تستعيد السيدة تمارا ابنة معاون رئيس اركان الجيش اللواء غازي الداغستاني ذكرياتها عن الليلة التي سبقت يوم الرابع عشر من تموز 1958 وقضتها مع والدتها وشقيقها تيمور في قصر الرحاب ببغداد، لحضور حفل صغير أحياه ساحرٌ استدعاه الأمير عبد الإله للترفيه عن الملك الشاب فيصل والأسرة, وبعض العائلات المقربة وأبنائها وبناتها.
تتذكر السيدة تمارا، وكانت حينها أحد عشر عاما، أن كرسيها كان بجانب كرسي الملك فيصل وهم يتابعون العاب الساحر، وأثناء الحفل لاحظت ْ توقفَ سيارة فوكسفاكن أسفل شرفة القصر المفتوحة ، ترجل منها مراسل أحضر ورقة صغيرة وسلمها الى الملك، وإذ فتح فيصل الورقة-تقول تمارا- وقع نظري على بعض سطورها الانكليزية، فلمحت عبارة: كونوا شديدي الحذر هذه الليلة، Be ware this night!
فنهض الملك وسلم القصاصة إلى خاله الأمير عبد الاله الذي كان واقفا، وسمعت الأمير يقول لفيصل، اتصل بجسام وخليه يهيئ الطيارة الهليكوبتر في الساحة الخلفية للقصر, وجسام هو الطيار الخاص للملك.
وتقول الداغستاني: ما إن هم الملك بفتح باب الغرفة المجاورة، للاتصال على ما يبدو بالطيار جسام، حتى سمعتُ عبد الاله يناديه من مكانه: تعال، تعال يا فيصل كم مرة ضحكوا علينا بمثل هذه الإشاعات، عد الى مكانك ولاتخلي الناس تضحك علينا مرة أخرى!!.
في حينها لم تدرك الطفلة تمارا، مَن أرسل القصاصة تلك، الا أن الحروفَ الانكليزية الواضحة على تلك الورقة، والشعار الذهبي الذي تصدرها يدفعها للاعتقاد بأنها من مصدر أجنبي قد يكون سفارة ما، أرسلت التحذير للملك.
وتسعيد تمارا الداغستاني شريط الذكريات التي ما زالت تحافظ على تفاصيلها فتقول، كان فيصل طوال الأمسية سعيدا وهو يحدثنا عن البيت الجديد الذي يشيده لاستقباله مع عروسه, وفي انتظار أن يكتمل بناء المسكن في الكرادة، وهو القصر الملكي والذي صار فيما بعد القصر الجمهوري الذي شغل في عهد عبد السلام عارف قبل أن تجري عليه توسعات عديدة في العقود الأربعة الأخيرة، كان الملك الشاب بحسب حديث الداغستاني يتطلع الى زواجه المرتقب من فاضلة ، وكان يردد تلك الليلة: هل حقا سأتزوج وأعيش مع فاضلة في بيت خاص بنا ؟ وفي كل مرة كان يسرف في تطلعاته للعيش في القصر مع زوجته المقبلة كانت خالته الأميرة عابدية تطلب منه ان يكرر عبارة أن شاء الله، فأجابها مازحا: إن شاء الله، إن شاء الله !..ولكن لماذا هذا الإلحاح، ترى هل سنموت غدا؟
في تلك الليلة كانت على الأسرة المالكة أن تتهيأ للسفر الى اسطنبول، ولاحظت تمارا أن ذلك لم يمنع الملك وخاله عبد الاله من السهر مع ضيوفه الى ساعة متأخرة، وعندما تهيأنا لمغادرة القصر وتوديع العائلة، اقترح الامير عبد الاله على السيدة الداغستاني ان تسمح لابنتها تمارا بالمبيت في القصر معهم، فاعتذرت والدتي معللة أنهم سيكونون منهمكين في التحضير لسفرة الصباح، فضلا عن ان الطفلة تمارا لم تهئ نفسها للمبيت خارج الدار وليس معهم ملابس للنوم, فانبرى الملك فيصل لإقناع الوالدة بالقول ان تمارا تبدو طويلة فقد يمكنني إعارتها إحدى بيجاماتي !.بحسب رواية الداغستاني.
وتقول تمارا أن مقترح الامير لم ُيلبَ، فتوجهنا الى سيارتنا وكان الملك والامير وسيدات القصر في توديعنا حينها غمرني إحساس بالقلق والحزن وشعور طاغ بأني لن التقيهم مستقبلا، وتضيف في حديثها لبرنامج حوارات أنها مازالت كلما تستعيد تلك السويعات تشعر بالندم لانها لم تمكث مع الملك فيصل في قصر الرحاب تلك الليلة المشؤومة, بالرغم من أن ذلك يعني كتابة حياة جديدة لها لأنها كان من الممكن ان تكون ضمن ضحايا قتلى صباح اليوم التالي .
