تقع عيننا الثالثة اليوم على شخصين. ففي الحلة سنطرق باب خيمة يقيم فيها رجل طلق الدنيا وأهلها وقرر العيش مثل أجدادنا الأولين، ثم ننتقل إلى كربلاء لنكون في ضيافة السيدة أم أكرم التي ستروي لنا قصة حياة غريبة وصعبة بعض الشئ.
عيننا الثالثة تقودنا أولا إلى الحلة لنزور رجلا قرر الانزواء عن الحياة العامة. فترك أسرته وموقعه وكل ما يعرف، ونصب خيمة على ضفاف النهر، وحولها إلى مسكن دائم.
قصة الرجل الذي كان مدرسا وكاتب مقالات يرويها لنا علاء رزاق مراسل اذاعة العراق الحر في بابل:
((ربما لم يكن يدور في خلد أهالي الحلة أن الأستاذ حسن الموسوي، الذي كان يدرس مادة الكيمياء قبل أن يتقاعد، ويتحول إلى السكن في خيمة على شاطئ نهر الحلة ليعيش مثل الإنسان القديم. ويرى الناس الموسوي اليوم بجسد نحيل شبه عار، وبلحية بيضاء، لم يحلقها منذ سنوات، وهو يلف وسطه بـ"وزرة".
تحدث المعتكف لإذاعة العراق الحر عن فلسفته في الحياة. فهو لا يهتم إن زاره احد أم لم يزره، ولا يستثني من ذلك أولاده، ويعتمد في مأكله وأموره الأخرى على مساعدات الناس.
قال الموسوي انه درَّس الكيمياء والفيزياء في أقدم إعدادية في المدينة هي إعدادية الحلة لحين حصوله على التقاعد، وقال إنه يقرأ المجلات والكتب بشكل دائم، وان الليل عنده مهم، ويمثل هندسة الحياة، وإنه لا يخاف من الظلام وقد اختار هذا المكان على شط الحلة بملء إرادته.
حسن الموسوي قال انه يعلم أن القوات الأميركية دخلت العراق، وإن جنودا كانوا يزورونه بشكل مستمر، وان المنظمات الإنسانية تقدم له المساعدات، غير انه قال إنه لا يحتاج الى هذه المساعدات التي لا تعني أي شئ بالنسبة له.
أنور عبد الرزاق وهو صاحب كشك لبيع الشاي بالقرب من خيمة الموسوي قال انه يقدم الطعام والشاي له، كما أكد أن رجل الخيمة يتصرف بشكل طبيعي كأي إنسان عاقل.))
ومن بابل نقطع مسافة قصيرة لنصل إلى كربلاء لنزور أم أكرم. هذه السيدة التي عاشت ظروفا قد يعيشها العديد من الأشخاص، لكن قل أن تتجمع كل هذه المعاناة في حياة شخص واحد. فقد فقدت أم اكرم زوجين وولدين احدهما بسبب الموت، والآخر بسبب العجز، وهي وحدها مسؤولة عن إعالة أسرتها.
قصة أم أكرم يرويها لنا مصطفي عبد الواحد مراسل اذاعة العراق الحر في كربلاء :
((لعل قصة أم أكرم واحدة من القصص الغريبة والمؤلمة، وتبدأ بفقدان الزوج الثاني في أحداث العنف التي شهدها العراق بعد 2003‘ إذ سقط في شارع حيفا لتجد أم أكرم نفسها بعده وفي الشارع نفسه أمام سلسلة حوادث مؤلمة أخرى.
ابنها البكر، أكرم قتل هو الآخر في أحداث العنف بعد سنوات من رحيل والده، مخلفا زوجة وطفلة صغيرة، ولم يبق لأم أكرم معيل يعينها على مواجهة صعاب الحياة، فانتقلت من بغداد إلى حيث يسكن أهلها، في قضاء الهندية بمحافظة كربلاء.
