أعلن في العاصمة التشيكية براغ عن رحيل الكاتب والسياسي فاتسلاف هافل عن عمر ناهز 75 عاماً، بعد حياة حافلة في الإبداع والنضال السياسي، إذ كان كاتباً مسرحياً، ومنشقاً قيادياً في الثورة السلمية التي أطاحت الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا السابقة قبل أن يتحوّل لاحقاً الى رئيس جمهورية.
كانت مسرحيات هافل محظورة أيام الشيوعية، وأمضى خمس سنوات في السجن بتهمة الوقوف في وجه النظام.
في عام 1989، كان هافل واقفاً على رأس الثورة المخملية، ليصبح بذلك آخر رئيس لتشيكوسلوفاكيا، وبعد ثلاث سنوات، أول رئيس لجمهورية التشيكية المستقلة حديثاً.
ويذكر تقرير لغرفة الأغبار المركزية في إذاعة أوروبا الحرة ان هافل واصل التحدّث علناً عن حقوق الإنسان والديمقراطية، بالرغم مما خلّفته سنوات القمع والتدخين الثقيل من بصمات على صحته المتهاوية، وفيما يراه العديد على انه "ضمير أمة"، إلا انه كان يصف نفسه بأنه "مفكر مشوّش".
"نريد العيش في تشيكوسلوفاكيا حرة وديمقراطية ومزدهرة، نريد العودة إلى أوروبا، ولن نتخلّى عن مبادئنا أبداً، بغضِّ النظر عن كل ما سيحدث في الايام المقبلة".
هكذا تكلّم هافل في 23 من تشرين ثاني عام 1989 أمام حشد من أكثر من 300 ألف شخص تجمعوا في ساحة فانتسيلاف وسط براغ، بعد أن كانت شرارة الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا قد إنطلقت قبل ستة أيام، مع خروج طلاب في مظاهرة سلمية فرقتها قوات الشرطة بعنف في الأيام التالية، وخرج مئات الآلاف من التشيك والسلوفاك الى الشوارع في مظاهرات حاشدة أخرى ظهر فيها الكاتب فاتسلاف هافل كشخصية رئيسية في الثورة، وهو يخطب في حشودها الكبيرة ويقود محادثات التفاوض على وضع نهاية سلمية للحكم الشيوعي.
وبحلول نهاية ذلك العام، كان هافل قد انتخب رئيساً لتشيكوسلوفاكيا الحرة، بعد أربعة عقود من الشيوعية، وقال آنذاك:
"قبل لحظات، تم انتخابي رئيساً لجمهوريتنا بالإجماع من قبل الجمعية الاتحادية .. شكرا لكم جميعاً-- تشيك وسلوفاك وجنسيات أخرى – للدعم الذي قدمتموه، وأعدكم هنا بعدم تخييب ثقتكم التي وضعتموها فيَّ، فسأقود هذه البلاد نحو إجراء انتخابات حرة".
ولد فاتسلاف هافل في 5 تشرين أول عام 1936 في عائلة ثرية، صادر الشيوعيون التي جاؤوا الى السلطة في عام 1948 معظم ممتلكاتها، الأمر الذي منعه إلى حد كبير من مواصلة تعليمه العالي.
وبعد أدائه الخدمة العسكرية، انجذب هافل الى المسرح، كعامل على خشبته في البداية، وككاتب مسرحيات تتعامل في كثير من الأحيان مع سخافات الحياة في ظل الشيوعية وفي حقبة الستينات.
في عام 1968، قامت قوات من حلف وارسو يقودها الاتحاد السوفياتي بغزو تشيكوسلوفاكيا لاخماد حركة الإصلاح التي عرفت بـ"ربيع براغ"، وتم حظر مسرحيات هافل الذي وضعته الشرطة تحت المراقبة المستمرة.
في عام 1976، شارك هافل في كتابة ميثاق 77، وهو التماس يدعو الحكومة الشيوعية الى احترام ما وقعته من معاهدات دولية خاصة بالحقوق المدنية، لكن الموقعين على الميثاق تعرضوا للاضطهاد، وسجن هافل لمدة ثلاث سنوات ونصف.
في واحدة من مقابلاته الاخيرة مع إذاعة أوروبا الحرة ، يقول هافل ان الذي اصبح واضحاً خلال أحداث تشرين الثاني عام 1989 يتمثل في ان التغيير سيأتي عاجلا أم آجلاً، لكن السؤال الوحيد كان، متى، قائلاً:
"ليس بإمكانهم توقّع كيف يمكن ان تنقلب الأمور، وأن هذا سيكون أشبه بكرة الثلج التي من شأنها أن تؤدي الى انهيار جليدي، وبطبيعة الحال، ما كان واضحاً لدينا نحن (أعني الموقعين على ميثاق 77 والمعارضين) يتمثل في ان كرة الثلج تلك سوف تبدأ عاجلا أم آجلا بالتحول إلى سيل لا احد يعرف مداه على وجه التحديد.. فلم نكن عرّافين، ولكن كان من الواضح لدينا إن ذلك سيحدث".
"أصدقاء الديمقراطية والإعلام الحر والكرامة الأساسية فقدوا صديقاً عظيماً اليوم بوفاة فاتسلاف هافل، ففي كل ما فعله بوصفه أديباً وداعية ورجل دولة، دافع عن حقوق الضعفاء وجميع الذين آمنوا بما آمن به في ان "الحقيقة والمحبة ينبغي أن تتغلّب على الكذب والكراهية".
لقد تشرفت إذاعة أوروبا الحرة وخدمتها التشيكوسلوفاكية ببث الهواء أعمال هافل التي انجزها خلال عقود الستينات الإذاعية والبعينات والثمانينات، وأسعدتها دعوته لنقل عملياتها إلى براغ في أوائل عام 1990 عندما كان رئيساً للجمهورية، وبعد "الثورة المخملية" فعل هافل الكثير في تحفيز الآخرين وقيادتهم، فقد جسّد المبادئ التي تسترشد بها إذاعتنا، ونحن في المقابل نأمل أمام جمهورنا ان نتمثل القيم التي وجهّت حياة وأفعال هذا الرجل الذي سنفتقده بشدة".
ويقول سفير العراق في براغ حسين معلة ان الراحل هافل سيبقى خالداً لدى شعبه وبقية الشعوب التي تطالب بالحرية والديمقراطية.
ورداً على سؤال لإذاعة العراق الحر عن مدى تأثير الرئيس التشيكي الراحل فاتسلاف هافل على العلاقات بين جمهورية التشيك والعراق، يقول السفير معلة ان لهافل دوراً في إرسال قوات الى العراق لتثبيت الأمن وإعادة الإعمار فيه بعد عام 2003.
انتخب الرئيس هافل في 29 كانون أول عام 1989، بعد مرور أقل من ستة أسابيع على إنطلاق المظاهرات الجماهيرية الأولى التي دعت الى التغيير.
وبعد إعادة انتخابه في عام 1990، أمضى الكثير من وقته في محاولات للحفاظ على الاتحاد التشيكوسلوفاكي من التفتت بسبب مطالب الإنفصال التي كان يُطلقها القوميون السلوفاك، إلا انه فشل، واستقال في عام 1992. ولكن بعد حدوث ما يسمى بـ"الطلاق المخملي" في تشيكوسلوفاكيا ، انتخب هافل رئيسا لجمهورية التشيك المستقلة حديثا في عام 1993 -- ومرة أخرى في عام 1998.
ومع إعلان فاتسلاف هافل تقاعده في عام 2003 ، كانت جمهورية التشيك عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي، وكانت على وشك الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
في السنوات الأخيرة من حياته، تفاقم اعتلال صحته، ففي عام 1996، وهو العام الذي شهد وفاة زوجته الأولى أولغا بسرطان الرئة، خضع هافل هو الآخر لعملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني في الرئة. بعد ذلك بعامين، كان قريباً من الموت بعد إجراء عملية جراحية لترتيق تمزق في القولون.
وطوال حياته ظل هافل مدافعا صريحا عن حقوق الإنسان والديمقراطية في أماكن مثل كوبا وروسيا والصين أو روسيا البيضاء، ودافع عن منظمات المجتمع المدني التي تأسست على قيم الصدق والإنسانية. وكان في كثير من الأحيان على مدى سنوات في حالة صراع مع سياسيين أكثر واقعية نادرا ما كانوا يتحمّلون تقريعاته المتكررة لهم.
وأشرف هافل على انتقال بلاده السلمي نحو الديمقراطية، إستطاع أن يوجه ذلك الإنتقال في مراحله الأولى الحرجة، لإعادة تثبيت موقع مواطنيه التشيك في مجتمع الدول الغربية والذين سيتذكرونه مع بقية العالم على تلك الإنجازات الفردية.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في إعداده نبيل الحيدري.
كانت مسرحيات هافل محظورة أيام الشيوعية، وأمضى خمس سنوات في السجن بتهمة الوقوف في وجه النظام.
في عام 1989، كان هافل واقفاً على رأس الثورة المخملية، ليصبح بذلك آخر رئيس لتشيكوسلوفاكيا، وبعد ثلاث سنوات، أول رئيس لجمهورية التشيكية المستقلة حديثاً.
ويذكر تقرير لغرفة الأغبار المركزية في إذاعة أوروبا الحرة ان هافل واصل التحدّث علناً عن حقوق الإنسان والديمقراطية، بالرغم مما خلّفته سنوات القمع والتدخين الثقيل من بصمات على صحته المتهاوية، وفيما يراه العديد على انه "ضمير أمة"، إلا انه كان يصف نفسه بأنه "مفكر مشوّش".
حرية وديمقراطية
"نريد العيش في تشيكوسلوفاكيا حرة وديمقراطية ومزدهرة، نريد العودة إلى أوروبا، ولن نتخلّى عن مبادئنا أبداً، بغضِّ النظر عن كل ما سيحدث في الايام المقبلة".هكذا تكلّم هافل في 23 من تشرين ثاني عام 1989 أمام حشد من أكثر من 300 ألف شخص تجمعوا في ساحة فانتسيلاف وسط براغ، بعد أن كانت شرارة الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا قد إنطلقت قبل ستة أيام، مع خروج طلاب في مظاهرة سلمية فرقتها قوات الشرطة بعنف في الأيام التالية، وخرج مئات الآلاف من التشيك والسلوفاك الى الشوارع في مظاهرات حاشدة أخرى ظهر فيها الكاتب فاتسلاف هافل كشخصية رئيسية في الثورة، وهو يخطب في حشودها الكبيرة ويقود محادثات التفاوض على وضع نهاية سلمية للحكم الشيوعي.
وبحلول نهاية ذلك العام، كان هافل قد انتخب رئيساً لتشيكوسلوفاكيا الحرة، بعد أربعة عقود من الشيوعية، وقال آنذاك:
"قبل لحظات، تم انتخابي رئيساً لجمهوريتنا بالإجماع من قبل الجمعية الاتحادية .. شكرا لكم جميعاً-- تشيك وسلوفاك وجنسيات أخرى – للدعم الذي قدمتموه، وأعدكم هنا بعدم تخييب ثقتكم التي وضعتموها فيَّ، فسأقود هذه البلاد نحو إجراء انتخابات حرة".
نضال مرير
ولد فاتسلاف هافل في 5 تشرين أول عام 1936 في عائلة ثرية، صادر الشيوعيون التي جاؤوا الى السلطة في عام 1948 معظم ممتلكاتها، الأمر الذي منعه إلى حد كبير من مواصلة تعليمه العالي.وبعد أدائه الخدمة العسكرية، انجذب هافل الى المسرح، كعامل على خشبته في البداية، وككاتب مسرحيات تتعامل في كثير من الأحيان مع سخافات الحياة في ظل الشيوعية وفي حقبة الستينات.
في عام 1968، قامت قوات من حلف وارسو يقودها الاتحاد السوفياتي بغزو تشيكوسلوفاكيا لاخماد حركة الإصلاح التي عرفت بـ"ربيع براغ"، وتم حظر مسرحيات هافل الذي وضعته الشرطة تحت المراقبة المستمرة.
في عام 1976، شارك هافل في كتابة ميثاق 77، وهو التماس يدعو الحكومة الشيوعية الى احترام ما وقعته من معاهدات دولية خاصة بالحقوق المدنية، لكن الموقعين على الميثاق تعرضوا للاضطهاد، وسجن هافل لمدة ثلاث سنوات ونصف.
في واحدة من مقابلاته الاخيرة مع إذاعة أوروبا الحرة ، يقول هافل ان الذي اصبح واضحاً خلال أحداث تشرين الثاني عام 1989 يتمثل في ان التغيير سيأتي عاجلا أم آجلاً، لكن السؤال الوحيد كان، متى، قائلاً:
"ليس بإمكانهم توقّع كيف يمكن ان تنقلب الأمور، وأن هذا سيكون أشبه بكرة الثلج التي من شأنها أن تؤدي الى انهيار جليدي، وبطبيعة الحال، ما كان واضحاً لدينا نحن (أعني الموقعين على ميثاق 77 والمعارضين) يتمثل في ان كرة الثلج تلك سوف تبدأ عاجلا أم آجلا بالتحول إلى سيل لا احد يعرف مداه على وجه التحديد.. فلم نكن عرّافين، ولكن كان من الواضح لدينا إن ذلك سيحدث".
ردود فعل
أثار خبر رحيل هافل ردود فعل كبيرة في أرجاء مقر إذاعة أوروبا الحرة في براغ التي حظيت برعاية هافل أيام كان رئيساً لجمهورية التشيك في حقبة التسعينات، وقال مدير الإذاعة ستيف كورن في بيان ان"أصدقاء الديمقراطية والإعلام الحر والكرامة الأساسية فقدوا صديقاً عظيماً اليوم بوفاة فاتسلاف هافل، ففي كل ما فعله بوصفه أديباً وداعية ورجل دولة، دافع عن حقوق الضعفاء وجميع الذين آمنوا بما آمن به في ان "الحقيقة والمحبة ينبغي أن تتغلّب على الكذب والكراهية".
لقد تشرفت إذاعة أوروبا الحرة وخدمتها التشيكوسلوفاكية ببث الهواء أعمال هافل التي انجزها خلال عقود الستينات الإذاعية والبعينات والثمانينات، وأسعدتها دعوته لنقل عملياتها إلى براغ في أوائل عام 1990 عندما كان رئيساً للجمهورية، وبعد "الثورة المخملية" فعل هافل الكثير في تحفيز الآخرين وقيادتهم، فقد جسّد المبادئ التي تسترشد بها إذاعتنا، ونحن في المقابل نأمل أمام جمهورنا ان نتمثل القيم التي وجهّت حياة وأفعال هذا الرجل الذي سنفتقده بشدة".
ويقول سفير العراق في براغ حسين معلة ان الراحل هافل سيبقى خالداً لدى شعبه وبقية الشعوب التي تطالب بالحرية والديمقراطية.
ورداً على سؤال لإذاعة العراق الحر عن مدى تأثير الرئيس التشيكي الراحل فاتسلاف هافل على العلاقات بين جمهورية التشيك والعراق، يقول السفير معلة ان لهافل دوراً في إرسال قوات الى العراق لتثبيت الأمن وإعادة الإعمار فيه بعد عام 2003.
طلاق مخملي
انتخب الرئيس هافل في 29 كانون أول عام 1989، بعد مرور أقل من ستة أسابيع على إنطلاق المظاهرات الجماهيرية الأولى التي دعت الى التغيير.وبعد إعادة انتخابه في عام 1990، أمضى الكثير من وقته في محاولات للحفاظ على الاتحاد التشيكوسلوفاكي من التفتت بسبب مطالب الإنفصال التي كان يُطلقها القوميون السلوفاك، إلا انه فشل، واستقال في عام 1992. ولكن بعد حدوث ما يسمى بـ"الطلاق المخملي" في تشيكوسلوفاكيا ، انتخب هافل رئيسا لجمهورية التشيك المستقلة حديثا في عام 1993 -- ومرة أخرى في عام 1998.
ومع إعلان فاتسلاف هافل تقاعده في عام 2003 ، كانت جمهورية التشيك عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي، وكانت على وشك الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
إنجازات فردية
في السنوات الأخيرة من حياته، تفاقم اعتلال صحته، ففي عام 1996، وهو العام الذي شهد وفاة زوجته الأولى أولغا بسرطان الرئة، خضع هافل هو الآخر لعملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني في الرئة. بعد ذلك بعامين، كان قريباً من الموت بعد إجراء عملية جراحية لترتيق تمزق في القولون.وطوال حياته ظل هافل مدافعا صريحا عن حقوق الإنسان والديمقراطية في أماكن مثل كوبا وروسيا والصين أو روسيا البيضاء، ودافع عن منظمات المجتمع المدني التي تأسست على قيم الصدق والإنسانية. وكان في كثير من الأحيان على مدى سنوات في حالة صراع مع سياسيين أكثر واقعية نادرا ما كانوا يتحمّلون تقريعاته المتكررة لهم.
وأشرف هافل على انتقال بلاده السلمي نحو الديمقراطية، إستطاع أن يوجه ذلك الإنتقال في مراحله الأولى الحرجة، لإعادة تثبيت موقع مواطنيه التشيك في مجتمع الدول الغربية والذين سيتذكرونه مع بقية العالم على تلك الإنجازات الفردية.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في إعداده نبيل الحيدري.