وحيدا يجلس سرحان عبد الواحد وسط ساحة خالية، إلاّ من النفايات هنا وهناك. بصمات السنين على وجهه، أما شعره فملأه الشيب. أشعل سيجارة، نفث دخانها الذي بدا مشوبا بالحسرة على ماضي ألايام، ونظر الى مبنى قديم قبالته.
أرض الساحة التي كان المواطن سرحان عبد الواحد يتوسطها كانت احد اكبر معابد الطائفة اليهودية في العراق، والمبنى القديم كانت مدرسة مسعودة سلمان، التي الحقت بالمعبد منذ بنائها عام 1931 حسب الشاهد الذي مازال موجودا على بابها.
هذا المكان ليس الا قلب محلة التوراة الملاصقة لمحلة قنبر علي، وهما من أعرق محلات بغداد القديمة.
تحدث سرحان عبد الواحد لاذاعة العراق الحر موضحا "ان يهود العراق، بعد تهجيرهم مطلع خمسينات القرن الماضي، تركوا خلفهم هذه الابنية والمنازل التي استوطنها بعدهم بعض من اهل المحلة، أما مدرسة مسعودة فتحولت الى مدرسة حكومية للبنات حملت اسم النباهة وبقيت على حالها هذه حتى منتصف عقد السبعينات".
محلة التوراة كان يسكنها اكبر عدد من اليهود العراقيين عندما هاجمهم عام 1941 عدد من البغداديين بتحريض من حكومة رشيد علي الكيلاني، فقتلوا العديد منهم حسب بعض المصادر التأريخية. وكانت أزقة المحلة العتيقة تضم سوقا شهيرة حملت اسم احد كبار التجار اليهود حنون وما تزال تشتهر به. وكانت البقالة وتجارة البيض والشاي هي اكثر انواع الحرف التي زاولها يهود العراق.
وروى مختار المحلة الحالي عبد الغفور جابر لاذاعة العراق الحر كيف ان يهود محلته كانوا على خلق حسن، وصادقون في تعاملهم، ومسالمون وطيبوا المعشر، وكيف انهم قد اجبروا على الرحيل وترك العراق.
تحتضن المحلة التي لم تزل معالمها تدل بوضوح على هويتها اليهودية رغم ما اصابها من اهمال وتقادم طمر عددا من مبانيها، تحتضن ازقتها الضيقة، وبيوتها المتهالكة، مزارا يقدسه ابناء المحلة والمحلات المجاورة حتى يومنا هذا، ويأمونه طلبا للبركة واستجابة الدعاء، يعرف باسم مرقد الشيخ إسحاق، والمرقد في الحقيقة لرجل دين يهودي هو الحاخام إسحاق.
يتذكر أبو عمار وهو احد اقدم ساكني محلة التوراة كيف ان ابناء الطائفة اليهودية كانوا يأتون الى هذا المرقد كل يوم سبت لاقامة الصلوات، ثم يقوم احدهم بدفع مبلغ لاحد الصبية او المارة من ابناء المحلة ليقوم الاخير بقطع التيار الكهربائي عن المكان فيحل الظلام فيه كنوع من التبرك حسب طقوسهم.
عدد غير قليل من المصادر التاريخية تشير بوضوح الى ان ابناء الطائفة اليهودية التي كانت محلة التوراة أحد اكبر معاقلهم في العراق، كانوا ينتمون الى خيرة العوائل البغدادية التي شكلت الطبقة البرجوازية من المجتمع خلال النصف الاول من القرن الماضي.
ويوضح الباحث العراقي الدكتور علي النشمي كيف ان لليهود العراقيين الفضل في الحفاظ على اللهجة البغدادية من الضياع، لانهم كانوا يعيشون ضمن تكتلات شبه مغلقة على نفسها ومحافظة الى حد كبير، كما برز منهم العديد من خيرة الشعراء والمثقفين والعلماء.
إلاّ ان حاضر محلة التوراة في ايامنا هذه لا يشبه ماضيه الجميل حسب روايات أقدم ساكنيه، إذ يرزح سكان المحلة تحت وطأة الفقر والاهمال ونقص الخدمات البلدية ان لم نقل انعدامها. ومع هذا الوضع يتولى سكان المحلة اسبوعيا حمل الازبال بانفسهم الى اقرب شارع تمر فيه سيارات نقل النفايات.
وقال المواطن سرحان عبد الواحد "إن أزقة المحلة كانت مضرب الامثال في نظافتها، وجمال تنسيقها، وكيف انها تحولت حاليا الى برك من المياه الاسنة، والى بؤرة لتفشي مختلف انواع الامراض التي تفتك بساكني المحلة، التي لم يتذكرها في يوم من الايام أي مسؤول في المجلس البلدي او امانة بغداد او الحكومة".