تتذكر تمارا أيضا صبيحة 14 تموز اذ كانت جهاز الراديو في بيتهم الواقع في منطقة بارك السعدون، موقع مستشفى السامرائي الحالي، يبث بيانات غريبة من الإذاعة، وتقول أيقظتنا خالتي ولم يبدو عليها تصديق ما تحكيه البيانات تلك قائلة بنبرة ساخرة، اسمعوا هذه الإذاعة السرية تتحدث عن ثورة وعن قتل الملك والأسرة, فاتصلت والدتي بقصر الرحاب عدة مرات ولم تجد مجيبا، ولم نكن نعلم حينها ان الأمر انتهى وان سكان قصر الرحاب الذي كنا فيه قبل بضع ساعات قد قتلوا، ومع ذلك ظلت والدتي وخالتي لا تصدقان بيانات الاذاعة التي كانت تكرر الدعوة بإلقاء القبض على رجالات العهد ومن بينهم والدي غازي الداغستاني, وكررت خالتي المحاولة مع القصر وكانت الخطوط مقطوعة هذه المرة, وحوالى السابعة جاء سائق والدي خزعل مهرولا، ودخل البيت شاحب الوجه، فسألته امي وهي تبتسم، هل سمعت الإذاعة السرية، فرد خزعل بصوت مرتعب: اي اذاعة سرية خانم، هل انت مجنونة؟ الشوارع ملتهبة وقد قتلوا الملك والوصي وكل مَن في قصر الرحاب واعتقلوا الباشا، يقصد غازي الداغستاني.
عندها، تقول السيدة تمارا «أدركت والدتي هول الفاجعة، فخرجنا الى حديقة المنزل لنشاهد جارنا محمد علي الجلبي يسرع مع أولاده وبناته الى السيارة، فسألته والدتي عما يجري، فحثها على ترك البيت محذرا من أن الاذاعة تحث الناس على ملاحقة رجالات العهد الملكي واقتحام بيوتهم, فركبنا سيارة جار آخر، وتوجهنا الى بيت حكمت سليمان زوج عمتي في منطقة الصليخ، واذكر يومها ان الشوارع تحولت الى بحر متلاطم من البشر الموتورين الذين كانوا يحدقون في وجوهنا من خلف زجاج السيارة عسى ان يتعرفوا على وجه معروف فيقتلوه، لكننا بصعوبة تمكنا من الوصول الى بيت حكمت سليمان، وبعد فترة مرت سيارة مكتظة بحشد من الناس من أمام المنزل، واخرج احدهم يده حاملة إصبعا مقطوعا وهو يصرخ: هذا اصبع عبد الاله, قطعته بنفسي!! في تلك اللحظة ايقنا بان الاسرة المالكة قد أبيدت.
التفاصيل في الملف الصوتي:
تتذكر السيدة تمارا، وكانت حينها أحد عشر عاما، أن كرسيها كان بجانب كرسي الملك فيصل وهم يتابعون العاب الساحر، وأثناء الحفل لاحظت ْ توقفَ سيارة فوكسفاكن أسفل شرفة القصر المفتوحة ، ترجل منها مراسل أحضر ورقة صغيرة وسلمها الى الملك، وإذ فتح فيصل الورقة-تقول تمارا- وقع نظري على بعض سطورها الانكليزية، فلمحت عبارة: كونوا شديدي الحذر هذه الليلة، Be ware this night!
فنهض الملك وسلم القصاصة إلى خاله الأمير عبد الاله الذي كان واقفا، وسمعت الأمير يقول لفيصل، اتصل بجسام وخليه يهيئ الطيارة الهليكوبتر في الساحة الخلفية للقصر, وجسام هو الطيار الخاص للملك.
وتقول الداغستاني: ما إن هم الملك بفتح باب الغرفة المجاورة، للاتصال على ما يبدو بالطيار جسام، حتى سمعتُ عبد الاله يناديه من مكانه: تعال، تعال يا فيصل كم مرة ضحكوا علينا بمثل هذه الإشاعات، عد الى مكانك ولاتخلي الناس تضحك علينا مرة أخرى!!.
في حينها لم تدرك الطفلة تمارا، مَن أرسل القصاصة تلك، الا أن الحروفَ الانكليزية الواضحة على تلك الورقة، والشعار الذهبي الذي تصدرها يدفعها للاعتقاد بأنها من مصدر أجنبي قد يكون سفارة ما، أرسلت التحذير للملك.
