بعد خمسة عشر عاما على رحيله، مازال الجواهري بشعره ومواقفه وعبقريته حاضرا في ذاكرة شعبه وكل عشاق الشعر واللغة والحياة، رحل مجايلوه من الأعلام والسياسيين والقادة والملوك، وبقي صوته وشعره وثوراته، ألم يقل بان قصيده" سيبقى ويفنى نيزك وشهابُ؟ بل مازال صوته مجلجلا:
وهاهو عنـده فلَكٌ يدوي وعنـد منعّم قصرٌ مشــيدُ
يموت الخالدون بكل فجٍٍ ويستعصي على الموتِ الخلودُ
لرئيس َمركز الجواهري في براغ الإعلامي رواء الجصاني أكثر من صفة تجعلهُ خير من يتحدث عن الجواهري، ففضلا عن انه ابن أخت الشاعر الكبير، وأحد المقربين منه رافقه سنوات عديدة تعلم منهُ، ونقل عنه الكثير، فهو كاتبٌ وصحفي وباحث في تراث الجواهري وشعره وتاريخه.
نعرج خلال الحوار على قصة انتقاله من مسقط رأسه النجف، مدينة الأدب وجذوة الثورات الفكرية والفقه والتدين، حيث ترعرع في كنف والده وعائلته العريقة بالادب والفكر، فليس غريبا ان ينشأ محاطاً باياقاعات بالشعر وقصائد البحتري والمتنبي وغيرهما من قمم الشعر العربي، وان يبدع ويتميز مبكرا في هذا الشأن، النجف بكل قوانينها الاجتماعية الصارمة وأجوائها دفعت الشاب محمد مهدي الجواهري، الى التمرد والبحث عن فضاءات تستوعب أحلامه وتطلعاته المفتوحة، فيمم صوب بغداد، التي أغوت الشاعرَ ببريقها وانفتاح حياتها الزاخرة بالحرية والمتعة والاكتشاف نهاية العشرينات من القرن الماضي.
يرى الجصاني ان الجواهري باعتباره سابقا لجيله لم يطق قيود الحياة في النجف وضوابطها فلجا الى التمرد بعبقريته الشهرية كان مفتونا ببغداد بل كان متمرا حتى على نفسه ليعبر عن دواخله.
ويتناول الحوار مع الجصاني روح التمرد والتحدي لدى الجواهري، التي كثيرا ما انعكست على أشعاره، فنتوقف عند تركه العمل في بلاط الملك فيصل الأول برغم رعاية الملك واحتضانه له، بعد تماديه في نشر قصائده المثيرة للجدل والاهتمام، ويذكرالجواهري في مذكراته أن قصيدة جربيني كانت وراء تركه العمل في البلاط الملكي.
وتمثل قصيدة "جربيني" حينها تحدٍ للمجتمع والناس، واثارت استياء المتزمتين بقدر ما كانت موضع ترحاب الداعين الى التمرد والتحرر الاجتماعي، يقول الجواهري فيها:
جربيني من قبل أن تزدريني وإذا ما ذممتني فاهجريني
ويقيناً ستندمين على أنك من قبل كنتِ لم تعرفيني
كل ما في الحياة من متع العيش ومن لذة بها يزدهيني
التقاليد والمداجاة في الناس ..عدوّ لكل حرٍ فطين
أما قصيدة "بديعة"، التي قالها في إحدى مغنيات وراقصات ملاهي بغداد، فزخرت بالصور المثيرة وعُدت من الأدب الكشوف لدى البعض، فيما رحب بها آخرون وتغنوا:
تُرضين مغترباً ومشترقا وتقارعين الصفَ والصفا
هزي لهم ردفا إذا رغبوا ودعي لنا ما جاور الردفا
ويشير الجصاني الى أن الجواهري حرص َعلى توثيق كل حالة وموقف مر به في حياته، فهو يقول في موقف الفخر والطموح وهو بعدُ في مرحلة الشباب:
كلما حُدثتُ عن نجمٍ بدا حدثتني النفسُ أنْ ذاك أنا!
وفي موقف التحدي والتحذير يقول الجواهري انه وديعٌ كالحمامة، إلا أنه يكون منتفضا كالنسر حين يستثيره الخصوم:
عندي وداع حمامةٍ فإذا استثرتُ فجوعُ نسرِِ
وفي النزالات السياسية وخصوماته مع حاسديه – كما كان يسميهم ترى الجواهري مهاجماً يلوّح بغضبه و ثورته إذ يقول:
انأ حتفهم ألجُ البيوتَ عليهمُ أغري الوليدَ بشتمهم والحاجبا
ويلاحظ الجصاني أن خصوم الجواهري أو ناقديه ما كانوا لينازلوه تجنبا لوقع هجائه وشدة غضبه شعرياًّ، هذا عدا أنهم لا يجرؤون على الرد عليه خشية المزيد من الغضب والهجاء!
يا غادرا إن رمت تسألني أجيبك من أنا
أنا العروض أنا القوافي والقريض وما علا
سلْ مضجعيك يا ابن الزنا أأنت العراقي أم أنا
ويشدد رئيس مركز الجواهري في براغ رواء الجصاني على أن هذه القصيدة ليست من الجواهري بشئ و أن أيَ متدبر للشعر واللغة يدرك أنها لا ترقى إلى أن تنسب للجواهري.
وبهذا الشأن ينفي الجصاني أن يكون النظام السابق قد اسقط الجنسية العراقية عن الجواهري كما يشاع دائما، برغم وجود البعض من رجالات النظام من كان يود لو قام بهذه الخطوة، لكنهم لم يجرأوا على ذلك كما يقول الجصاني، الذي يذكر ان البعض عمل على نشر هذه القصة المثيرة إعلاميا لينتفع منها وشخصيا!
وبهذا الشان ينقل رئيس مركز الجواهري رواء الجصاني، عن خاله الشاعر الكبير عندما شاكسه في ساعة استرخاء متسائلا عن قصائده التي قالها تحية ومدحا لقادة وملوك ورؤساء، وفيما اذا ما كانت تلك القصائد تضر بشخصيته شاعرا عملاقا فردا، فكان رد الجواهري: انهم يحيّوني، ويضيّفوني فهم البادئون بالتحية فبأي شئ أرد عليهم وأنا الشاعر؟
ويؤرخ الجواهري للأمر شعرياً اذ يقول:
وما انأ طالبٌ مالاً لأني تاركٌ هناك مالاً ... وآلا
ولا جاهاً فعندي منه إرث تليد لا كجاهِهم انتحالا!
وتم اختيار ثمانية أبيات من قصيدة الشاعر لتكون السلام الجمهوري الجديد وهيك
سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى
على النخيل ذي السعفات الطوال على سيد الشجر المقتنى
سلام على عاطرات الحقول تناثر من حولهن الثرى
سلام على قمر فوقها عليها هفا واليها رنا
تلوذ النجوم بأذياله هفت اذ هفا ورنت إذ رنا
كأن بها عالما واحداً تلاقى ,وان بعد المنتأى
سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى
على النخيل ذي السعفات الطوال على سيد الشجر المقتنى
وهاهو عنـده فلَكٌ يدوي وعنـد منعّم قصرٌ مشــيدُ
يموت الخالدون بكل فجٍٍ ويستعصي على الموتِ الخلودُ
لرئيس َمركز الجواهري في براغ الإعلامي رواء الجصاني أكثر من صفة تجعلهُ خير من يتحدث عن الجواهري، ففضلا عن انه ابن أخت الشاعر الكبير، وأحد المقربين منه رافقه سنوات عديدة تعلم منهُ، ونقل عنه الكثير، فهو كاتبٌ وصحفي وباحث في تراث الجواهري وشعره وتاريخه.
نعرج خلال الحوار على قصة انتقاله من مسقط رأسه النجف، مدينة الأدب وجذوة الثورات الفكرية والفقه والتدين، حيث ترعرع في كنف والده وعائلته العريقة بالادب والفكر، فليس غريبا ان ينشأ محاطاً باياقاعات بالشعر وقصائد البحتري والمتنبي وغيرهما من قمم الشعر العربي، وان يبدع ويتميز مبكرا في هذا الشأن، النجف بكل قوانينها الاجتماعية الصارمة وأجوائها دفعت الشاب محمد مهدي الجواهري، الى التمرد والبحث عن فضاءات تستوعب أحلامه وتطلعاته المفتوحة، فيمم صوب بغداد، التي أغوت الشاعرَ ببريقها وانفتاح حياتها الزاخرة بالحرية والمتعة والاكتشاف نهاية العشرينات من القرن الماضي.
يرى الجصاني ان الجواهري باعتباره سابقا لجيله لم يطق قيود الحياة في النجف وضوابطها فلجا الى التمرد بعبقريته الشهرية كان مفتونا ببغداد بل كان متمرا حتى على نفسه ليعبر عن دواخله.
ويتناول الحوار مع الجصاني روح التمرد والتحدي لدى الجواهري، التي كثيرا ما انعكست على أشعاره، فنتوقف عند تركه العمل في بلاط الملك فيصل الأول برغم رعاية الملك واحتضانه له، بعد تماديه في نشر قصائده المثيرة للجدل والاهتمام، ويذكرالجواهري في مذكراته أن قصيدة جربيني كانت وراء تركه العمل في البلاط الملكي.
وتمثل قصيدة "جربيني" حينها تحدٍ للمجتمع والناس، واثارت استياء المتزمتين بقدر ما كانت موضع ترحاب الداعين الى التمرد والتحرر الاجتماعي، يقول الجواهري فيها:
جربيني من قبل أن تزدريني وإذا ما ذممتني فاهجريني
ويقيناً ستندمين على أنك من قبل كنتِ لم تعرفيني
كل ما في الحياة من متع العيش ومن لذة بها يزدهيني
التقاليد والمداجاة في الناس ..عدوّ لكل حرٍ فطين
أما قصيدة "بديعة"، التي قالها في إحدى مغنيات وراقصات ملاهي بغداد، فزخرت بالصور المثيرة وعُدت من الأدب الكشوف لدى البعض، فيما رحب بها آخرون وتغنوا:
تُرضين مغترباً ومشترقا وتقارعين الصفَ والصفا
هزي لهم ردفا إذا رغبوا ودعي لنا ما جاور الردفا
لماذا الجواهري راسخ في ذاكرة الشعب برغم السنوات؟
يرجع رئيس مركز الجواهري في براغ رواء الجصاني حضور الشاعر الجواهري في ذاكرة الشعب وعشاق الادب والشعر حتى بعد مماته، إلى كونه الرمز الوطني العربي والإنساني الذي أرّخ للأحداث والمواقف والأشخاص، مقتحماً ومتباهياً وأحيانا كثيرا مهاجماً.ويشير الجصاني الى أن الجواهري حرص َعلى توثيق كل حالة وموقف مر به في حياته، فهو يقول في موقف الفخر والطموح وهو بعدُ في مرحلة الشباب:
كلما حُدثتُ عن نجمٍ بدا حدثتني النفسُ أنْ ذاك أنا!