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي:
أرض الساحة التي كان المواطن سرحان عبد الواحد يتوسطها كانت احد اكبر معابد الطائفة اليهودية في العراق، والمبنى القديم كانت مدرسة مسعودة سلمان، التي الحقت بالمعبد منذ بنائها عام 1931 حسب الشاهد الذي مازال موجودا على بابها.
هذا المكان ليس الا قلب محلة التوراة الملاصقة لمحلة قنبر علي، وهما من أعرق محلات بغداد القديمة.
تحدث سرحان عبد الواحد لاذاعة العراق الحر موضحا "ان يهود العراق، بعد تهجيرهم مطلع خمسينات القرن الماضي، تركوا خلفهم هذه الابنية والمنازل التي استوطنها بعدهم بعض من اهل المحلة، أما مدرسة مسعودة فتحولت الى مدرسة حكومية للبنات حملت اسم النباهة وبقيت على حالها هذه حتى منتصف عقد السبعينات".
محلة التوراة كان يسكنها اكبر عدد من اليهود العراقيين عندما هاجمهم عام 1941 عدد من البغداديين بتحريض من حكومة رشيد علي الكيلاني، فقتلوا العديد منهم حسب بعض المصادر التأريخية. وكانت أزقة المحلة العتيقة تضم سوقا شهيرة حملت اسم احد كبار التجار اليهود حنون وما تزال تشتهر به. وكانت البقالة وتجارة البيض والشاي هي اكثر انواع الحرف التي زاولها يهود العراق.
وروى مختار المحلة الحالي عبد الغفور جابر لاذاعة العراق الحر كيف ان يهود محلته كانوا على خلق حسن، وصادقون في تعاملهم، ومسالمون وطيبوا المعشر، وكيف انهم قد اجبروا على الرحيل وترك العراق.
تحتضن المحلة التي لم تزل معالمها تدل بوضوح على هويتها اليهودية رغم ما اصابها من اهمال وتقادم طمر عددا من مبانيها، تحتضن ازقتها الضيقة، وبيوتها المتهالكة، مزارا يقدسه ابناء المحلة والمحلات المجاورة حتى يومنا هذا، ويأمونه طلبا للبركة واستجابة الدعاء، يعرف باسم مرقد الشيخ إسحاق، والمرقد في الحقيقة لرجل دين يهودي هو الحاخام إسحاق.
يتذكر أبو عمار وهو احد اقدم ساكني محلة التوراة كيف ان ابناء الطائفة اليهودية كانوا يأتون الى هذا المرقد كل يوم سبت لاقامة الصلوات، ثم يقوم احدهم بدفع مبلغ لاحد الصبية او المارة من ابناء المحلة ليقوم الاخير بقطع التيار الكهربائي عن المكان فيحل الظلام فيه كنوع من التبرك حسب طقوسهم.
عدد غير قليل من المصادر التاريخية تشير بوضوح الى ان ابناء الطائفة اليهودية التي كانت محلة التوراة أحد اكبر معاقلهم في العراق، كانوا ينتمون الى خيرة العوائل البغدادية التي شكلت الطبقة البرجوازية من المجتمع خلال النصف الاول من القرن الماضي.
ويوضح الباحث العراقي الدكتور علي النشمي كيف ان لليهود العراقيين الفضل في الحفاظ على اللهجة البغدادية من الضياع، لانهم كانوا يعيشون ضمن تكتلات شبه مغلقة على نفسها ومحافظة الى حد كبير، كما برز منهم العديد من خيرة الشعراء والمثقفين والعلماء.
إلاّ ان حاضر محلة التوراة في ايامنا هذه لا يشبه ماضيه الجميل حسب روايات أقدم ساكنيه، إذ يرزح سكان المحلة تحت وطأة الفقر والاهمال ونقص الخدمات البلدية ان لم نقل انعدامها. ومع هذا الوضع يتولى سكان المحلة اسبوعيا حمل الازبال بانفسهم الى اقرب شارع تمر فيه سيارات نقل النفايات.
وقال المواطن سرحان عبد الواحد "إن أزقة المحلة كانت مضرب الامثال في نظافتها، وجمال تنسيقها، وكيف انها تحولت حاليا الى برك من المياه الاسنة، والى بؤرة لتفشي مختلف انواع الامراض التي تفتك بساكني المحلة، التي لم يتذكرها في يوم من الايام أي مسؤول في المجلس البلدي او امانة بغداد او الحكومة".
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي: