تتضمن نصوص بعض القوانين ومواد الدستور العراقي عبارة (بما لا يخل بالنظام العام والاداب العامة)، ومنها المادة 38 من الدستور العراقي التي جاء نصها كالتالي:
تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً: ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
وأشار مشرعون إلى ان هذه العبارة لا تعتبر قيدا وقمعا للحريات، على أعتبار ان الحريات مهما كانت لابد ان تنظم وتوضع في إطار يسمح من جهة بان يتمتع الجميع بحرياتهم، التي نص عليها الدستور، ومن جهة أخرى أن لا تتعدى تلك الحريات على أنظمة ومبادئ اجتماعية وسياسية واقتصادية، وان لا تخالف القوانين السارية المفعول.
لكن مراقبين وحقوقيين وناشطين أبدوا مخاوفهم من هذه العبارة التي وصفوها بانها "فضفاضة ومطاطية، ومقيدة للحريات" وذكروا ان وضع عبارة (لا يخل بالنظام العام والآداب العامة) بهذه الطريقة دون تفسير ستخضع إلى مزاجية السلطة التنفيذية. وبالتالي تؤدي إلى التأثير على سلامة تطبيقات ممارسة الحريات، وشددوا على أهمية أن تعرف هذه العبارة كما هي الحال في جميع الدول الديمقراطية التي شرحت معنى النظام العام والآداب العامة.
وكان مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، الذي وافق مجلس الوزراء عليه وقدمه إلى البرلمان للمصادقة عليه من بين قوانين أخرى لقي معارضة من منظمات حقوقية ومدافعة عن حقوق الإنسان، منها جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، التي وصفت القانون بأنه يخنق حتى الموت الحريات وانه "قانون لقبر ما تبقى من آمال في عراق متمدن ومتحضر يحترم الحقوق والحريات العامة ويكفلها للجميع".
تغيير قوانين دكتاتورية قبل الحديث عن الحريات
عدي حاتم رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة قال ان من بين أسباب رفضهم مشروع القانون، القيود التي وضعت على الحريات بعد ان رافقت بعض مواد مشروع القانون عبارة (بما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة). وتساءل عدي حاتم كيف يمكن لنا ان نتحدث عن الحريات وليس هناك تعريف وفهم واضح لمعنى النظام العام، الذي فسرته بشكل دقيق كافة الدول الديمقراطية الا العراق ودول المنطقة، التي تريد ان تكون هذه العبارة بلا تعريف لتستغلها من اجل قمع الحريات.
واضاف عدي حاتم ان هناك خطوة مهمة لابد من اتخاذها قبل الحديث عن الحريات والنظام العام (الذي يعتمد على قواعد وقوانين نافذة)، وهي تغيير عدد كبير من القوانين العراقية التي وصفها بـ"الدكتاتورية" لانها شرّعت من قبل نظام حكم صدام.
النظام العام ... سلاح استخدمه نظام صدام لقمع الحريات!
قال الناشط والحقوقي حسن شعبان ان عبارة (بما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة) استخدمها نظام صدام كسلاح قانوني لقمع كافة الحريات. وان بقاء هذه العبارة لحد الان بدون تفسير يجعلها وسيلة قمع تستغلها جهات تنفيذية وامنية لتمرير ما تبتغيه من تقييد للحريات. واضاف الناشط الحقوقي ان وجود هذه العبارة في بعض القوانين يتعارض تماما مع الباب الثاني من الدستور الذي اعطى حريات واسعة للمواطن ووضح نوع الحقوق.
لا خوف على الحريات
على الرغم من اعتراف كامل امين مدير عام رصد الأداء وحماية الحقوق في وزارة حقوق الانسان بوجود مخاوف من استغلال البعض للمفهوم الواسع لعبارة (بما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة) الا انه طمأن الجميع ان القوانين العراقية تمر عبر سلسلة من المشرعين والقانونيين وتدقق من قبل جهات عدة منها (مجلس الوزراة، ومجلس الشورى) لتصل بعد عملية طويلة الى مجلس النواب، الذي يقوم بدوره بتعديلات عدة قبل تشريع أي قانون. واضاف أمين ان هذه الجهات والهيئات صمام امان وان العملية المعقدة التي يمر بها أي قانون قبل تشريعه هي بحد ذاتها ضمان بان الحقوق والحريات مصانة.
مفهوم نسبي يتغير بتغير الزمان والمكان
وأكد الحقوقي طارق حرب رئيس جمعية الثقافة القانونية انه من المستحيل تعريف عبارة النظام العام والآداب العامة لأنها مصطلحا او فكرة نسبية تتغير بتغير المكان والزمان. وان ما مسموح به في بعض الدول قد يكون ممنوعا في دول اخرى والعكس صحيح ايضا.