وفي مسعى منها للم شمل ما تبقى من أسرتها الصغيرة،أقنعت ابنها الثاني أحمد بالزواج من زوجة أخيه المتوفى فوافق، ثم راح يعمل في مجال البناء لمساعدة والدته في الإنفاق على الأسرة، خصوصا وأن والدته سكرتيرة في إحدى العيادات بأجر قليل، وتمارس عملا آخر في احد المراكز الصحية صباحا.
وشاءت الظروف أن يتعرض هو الآخر لحادث خطير، إذ سقط أحمد من ارتفاع يزيد عن تسعة أمتار ، وتهشم عدد من فقراته، ولم يعد يقوى على القيام بأي حركة، وصار على أم أكرم أن تنفق على مستلزمات رقاده في المستشفى مع رعاية باقي أفراد أسرتها، لاسيما وأن والدها وأختها مشلولان ولا يقويان على الحركة.
في المستشفى كانت المعاناة ترافق أم أكرم وابنها وبدلا من أن يكون المستشفى مكانا لتخفيف آلام الناس تحول بفعل طريقة تعامل عدد من الأطباء مع المرضى إلى سبب إضافي للألم. فقد طلب منها احد الأطباء حوالى خمسة ملايين دينار لتثبيت فقرة واحدة فقط في العمود الفقري المهشم لابنها أحمد.
صارت أم أكرم تقضي جل وقتها في المستشفى إلى جانب ابنها العاجز عن الحركة تماما. أما باقي أفراد الأسرة فاضطرت أم أكرم إلى اهمالهم بعض الشئ وبضمنهم حفيدتها الصغيرة. ولا تخفي أم أكرم شعورها بالتعب جراء ما تحملته من آلام وأعباء.
بقي أن نشير إلى أن أم أكرم تلقت جوابا من أطباء متخصصين في الهند ابلغوها بإمكانية إجراء عملية جراحية لولدها هناك، وأكدوا أنهم سيتمكنون من جعله يتحرك ثانية. لكن هذه العملية بحاجة لما يقرب من خمسة آلاف دولار، وهي الآن في رحلة مضنية لجمع هذا المبلغ من فاعلي الخير)).
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي:
عيننا الثالثة تقودنا أولا إلى الحلة لنزور رجلا قرر الانزواء عن الحياة العامة. فترك أسرته وموقعه وكل ما يعرف، ونصب خيمة على ضفاف النهر، وحولها إلى مسكن دائم.
قصة الرجل الذي كان مدرسا وكاتب مقالات يرويها لنا علاء رزاق مراسل اذاعة العراق الحر في بابل:
((ربما لم يكن يدور في خلد أهالي الحلة أن الأستاذ حسن الموسوي، الذي كان يدرس مادة الكيمياء قبل أن يتقاعد، ويتحول إلى السكن في خيمة على شاطئ نهر الحلة ليعيش مثل الإنسان القديم. ويرى الناس الموسوي اليوم بجسد نحيل شبه عار، وبلحية بيضاء، لم يحلقها منذ سنوات، وهو يلف وسطه بـ"وزرة".
تحدث المعتكف لإذاعة العراق الحر عن فلسفته في الحياة. فهو لا يهتم إن زاره احد أم لم يزره، ولا يستثني من ذلك أولاده، ويعتمد في مأكله وأموره الأخرى على مساعدات الناس.
قال الموسوي انه درَّس الكيمياء والفيزياء في أقدم إعدادية في المدينة هي إعدادية الحلة لحين حصوله على التقاعد، وقال إنه يقرأ المجلات والكتب بشكل دائم، وان الليل عنده مهم، ويمثل هندسة الحياة، وإنه لا يخاف من الظلام وقد اختار هذا المكان على شط الحلة بملء إرادته.
حسن الموسوي قال انه يعلم أن القوات الأميركية دخلت العراق، وإن جنودا كانوا يزورونه بشكل مستمر، وان المنظمات الإنسانية تقدم له المساعدات، غير انه قال إنه لا يحتاج الى هذه المساعدات التي لا تعني أي شئ بالنسبة له.
أنور عبد الرزاق وهو صاحب كشك لبيع الشاي بالقرب من خيمة الموسوي قال انه يقدم الطعام والشاي له، كما أكد أن رجل الخيمة يتصرف بشكل طبيعي كأي إنسان عاقل.))
ومن بابل نقطع مسافة قصيرة لنصل إلى كربلاء لنزور أم أكرم. هذه السيدة التي عاشت ظروفا قد يعيشها العديد من الأشخاص، لكن قل أن تتجمع كل هذه المعاناة في حياة شخص واحد. فقد فقدت أم اكرم زوجين وولدين احدهما بسبب الموت، والآخر بسبب العجز، وهي وحدها مسؤولة عن إعالة أسرتها.
قصة أم أكرم يرويها لنا مصطفي عبد الواحد مراسل اذاعة العراق الحر في كربلاء :
((لعل قصة أم أكرم واحدة من القصص الغريبة والمؤلمة، وتبدأ بفقدان الزوج الثاني في أحداث العنف التي شهدها العراق بعد 2003‘ إذ سقط في شارع حيفا لتجد أم أكرم نفسها بعده وفي الشارع نفسه أمام سلسلة حوادث مؤلمة أخرى.
ابنها البكر، أكرم قتل هو الآخر في أحداث العنف بعد سنوات من رحيل والده، مخلفا زوجة وطفلة صغيرة، ولم يبق لأم أكرم معيل يعينها على مواجهة صعاب الحياة، فانتقلت من بغداد إلى حيث يسكن أهلها، في قضاء الهندية بمحافظة كربلاء.
وفي مسعى منها للم شمل ما تبقى من أسرتها الصغيرة،أقنعت ابنها الثاني أحمد بالزواج من زوجة أخيه المتوفى فوافق، ثم راح يعمل في مجال البناء لمساعدة والدته في الإنفاق على الأسرة، خصوصا وأن والدته سكرتيرة في إحدى العيادات بأجر قليل، وتمارس عملا آخر في احد المراكز الصحية صباحا.
وشاءت الظروف أن يتعرض هو الآخر لحادث خطير، إذ سقط أحمد من ارتفاع يزيد عن تسعة أمتار ، وتهشم عدد من فقراته، ولم يعد يقوى على القيام بأي حركة، وصار على أم أكرم أن تنفق على مستلزمات رقاده في المستشفى مع رعاية باقي أفراد أسرتها، لاسيما وأن والدها وأختها مشلولان ولا يقويان على الحركة.
في المستشفى كانت المعاناة ترافق أم أكرم وابنها وبدلا من أن يكون المستشفى مكانا لتخفيف آلام الناس تحول بفعل طريقة تعامل عدد من الأطباء مع المرضى إلى سبب إضافي للألم. فقد طلب منها احد الأطباء حوالى خمسة ملايين دينار لتثبيت فقرة واحدة فقط في العمود الفقري المهشم لابنها أحمد.
صارت أم أكرم تقضي جل وقتها في المستشفى إلى جانب ابنها العاجز عن الحركة تماما. أما باقي أفراد الأسرة فاضطرت أم أكرم إلى اهمالهم بعض الشئ وبضمنهم حفيدتها الصغيرة. ولا تخفي أم أكرم شعورها بالتعب جراء ما تحملته من آلام وأعباء.
بقي أن نشير إلى أن أم أكرم تلقت جوابا من أطباء متخصصين في الهند ابلغوها بإمكانية إجراء عملية جراحية لولدها هناك، وأكدوا أنهم سيتمكنون من جعله يتحرك ثانية. لكن هذه العملية بحاجة لما يقرب من خمسة آلاف دولار، وهي الآن في رحلة مضنية لجمع هذا المبلغ من فاعلي الخير)).
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي: