشاكلهم وخلافاتهم.أحد كبار المجالس العرفية بمنطقة العمارى في الأقصر، محمد عبد النبي يشير إلى أن "المجلس العرفي يتكون من سبعة إلى عشرة أعضاء يتحلون بأمور عديدة منها الصبر، والخبرة، وحسن السيرة، والذكاء، واحترام الآخرين حتى يلتزم الجميع بحكمهم".
ويضيف عبد النبي أن "المجلس يستطيع تسوية أية مشكلة في ساعات قليلة بعكس القضايا والنزاعات التي تحال إلى ساحات المحاكم، وقد تستمر لسنوات طويلة دون حل"، مشيراً إلى أن "المجلس لا يلجأ إلى تأجيل المشكلة أو النزاع إلا في حالة اشتداده بين أطرافه حتى يهدأ الجميع".
وفي حال عدم رضوخ أي طرف من أطراف النزاع بحكم المجلس العرفي يتم طرده من عائلته ويعرف هذا الطرد بـ"التشميس".
أحكام لا تنقض
ويؤكد عبد النبي "أن هناك التزاما كاملا من قبل كافة الأطراف بحكم العرف، ويستحيل على أي طرف مراجعة الحكم، وإذا لم يلتزم تتم معاقبته وفقا للأعراف مثل الطرد من العائلة إذ لا تستطيع عائلته التعامل معه بعد نقضه للعرف، وهو ما يعرف بالتشميس".يقول نجل أكبر شيوخ البر الغربي بمدينة الأقصر بجنوب مصر، الشيخ محمد أحمد الطيب في حديث خاص، وهو نفسه نجل الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، إن "المجالس العرفية تلعب دوراً مهماً في مساعدة الجهات الأمنية، وتخفيف العبء عنها في معظم المشاكل والخلافات التي تطفو على السطح في صعيد مصر نظرا لطبيعة العادات والتقاليد التي تحكم المجتمعات هناك، ويجد فيها المسؤول من خارجها صعوبة بالتوصل إلى حلول بشأنها".
الأجانب يلجأون للمجلس العرفي
ويروي الشيخ الطيب، واحدة من المشكلات التي قام بتسويتها المجلس العرفي، إذ أن "شخصا بريطاني الجنسية يدعى كلارك، وزوجته الأيرلندية تعاملا مع أحد أبناء القرية لبناء فندق بالبر الغربي لمدينة الأقصر، وأودعاه مبلغ مليون ونصف المليون دولار دون ضمانات، ولم يقم بالتزاماته".ويضيف الطيب أنهما "اكتشفا بعد سنة ونصف من التردد على الجهات الأمنية والقضائية أنه لا جدوى من ذلك لأنهما لا يمتلكان دليلا على صدق روايتهما، فطلبا من المجلس العرفي بساحة الشيخ الطيب التدخل، وفي ساعات قليلة استطاع المجلس رد المبلغ ما دعا الشخص البريطاني إلى عرض مبلغا من المال على المجلس نظير إعادته لأمواله، لكنه رفض".
لا فارق بين مسلم ومسيحي في المجلس
ويؤكد نائب سماحة الشيخ الطيب، الشيخ فتحي أنه "ليس هناك فرق بين مسلم ومسيحي داخل المجالس لأنهم جميعا يلتزمون بقواعد العرف والتقاليد".ويتحدث عن أن "مسيحيا تعرض لعملية نصب في مبلغ قدره 750 ألف يورو، لكن المجلس العرفي استطاع من خلال الالتزام بالأعراف، والتقاليد، تسوية المشكلة بالشكل الودي في إطار من الأخوة التي تجمع بين المسلمين والمسيحيين في مصر".
قضايا الثأر لا يسمح للعرف بالتدخل فيها
وعلى الرغم من اختفاء قضايا الثأر في عدد من المناطق، لكن تلك النوعية من القضايا التي تسبب هزة اجتماعية ونفسية كبيرة للمجتمع المصري تظهر بين الحين والآخر مثل القضية الشهيرة في قرية بيت علام بمحافظة سوهاج جنوبا سنة 2002، التي راح ضحيتها 22 شخصا بسبب خلافات بين أسرتين تعود إلى سنة، 1990 حينما نشبت مشاجرة بين أطفال العائلتين خلال حفل عرس.ويؤكد عبد النبي أن "خلافات الثأر عادة ما تكون بسبب خلاف علي قطعة أرض فتحدث مشادة فيسقط شخص بطلق ناري أو خلاف بين الأصدقاء بإهانة طرف للآخر، ويصر الآخر علي رد حقه وغالباً ما يكون بالدم".
ويضيف كبير أعضاء المجلس العرفي بالعماري أن "قضايا الثأر لا تموت، ولا تُنسي مهما دار الزمن، وتتعلق بقتل خيرة شباب العائلات لأنه من عادة الثأر أن يقتل أفضل وأصغر من في العائلة المراد أخذ الثأر منها، ويعترف القاتل بفعلته، ولا يقبل العزاء حتى يتم أخذ الثأر"، ولذلك لا يسمح للمجالس العرفية كثيرا بالتدخل في مثل هذه القضايا".
وشهدت مناطق مختلفة في مصر انتقال ظاهرة المجلس أو القضاء العرفي إليها، خاصة بعد أحداث الثورة، ويقول عمر عبد الله، من حي إمبابة، التابع لمحافظة الجيزة، "إن المنطقة تحتكم للمجالس العرفية منذ قيام الثورة، وعائلتنا تعرضت إلى مشكلة كبيرة، بسبب خلاف مع جيراننا التجار، واضطررنا إلى اللجوء للمجلس العرفي، واستدعينا أحد شيوخ المجالس العرفية من مدينة الإسماعيلية للفصل، خصوصا وأننا هنا لم نعرف هذا الأمر قبل الثورة، وبالفعل انتهت الأزمة رغم غياب السلطة النظامية للدولة، وحتى الآن لم يعد الأمن بشكل كامل، ونحن ننظم أمورنا بأنفسنا".
المدهش أنه بعد ساعات قليلة من إنهيار المؤسسة الأمنية في مصر يوم 28 كانون الثاني 2011 تمكن المصريون خلال ساعات قليلة من تنظيم أنفسهم، وتأسست بصورة تلقائية في كل شارع وحارة ما أطلق عليه المصريون "اللجان الشعبية"، وهذه اللجان هي التي حمت مختلف أنحاء مصر من هجوم الفارين من السجون التي فتحت عن عمد، وهي التي وفرت الحماية لأصحاب المحلات التجارية ليتمكن المواطنون من ممارسة حياتهم، ووفرت الخبز بعد تعطل الأفران بالتعاون مع قوات الجيش.
ومن المثير أن ننبه إلى أن مختلف مناطق العاصمة خاصة الشعبية منها اعتمدت طوال المرحلة الماضية على القضاء العرفي، ولكن بسبب عدم وجود سوابق كانوا يستدعون قضاة عرفيين من سيناء والصعيد والصحراء الغربية، خصوصا من البدو الذين يعيشون في كنف القانون والقضاء العرفي.