وفي موقف التحدي والتحذير يقول الجواهري انه وديعٌ كالحمامة، إلا أنه يكون منتفضا كالنسر حين يستثيره الخصوم:
عندي وداع حمامةٍ فإذا استثرتُ فجوعُ نسرِِ
وفي النزالات السياسية وخصوماته مع حاسديه – كما كان يسميهم ترى الجواهري مهاجماً يلوّح بغضبه و ثورته إذ يقول:
انأ حتفهم ألجُ البيوتَ عليهمُ أغري الوليدَ بشتمهم والحاجبا
ويلاحظ الجصاني أن خصوم الجواهري أو ناقديه ما كانوا لينازلوه تجنبا لوقع هجائه وشدة غضبه شعرياًّ، هذا عدا أنهم لا يجرؤون على الرد عليه خشية المزيد من الغضب والهجاء!
قصيدة "أأنتَ العراقيُ أم أنا..." ليست للجواهري!
تتداول العديد من المواقع الإخبارية والأدبية والاجتماعية قصيدة ًتنسب الى الشاعر الجواهري، على انه قالها بحق الرئيس السابق صدام حسين عند قرارالنظام البعثي اسقاط الجنسية عنه بداية التسعينات، اثر مشاركته في مهرجان الجنادرية في المملكة السعودية، بُعيد حرب الخليج. وتقول سطور القصيدة المنسوبة:يا غادرا إن رمت تسألني أجيبك من أنا
أنا العروض أنا القوافي والقريض وما علا
سلْ مضجعيك يا ابن الزنا أأنت العراقي أم أنا
ويشدد رئيس مركز الجواهري في براغ رواء الجصاني على أن هذه القصيدة ليست من الجواهري بشئ و أن أيَ متدبر للشعر واللغة يدرك أنها لا ترقى إلى أن تنسب للجواهري.
وبهذا الشأن ينفي الجصاني أن يكون النظام السابق قد اسقط الجنسية العراقية عن الجواهري كما يشاع دائما، برغم وجود البعض من رجالات النظام من كان يود لو قام بهذه الخطوة، لكنهم لم يجرأوا على ذلك كما يقول الجصاني، الذي يذكر ان البعض عمل على نشر هذه القصة المثيرة إعلاميا لينتفع منها وشخصيا!
الجواهري المقتحم والمشاكس، هل كان مداحا ومتكسبا للشعر؟
يعيبُ البعض على الشاعر الجواهري انه نظم في مناسبات عدة قصائدَ في مدح أو تحية قادة وملوك ورؤساء، بما يضعه في موضع التكسب من شعره.وبهذا الشان ينقل رئيس مركز الجواهري رواء الجصاني، عن خاله الشاعر الكبير عندما شاكسه في ساعة استرخاء متسائلا عن قصائده التي قالها تحية ومدحا لقادة وملوك ورؤساء، وفيما اذا ما كانت تلك القصائد تضر بشخصيته شاعرا عملاقا فردا، فكان رد الجواهري: انهم يحيّوني، ويضيّفوني فهم البادئون بالتحية فبأي شئ أرد عليهم وأنا الشاعر؟
ويؤرخ الجواهري للأمر شعرياً اذ يقول:
وما انأ طالبٌ مالاً لأني تاركٌ هناك مالاً ... وآلا
ولا جاهاً فعندي منه إرث تليد لا كجاهِهم انتحالا!
شعر الجواهري مرشح ليكون النشيد الوطني للعراقيين جميعا
عرضت على مجلس النواب مؤخرا قصيدة للشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري لتصبح النشيد الوطني العراقي السادس منذ تأسيس الدولة عام 1921.وتم اختيار ثمانية أبيات من قصيدة الشاعر لتكون السلام الجمهوري الجديد وهيك
سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى
على النخيل ذي السعفات الطوال على سيد الشجر المقتنى
سلام على عاطرات الحقول تناثر من حولهن الثرى
سلام على قمر فوقها عليها هفا واليها رنا
تلوذ النجوم بأذياله هفت اذ هفا ورنت إذ رنا
كأن بها عالما واحداً تلاقى ,وان بعد المنتأى
سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى
على النخيل ذي السعفات الطوال على سيد الشجر المقتنى