وتسعيد تمارا الداغستاني شريط الذكريات التي ما زالت تحافظ على تفاصيلها فتقول، كان فيصل طوال الأمسية سعيدا وهو يحدثنا عن البيت الجديد الذي يشيده لاستقباله مع عروسه, وفي انتظار أن يكتمل بناء المسكن في الكرادة، وهو القصر الملكي والذي صار فيما بعد القصر الجمهوري الذي شغل في عهد عبد السلام عارف قبل أن تجري عليه توسعات عديدة في العقود الأربعة الأخيرة، كان الملك الشاب بحسب حديث الداغستاني يتطلع الى زواجه المرتقب من فاضلة ، وكان يردد تلك الليلة: هل حقا سأتزوج وأعيش مع فاضلة في بيت خاص بنا ؟ وفي كل مرة كان يسرف في تطلعاته للعيش في القصر مع زوجته المقبلة كانت خالته الأميرة عابدية تطلب منه ان يكرر عبارة أن شاء الله، فأجابها مازحا: إن شاء الله، إن شاء الله !..ولكن لماذا هذا الإلحاح، ترى هل سنموت غدا؟
في تلك الليلة كانت على الأسرة المالكة أن تتهيأ للسفر الى اسطنبول، ولاحظت تمارا أن ذلك لم يمنع الملك وخاله عبد الاله من السهر مع ضيوفه الى ساعة متأخرة، وعندما تهيأنا لمغادرة القصر وتوديع العائلة، اقترح الامير عبد الاله على السيدة الداغستاني ان تسمح لابنتها تمارا بالمبيت في القصر معهم، فاعتذرت والدتي معللة أنهم سيكونون منهمكين في التحضير لسفرة الصباح، فضلا عن ان الطفلة تمارا لم تهئ نفسها للمبيت خارج الدار وليس معهم ملابس للنوم, فانبرى الملك فيصل لإقناع الوالدة بالقول ان تمارا تبدو طويلة فقد يمكنني إعارتها إحدى بيجاماتي !.بحسب رواية الداغستاني.
وتقول تمارا أن مقترح الامير لم ُيلبَ، فتوجهنا الى سيارتنا وكان الملك والامير وسيدات القصر في توديعنا حينها غمرني إحساس بالقلق والحزن وشعور طاغ بأني لن التقيهم مستقبلا، وتضيف في حديثها لبرنامج حوارات أنها مازالت كلما تستعيد تلك السويعات تشعر بالندم لانها لم تمكث مع الملك فيصل في قصر الرحاب تلك الليلة المشؤومة, بالرغم من أن ذلك يعني كتابة حياة جديدة لها لأنها كان من الممكن ان تكون ضمن ضحايا قتلى صباح اليوم التالي .
تتذكر تمارا أيضا صبيحة 14 تموز اذ كانت جهاز الراديو في بيتهم الواقع في منطقة بارك السعدون، موقع مستشفى السامرائي الحالي، يبث بيانات غريبة من الإذاعة، وتقول أيقظتنا خالتي ولم يبدو عليها تصديق ما تحكيه البيانات تلك قائلة بنبرة ساخرة، اسمعوا هذه الإذاعة السرية تتحدث عن ثورة وعن قتل الملك والأسرة, فاتصلت والدتي بقصر الرحاب عدة مرات ولم تجد مجيبا، ولم نكن نعلم حينها ان الأمر انتهى وان سكان قصر الرحاب الذي كنا فيه قبل بضع ساعات قد قتلوا، ومع ذلك ظلت والدتي وخالتي لا تصدقان بيانات الاذاعة التي كانت تكرر الدعوة بإلقاء القبض على رجالات العهد ومن بينهم والدي غازي الداغستاني, وكررت خالتي المحاولة مع القصر وكانت الخطوط مقطوعة هذه المرة, وحوالى السابعة جاء سائق والدي خزعل مهرولا، ودخل البيت شاحب الوجه، فسألته امي وهي تبتسم، هل سمعت الإذاعة السرية، فرد خزعل بصوت مرتعب: اي اذاعة سرية خانم، هل انت مجنونة؟ الشوارع ملتهبة وقد قتلوا الملك والوصي وكل مَن في قصر الرحاب واعتقلوا الباشا، يقصد غازي الداغستاني.
عندها، تقول السيدة تمارا «أدركت والدتي هول الفاجعة، فخرجنا الى حديقة المنزل لنشاهد جارنا محمد علي الجلبي يسرع مع أولاده وبناته الى السيارة، فسألته والدتي عما يجري، فحثها على ترك البيت محذرا من أن الاذاعة تحث الناس على ملاحقة رجالات العهد الملكي واقتحام بيوتهم, فركبنا سيارة جار آخر، وتوجهنا الى بيت حكمت سليمان زوج عمتي في منطقة الصليخ، واذكر يومها ان الشوارع تحولت الى بحر متلاطم من البشر الموتورين الذين كانوا يحدقون في وجوهنا من خلف زجاج السيارة عسى ان يتعرفوا على وجه معروف فيقتلوه، لكننا بصعوبة تمكنا من الوصول الى بيت حكمت سليمان، وبعد فترة مرت سيارة مكتظة بحشد من الناس من أمام المنزل، واخرج احدهم يده حاملة إصبعا مقطوعا وهو يصرخ: هذا اصبع عبد الاله, قطعته بنفسي!! في تلك اللحظة ايقنا بان الاسرة المالكة قد أبيدت.
التفاصيل في الملف الصوتي: